رمـضـــــان والصـــــيام

العدد: 9352

22-5-2019

لعلّ أكثر جملةٍ ترافق هذا الشّهر المُبارك شهر رمضان الكريم هي جملة (صياماً مقبولاً. . وإفطاراً شهيّاً)، فهي الجملة التي يردّدها الجميع قبيل الإفطار بلحظات، وكثيرة هي الجمل التي نُردّدها من دون أنْ نعطيها حقّها من التأمُّل والتدبُّر، ولستُ هنا في واردٍ ما جاء في التّشريع عن أحكام الصّيام، فالمصادر التشريعيّة في متناول من يقصدها، بل هي نظرةُ تأمّل في هذه الجملة الشّهيرة (صياماً مقبولاً. . وإفطاراً شهيّاً). 

فمعظمنا يعرف أنَّ الصّيام ليس عن الطعام والشّراب فحسب، ولكن ماذا يعرف غير ذلك؟ أهو صيام عن الكذب مثلاً؟ فيقول قائل: وهل هو مسموح إذاً أنْ تكذب بعد الإفطار؟ هل هو صيام عن الكلام السيّئ والفعل السيّئ؟ ثمّ يسمح لك أنْ تمارسها بعد الإفطار! وهل يكون الصّيام عن النّميمةِ والمنّةِ والمسبَّة،ِ وعن مكاره الأخلاق؟ ثمّ يُسمح لك ذلك كلُّه بعد الإفطار! تطول المقارنات، ويطول الحديث. . فكيف يكون الصّيام مقبولاً؟ ومن يظنُّه سؤالاً سهلاً فقد تعسَّفَ. . ومن تعسَّفَ في طريقٍ ضلَّ فيه، واستوجفَ التقليدُ صيامَه!
وكما قلت في البداية: إنّما الحديث عن مشاهدَ في مجتمع الصّوم، وكمثال على ذلك: لنفترض أنَّ أحداً ما لسببٍ ما، استيقظ ذات صباح، ونسيَ أنْ يأكلَ أو أنْ يشربَ، ثمّ تذكّر موعداً أو عملاً، فلبس مسرعاً إليهما، ثمّ شُغل بشيءٍ آخر، ومضى الوقت. . وعندما حان وقت العودة لمْ يجد سبيلاً إلى مواصلات، ولم يجد سلسبيلاً ليشرب، ومضى الوقت. . إلى أنْ عاد إلى بيته تعباً، فاستلقى، فنام ولمْ يستيقظ إلَّا بعد الغروب، وهو في يومهِ كلّه لمْ يأكل ولمْ يشرب، ولمْ يتعامل مع أحدٍ في سوءٍ، ولمْ يسرق، ولمْ يكذب، ولمْ يفعل ما يغضب الله وعباده.
هذا هو السّؤال! إنّه على الرَّغم من عدم تناوله للطعامِ أو للشّرابِ، وعلى الرّغم من عدم تناوله لِما يُسيء للآخرين، لا يُحتسب صائماً!
ثمّ هناك من ينوي الصّيام ثمّ يؤدّيه كما تمّ الفرض عليه، من صيام عن الطعام وعن الشّراب، وعن مكاره الأخلاق، لابُدَّ أنْ يدعو قُبيل الإفطار: (اللَّهُمَّ تقبَّلْ)، ونقول له: (صياماً مقبولاً إنْ شاءَ الله)، فمهما كان يتَّجهُ كما وَجَّهَهُ الشَّرع، فلن يُقبلَ صيامُهُ إلَّا إذا شاءَ الله!
ثمّ يأتي الإفطار، فنقول: (إفطاراً شهيّاً)، فكيف يكون الإفطار شهيّاً؟ هل بتناول ما لذَّ وطابَ من أصناف الطعام والشّراب والحلويات، /طبعاً الجود بالموجود وخاصّة في شهرنا هذا/؟ وهل هناك صنفٌ شهيٌّ للجميع؟ فالنَّاس أذواقٌ في طعامهم وفي غيره، وإنّما الشهيّة في إفطار الصّائم أنْ يتناولَ طعامه في رضاً وطمأنينةٍ وسكينةٍ، على أنّه استطاع فِعْلَ ما نوى عليه، وقد أعانه الله على ذلك، فمن يأكلُ طعامه سعيداً بصومه، راضياً عن نفسه فطعامُهُ شهيٌّ ولو لقيمات!!
وفي مشهدٍ آخر من مشاهدَ عديدة من مجتمع الصّيام، وخاصَّة مشهدُ أولئك الذين يبقون نائمين ساعاتٍ وساعات، حتّى يحين موعدُ الإفطار! ومن الطريف اليوم أنّنا أصبحنا في عصر لا حاجةً لنا فيه إلى (مسحّراتي) ليوقظنا من أجل السّحور، فمعظمنا يبقى مستيقظاً حتّى السّحور، بل نحن بحاجةٍ إلى (مفطَّراتي) ليوقظنا في وقت الإفطار، فيقول: (صياماً مقبولاً. . وإفطاراً شهيّاً)!!

سـها أحمد علي 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار