الوحدة: 27- 6- 2023
لاتبارح تفكيري صورة البيت الريفي المحور بالطين الأبيض، أحن إلى مساحته الصغيرة، ودفئه وبساطته وعفويته وجماله أيضاً، جمع ذلك البيت الكبار والأحفاد كباراً وصغاراً، وأجمل مافيه كان وجود جدي الهادىء الرصين الحكيم الحنون، وجدتي تلك المرأة الوقورة المشرقة بابتسامتها والمحبة لعائلتها وضيوفها، كانت كريمة عفيفة النفس تواقة لعمل الخير، مترفعة عن كل الصغائر، ونشيطة في إنجاز أعمال المنزل والزراعة، متدينة حفظت آيات القرآن والأدعية عن ظهر قلب رغم أنها غير متعلمة، رحمهما الله.
منذ طفولتي لازالت عالقة في ذهني التفاصيل الكبيرة والصغيرة، ذلك السرير العريض الحديدي، والبسط والمدات التي فرشت على الأرض، فقد تم حياكتها ببراعة وإتقان من الأقمشة القديمة البالية، وساموك يتوسط الغرفة، أو عامود لتمتين وتدعيم البناء الذي سقفه من الخشب، وجدرانه من حوارة الطين، وفي زاوية الغرفة طاولة خشبية وضع عليها الفرش واللحف.
كما لا أنسى المكبة أو قفة القصب التي تغطي الطعام للحفاظ على برودته ونظافته، وأيضاً مدفأة الحطب (اللوجاق) لها ألف حكاية وحكاية كانت تنعش قلوبنا دفئاً وحباً.
لكل تلك الدائرة المغلقة تفاصيل واختلافات لها طعم آخر.
وكيف لي أن أنسى سراج القنديل ذلك النور الخافت المضيء الذي كان امتداد لجلساتنا الريفية وسهراتنا التي نتوق إليها.
وعلى الباب الخارجي من جهة اليسار جرة فخارية يسمونها دبليز وإلى جانبها كوب من الفخار خصص لشرب الماء من النبع الصافي.
أما من جهة اليمين “حظيرة” كبيرة لتربية الدواجن والحيوانات.
وأمام البيت تلتف الأشجار الضخمة الكبيرة الحور والكينا والفواكه بأنواعها المختلفة.
تلك الذكريات حفرت وتجذرت في ذاكرتي، بقيت كالخيوط الذهبية تشع نوراً لا يتكرر….
مضت تلك الذكريات والأيام الجميلة دون رجعة، نتحسر على البساطة والعفوية واللمة العائلية التي أصبحنا نفتقر إليها …؟ ياليت الزمان يعود.
مريم صالحة