فــــــات الميعـــاد…

العدد: 9350

20-5-2019

حياتك قصص وروايات، ولو نثرت على الأرض لكست وجهها بأكمله وإذ تكادست أسطرها فوق بعضها البعض أعمرت آفاقاً تفوق رؤيتنا، وإذ شرحت لخلقت كوناً آخر بوسعه أخفى بشريتنا هذه هي كينونتك أيها المريض لكن ما ظلله القدر لمعبر حياتك لا تستطيع أن تغلقه حسراتنا ولا دموعنا، مجتمعنا كبير وربما في كل منزل يوجد بلاء بعزيز أو حيز من الهم الذي سيتملك قلبنا حتماً في كل لحظه يتقدم بها عمرنا ولكل أساليبه ونظرياته وأفكاره التي لا تتماثل مع الآخر لكن إلا عندما نقف أمام وجوه لفحها رداء المرض علينا أن نشق بداخلنا لهم طريقاً للفرح الذي لم يشاهدوه في ملامح وجه حياتهم ليتنا سوية بهذا المنطق الإنساني هل وجوده بالقرب يرهقك هل النفور من مجالسته تريح مشاعرك وهناك ألف هل وليت الجواب لا. إن الله أعطانا الصبر لكن هذا الإنسان لا يدرك معرفته فلا تلمه على أخطائه التي لا يعرف صحيحها.
في حيّنا الصغير كانت المنازل متجاورة وأغلبنا كان يعرف أسرار وهموم الآخر حيث كان بجانبنا جارة لديها ابنة مصابة (بمرض عقلي) وسلوكها بالنسبة لأبناء الحي كان أمراً مرعباً، وصبر والدتها كثيراً ما يبلغ ذروته وكانت تعاقبها أحياناً بالضرب وأحياناً بالحبس بغرفة صغيرة كأن أفعالها مقصودة وهي بكامل وعيها وكل يوم كان يضج الحي بصوت هذه الفتاة المريضة فأذهب أنا نحو نافذة غرفتها التي تطل على الشارع وأنظر إلى ما بداخلها وأراها كأنها لوحة صممها الحزن وبصمات القهر كانت تتجسد بمنظرها الكلي والفتاة جزء يستحيل فصله عن هذه اللوحة لكن عندما تراني تبتسم وترفع يدها بقصد السلام وتريد مصافحتي وخوفي لم يسمح لي أن أشاهد ما سيحدث بعد هذه اللحظة فأبتسم وسرعان ما أعود إلى منزلي وأجلس لساعات طويلة وتتشابك أفكاري وأحاسيسي مع بعضها البعض كنت دوماً أسأل نفسي كيف سأعيش لو كنت مكانها لكن حتى هذا اليوم لا أستطيع أن أحمل عقلي عبء هذا الجواب ومرت الأيام ولم يتغير شيء لا سلوك الأم ولا حالة الفتاة إلى أن شاء الله وطوى صفحة عمر هذه الفتاة وتوفيت لكنها رحلت تاركة وراءها الندم الذي يخنق والدتها في كل ساعة وفي كل يوم وهذا ما كان واضحاً عندما شاهدتها أخر مرة تقول (يا حسرتي أنا والدنيا ظلمناها، إني فشلت بامتحان الله لي) هذه هي مشكلة البعض منا أنه لا يشعر بسوء أخطائه إلا عندما تنفذ كل فرصه في تصححيها ولو كل شخص منا وضع نفسه مكان الآخر لعمّ السلام وتنحى الظلم لكن هذا هو حال الدنيا.

فداء محمود محمود

تصفح المزيد..
آخر الأخبار