العدد: 9347
الأربعاء: 15-5-2019
شهدت السنوات الأخيرة اهتماماً عالمياً متزايداً بالزراعات العضوية وذلك نظراً للفوائد الاقتصادية والصحية والغذائية والبيئية الكبيرة التي تتمتع بها.
وقد واكبت سورية التوجه العالمي نحو هذا النوع من الزراعات لكن النتائج المحققة فيها حتى الآن لا تزال دون حجم الآمال المعقودة عليها، ولا تتناسب مع الفرص والإمكانات الكبيرة التي نملكها..
عن هذه الزراعة واقعها وآفاقها والمعوقات التي تعترضها تحدثت لنا الدكتورة غيداء بركات رئيسة دائرة الزراعة العضوية في مديرية زراعة اللاذقية.
بدأت د. بركات حديثها بالإشارة إلى أن التحول إلى الإنتاج العضوي هو توجه عالمي ذو أهداف بيئية واقتصادية وصحية واجتماعية، وأن هذا النوع من الإنتاج هو نظام متكامل يرافق العملية الزراعية من اللحظة الأولى (تحضير مستلزمات الإنتاج) وحتى الوصول إلى المنتج النهائي ومن ثم المستهلك (جني وتخزين وتغليف وتسويق) حيث أن الإنتاج العضوي يخضع في كل مرحلة من هذه المراحل للعديد من الشروط التي تضمن سلامة الإنتاج وخلوه من الأثر المتبقي للمواد الكيماوية المصنعة من أسمدة ومبيدات وذلك بغية الوصول في النهاية على منتج عالي الجودة وآمن صحياً وذو جودة غذائية عالية.
وأما خطوات التحول إلى هذا النوع من الإنتاج فقالت د. بركات بأنها تنطلق من مجموعة من الشروط التي تتضمن رغبة المشغل المزارع أو صاحب المنشأة بالتحول ووجود الفنيين القادرين على متابعة عملية التحول، ووجود البدائل التي يمكن استخدامها في نظام الإنتاج العضوي بدلاً من المواد ومدخلات الإنتاج الكيماوية المصنفة من مبيدات وأسمدة، إضافة لوجود رقابة دولية مخولة وقادرة على منح شهادة المنتج العضوي إذا حقق الإنتاج شروط الإنتاج العضوي باعتبار أن الملصق الذي تعطيه هذه الجهة الرقابية يعطى إمكانية تداول المنتج في الأسواق العالمية خاصة وأن السوق العضوي هو سوق واعد وآخذ في النمو عالمياً.
نحو الأصناف المحلية
وأوضحت د. بركات في الجانب المتعلق بسورية بأن هناك توجهاً وطنياً نحو الأصناف المحلية التي تكون متلائمة مع الظروف البيئية في المنطقة وذات المقاومة العالية للتقلبات المناخية والآفات والتي تسهل عملية التحول وتخفف من تكاليفه معطية مثالاً على ذلك محصول الزيتون في محافظة اللاذقية الذي يعتبر في المرتبة الأولى من حيث المساحة المزروعة والثانية من حيث الإنتاج بعد محصول الحمضيات والذي يبدو مرشحاً بقوة للتحول إلى نظام الإنتاج العضوي وذلك نظراً لجملة من الخصائص والميزات التي يتمتع بها والتي تضمن كونه من الأنواع المحلية على اعتبار أن الإنسان السوري هو أول من استزرع الزيتون البري في العالم وأنه هناك تعدد وتنوع في إضافة وهو ما يعطي إمكانية لزراعة الأصناف المتناسبة مع البيئات المتنوعة في سورية منه، حيث من المعروف أن الزيتون يتيح السيطرة على معظم آفاته باستعمال الإدارة المتكاملة للآفات، وهو ما يستبعد استخدام المبيدات الكيماوية، ناهيك عن أن شجرة الزيتون ذات متطلبات غذائية تمكن من استخدام بدائل التسميد الكيماوي باستخدام المخصبات الحيوية والأسمدة العضوية الحيوانية والأسمدة الخضراء (الكومبوست) أي استخدام بقايا التقليم كسماد، وهو نوع من المواد التي يمكن تصنيعها محلياً على مستوى المزرعة ومن قبل المزارع باستخدام مخلفات معاصر الزيتون (العرجوم) أو بقايا التقليم وقد نفذت الزراعة في اللاذقية العديد من البيانات العملية حول طريقة تحويل تلك المخلفات إلى سماد عالي القيمة ويحقق نتائج إيجابية بيئية كبيرة (التخلص من المخلفات والحصول على سماد غير كيميائي ،إضافة للنتائج الاقتصادية المتمثلة بالحصول على سماد أقل كلفة وتوفير بشراء الأسمدة والنتائج البيئية المتمثلة بالاستغناء عن استخدام الأسمدة الكيميائية.
دور دائرة الإنتاج العضوي
وأما عن دور دائرة الإنتاج العضوي في مديرية زراعة اللاذقية في مجال التحول إلى الإنتاج العضوي فقالت رئيسة الدائرة بأنه يتمثل في نشر ثقافة التحول إلى الإنتاج العضوي وذلك من خلال محورين يتضمن أولهما: التوجه نحو الزملاء المهندسين الزراعيين والفنيين في كل القطاعات العاملة في المحافظة (بحوث- إنتاج- مرأة ريفية..) من خلال إقامة الدورات التدريبية التخصصية حول مبادئ الإنتاج العضوي وإمكانية التحول إلى نظام الإنتاج العضوي بشقيه الحيواني والنباتي، أما ثاني هذه المحاور فيتمثل بالتوجه إلى المزارعين وذلك من خلال أسلوبين إرشاديين أولهما المدارس الحقلية وثانيهما الحقول الإرشادية حيث يمكن من خلال الأسلوب الأول (المدارس الحقلية) أخذ أحد المزارعين المتطوعين لتحويل حقله إلى الإنتاج العضوي وزيارة حقله بشكل دوري تبعاً لنوع المحصول وذلك بحضور (12- 15) مزارعاً يزرعون نفس المحصول الذي تزرعه المدرسة (النباتات الطبية- قطن- شوندر..) على مدى موسم كامل حيث يتم وخلال هذه الفترة متابعة المحصول من الألف إلى الياء (زراعة- تقليم- تسميد وإدارة متكاملة وكل ما يتطلبه التحول إلى الإنتاج العضوي) وقد أعطت المدارس التي نفذت وبحسب الدكتورة بركات نتائج مبشرة للتحول إلى الإنتاج العضوي في الجانب المتعلق بمحصول الزيتون.
أما في الشق الثاني المتعلق بالحقل الإرشادي فقالت رئيسة الدائرة بأنه يتم من خلال اختيار حقل نموذجي لتنفيذ بعض البيانات العملية المتعلقة بالتحول إلى نظام الإنتاج العضوي وكيفية صناعة الكومبوست واستخدام شاي الكومبوست وتوزيع المصائد وفقاً لنظام الإدارة المتكاملة للآفات.
البداية في 2006
وعن بداية العمل باتجاه التحول إلى الإنتاج العضوي في سورية قالت د. بركات بأن البداية كانت خلال الفترة الواقعة ما بين 2009- 2012 من خلال برنامج ممول من الفاو وثم تنفيذه على مرحلتين امتدت الأولى منهما من 2006- 2009 وشملت عملية التأسيس التي نفذت بالتعاون مع هيئة البحوث العلمية الزراعية وكانت ذات طابع علمي أما المرحلة الثانية فامتدت بين 2009 و2012 ونفذت بالتعاون مع الإرشاد الزراعي وتضمنت تنفيذ عدد من المدارس الحقلية تبعاً للمحاصيل الرئيسية في كل محافظة ليصدر بعد ذلك المرسوم التشريعي الناظم للإنتاج العضوي وقانون الإنتاج العضوي السوري والذي أعطى مديرية الإنتاج العضوي مهمة الإشراف على عملية التحول إلى الإنتاج العضوي في سورية وذلك من خلال الدوائر التابعة لها في المحافظة ومنها دائرة اللاذقية وأما الجديد في الأمر فهو الترخيص من قبل وزارة الزراعة لشركة عالمية معتمدة للرقابة على الإنتاج العضوي السوري وهي الخطوة التي تمت منذ حوالي الـ6 أشهر والتي يتاح من خلالها إعطاء شهادة الإنتاج العضوي للمنتجات العضوية السورية بما لذلك من أهمية على صعيد تمكين هذا المنتج من الدخول إلى الأسواق العالمية.
أهمية اقتصادية
وفي الجانب المتعلق بالأهمية الاقتصادية بعملية التحول إلى الإنتاج العضوي قالت د. بركات بأنها كبيرة وتكمن في كون قيمة المنتج العضوي يوازي 3- 4 أضعاف قيمة المنتج غير العضوي في الأسواق العالمية وأن تلك العملية توفر على المزارع الكثير في الجانب المتعلق بمستلزمات الإنتاج مشيرة إلى أن عملية التحول تكون أكثر جدوى في توجهنا إلى أنواع ذات خدمات بسيطة مثل: النباتات الطبية التي لها سوق عالمية كبيرة مشيرة إلى إمكانية التغلب على الجانب الصعب في عملية التحول والكافية في شهادة شركة المراقبة من خلال التعاونيات الزراعية التي تضم عدة مزارعين يوزعون تكاليف الحصول على تلك الشهادة بينهم منوهة هنا بأهمية مثل هذه الخطوة بالنسبة لمحافظة اللاذقية التي تتميز بكون الحيازات الزراعية فيها صغيرة ومؤكدة على ضرورة الدعم الحكومي لعملية التحول خلال تأمين مستلزمات الإنتاج داعية إلى ضرورة نشر ثقافة التحول إلى الإنتاج العضوي الذي قالت بأن البدء به يمكن من خلال الكوادر الفنية المتاحة وتأهيلها وأيضاً على ضرورة تحفيز المزارعين لاختيار هذا النوع من الإنتاج وهو ما يمكن أن يتم من خلال عدة أساليب مثل تقديم مستلزمات الإنتاج وإيجاد منافذ لبيع الإنتاج العضوي مشابهة لمنافذ بيع منتجات المرأة الريفية وغير ذلك من الأساليب التي من شأنها تطوير هذا المنتج العام الذي اعتبرت أن الهدف الأساسي فيه وإلى جانب الاستغناء عن استيراد منتجاته التي تأتي إلى القطر من الدول المجاورة مثل لبنان وتركيا هو التصدير إلى الأسواق الخارجية مشيرة إلى وجود الكثير من المنتجات السورية التي يمكن تصديرها كإنتاج عضوي مثل: زيت الزيتون وأيضاً الزعتر السوري الذي يصدر إلى تركيا ليباع من خلالها على أنه إنتاج عضوي وذات الأمر بالنسبة للسماق والغار منوهة في هذا الجانب على ضرورة تصنيع هذا الإنتاج لما لذلك من أهمية على صعيد تحقيق قيم مضافة أكبر من تصديره مادة أولية.
على الأجندة
وفيما يتعلق بالنشاطات التي تعمل دائرة الإنتاج العضوي في مديرية زراعة اللاذقية لتنفيذها هذا العام قالت الدكتورة بأنها عديدة وتشمل تنفيذ 10 دورات تدريبية في مجال الإنتاج العضوي (النباتات الطبية- التصنيع العضوي والأنواع الحراجية المؤهلة للإنتاج العضوي وتربية النحل والإدارة المتكاملة وفق الإنتاج العضوي) إلى جانب تنفيذ مدرستين حقليتين الأولى حول زراعة النباتات الطبية والعطرية في الزوبار والثانية حول التحول إلى الإنتاج العضوي للحمضيات في فديو وذلك إلى جانب تنفيذ العديد من البيانات العملية التي تتناول المواضيع ذات العلاقة بالإنتاج العضوي لافتة إلى التعاون مع جامعة تشرين ومركز البحوث العلمية الزراعية وكافة الدوائر المعنية في مديرية الزراعة (إرشاد- مكافحة- تدريب وتقليم زراعي والدوائر المعنية بمحاصيل الحمضيات والزيتون) في تنفيذ مختلف الأنشطة أما المدارس التي يتم تنفيذها فتشمل مدرسة الحويز للزيتون التي حظيت بتجاوب كبير من قبل المزارعين الذين أبدوا رغبة في التحول إلى هذا النوع من الإنتاج بعد متابعتهم للمدرسة وهي الرغبة التي يحول الحصول على شهادة المراقبة دونها بشكل يدعو إلى ضرورة الدعم الحكومي للحصول عليها.
وفي الختام
اختتمت د. بركات بالإشارة إلى امتلاك سورية لكثير من المقومات التي تجعلها رائدة في مجال الزراعة العضوية (الزيتون- النباتات الطبية- الخرنوب- الغار- السماق..) مشددة على ضرورة الاهتمام بتصنيع تلك المنتجات وهو الأمر الذي يمكن أن يتم من خلال ورش صغيرة تتقيد بشروط الإنتاج العضوي مشيرة إلى وجود بعض المعامل الصغيرة التي تعمل في هذا المجال وإلى كون الزراعة العضوية مجالاً متاحاً للتعاون مع المنظمات الدولية التي تتجه في عملها نحو الزراعة الذكية القادرة على تحمل التغيرات المناخية باعتبار أن الزراعة العضوية تتوافق مع هذا التوجه.
وأشارت د. بركات إلى أن الزراعة العضوية هي خيار وأنها تمثل 3-4 % من السوق العالمية التي يصل حجم استهلاكها من هذه المنتجات إلى المليارات من الدولارات وهو ما يؤكد عدم وجود مشكلة تسويقية لمنتجات هذه الزراعة التي تشمل الشقين النباتي والحيواني والتي يتمتع إنتاجها بالعديد من المزايا مثل القيمة الغذائية الأعلى والجودة العالية والخلو من الآثار المتبقية للمبيدات والأسمدة الكيميائية، لافتة في هذا الجانب إلى أن الفارق في السعر ما بين الإنتاج اللاعضوي والعضوي يغطى من خلال الفوائد التي يمكن الحصول عليها من خلال استهلاك الإنتاج العضوي إن كان على صعيد القيمة الغذائية أو الحد من الأضرار التي يسببها الإنتاج التقليدي انطلاقاً من قاعدة درهم وقاية خير من قنطار علاج مؤكدة في النهاية أن ثقافة الزراعة العضوية موجودة عند السوري ولكنها بحاجة إلى الإضاءة والإعلام والتركيز وحسب، مؤكدة أن ثقافة السوري في هذا الجانب تمتد إلى إرثه الكبير في مجال الزراعة والذي يمتد إلى 7000 عام.
نعمان أصلان