العدد: 9347
الأربعاء: 15-5-2019
ها هو فريد عيسى (الجبل) على المسرح بقلب يرفض إلا أن ينبض يشدو ويسكب في مسامعنا نشيد الحياة بين رفاق مثله وعلى طرفيه اللذين فقدهما على مسرح المعركة مع الذراع، تستند الأكتاف وتتراصف كبنيان مرصوص تشتد له الأوصال وتسعر الأنفاس ب(كلمة حلوة وكلمتين.. حلوة يا بلدي).
تعلو هتافات (محمد صالح) من كرسيه المدولب في الطرف الآخر من صالة المسرح بين الحضور وهو رفيق درب القتال والتضحية، يحلق بكفيه تصفيقاً وابتهاجاً كما علت في مسرح ساحة القتال ببندقية وراية النصر.
قامات طلعت من رحم ساحات الوغى والغوى بقلب يرفض إلا أن ينبض، تعاند كعواصف تتسلق جبال العلا وتصير قمراً وأغنية ووردة، موسيقاها تنسل إلى الوجدان لتعمر في كياننا كيان يقود الروح إلى عوالم زاخرة بأعراسها المضيئة.
(لاكتب اسمك يا بلادي، موطني، خبطة آدم، كانت أصواتهم تاخدنا مشوار..) أنشدوا ورتلوا لوطنهم في شهر الصوم بنغم سرمدي لا يهدأ ولا ينضب، على مسرح دار الأسد للثقافة، حيث أقامت جمعية المقعدين وأصدقائهم حفلاً وطنياً لكورال جرحى الجيش العربي السوري بمناسبتي عيد الجلاء وعيد الشهداء تحت شعار (الجولان لنا).
السيدة فريال عقيلي قدمت كلمة الافتتاح فقالت:
هذا هو عامنا الثالث لتأسيس فريق كورال وطن الغار لجرحى الجيش العربي السوري، في كل مرة نتحدى الظروف ويتحدون أوجاعهم نستمد العزيمة من أرواحهم الكبيرة الوثابة وبالرغم من صعوبة الانتقال والمعاناة والألم إلا أنهم ودائماً السباقين لحمل الرسالة كما كانوا للذود عن أرض الوطن رمزاً للبطولة، دورنا كبير جداً في المجتمع الأهلي لنشر الوعي وزيادة اللحمة الوطنية وتحقيق التكافل وتضافر الجهود مع المنظمات الشعبية والنقابات المهنية، ولا فضل لأحد منا ولا منّة.. بل هو واجب مقدس تفرضه المواطنة والانتماء.
قالوا: حب الوطن من الإيمان، وأنا كمواطنة سورية أقول: حب الوطن هو الإيمان، والمواطنة الحقة ليست مسمى على هوية ولا جنسية على جواز سفر، بل هو عمل خالص لله.
الطفلة رند ابنة الجريح سومر زينو، كان لوقع صوته في أذنها كل فرح وجمال فما إن انتهى من الغناء حتى اعتلت المسرح ورمت بنفسها في أحضانه تقبل حناياه ليخفق قلبها الصغير بين جناحيه، فهي تشعر بوجودها قربه بالأمن والأمان والفرح (كما قالت).
الجريح سامي اسكندر أشار إلى أن الحياة يملؤها الحزن والفرح، ورغم كل الآلام والأوجاع لن تنال من نفوسنا وليس للحزن مطرح في بلدنا، وقال: أظن أننا كسبنا معركتنا اليوم كما كل معركة في الحرب والسلم والحياة فنحن لا نعرف اليأس ولا الخسارة والحمدلله، والحياة لا تقف عند إصابة جسد أو حتى فقدان عضو منه يكفي أن يكون القلب والعقل سليمين ليكون الجسم سليماً، وعندها نستطيع أن نستمر برسالتنا وحملها بشغف وحب للوطن نكمل بها الطريق مع كل فاعل خير للمجتمع، أنا من أفراد الكورال منذ سنتين وتجربتنا الأولى على المسرح كانت خارج المحافظة عند افتتاح مهرجان حمص ونجحنا فيه، واليوم نشارك في فرحنا هذا أهلنا وأخوتنا وأصحابنا، وأظن أن صوتي مقبول وليس فيه نشاذ رغم أني لم ألحظه يوماً ولم يكن لدي أي هواية موسيقية فقد كنت ممرضاً، لكني أجد ذاتي في هذا الكورال وأدندن أشعاري عندي عملي في محل صيانة موبايلات، وإصابتي في النخاع الشوكي بنسبة 80% لم تشكل عجزاً لي بل أصرّ دائماً أن أكون من الفائزين ولا يأس مع الحياة.
الجريح وائل معمو لديه أذية عصبية وخزع بالنخاع الشوكي وشلل كان بنسبة 95% لكن والحمد لله بمعجزة من رب العالمين هو يمشي اليوم كما قال: وطننا لنا ولنا أن نعمل ونحلم ونغني، فلسنا رجال جيشنا البطل في معارك القتال والحرب إنما جيش الفرح والنصر والأمن والأمان، تعرفت على جمعية المقعدين وأصدقائهم بدعوتي لحضور دورة إصلاح وصيانة موبايلات بعدها كان لي حيزاً واسعاً عندهم لأكون في الكورال، والمدرب منار رائع جداً وكل الشكر له على تصبره وتحمله لنا ونود أن نكون بالمستوى الذي يريده ويراه فينا، لم أتخيل يوماً أن اعتلي مسرحاً وأمتشق أغنية أرفع بها صوتي وأتغنى بحبيبتي سورية (سورية يا حبيبتي.. أعدت لي كرامتي أعدت لي هويتي..).
أُمّ الجريح علي سليمان الذي أتت الأذية في عيونه ولديه من الأولاد أربعة وقد رافقها كبيرهم محمد الذي أتى ليسمع والده ويدندن معه (خبطة آدم) فهو صديقه اليوم يشجعه ويصفق مع الجمهور، تقول والدته: الحمد لله ولدي رجع إلى الحياة والغناء، مر وقت طويل علينا بقهر وكأنه دهر لكنه اليوم يزول عنا خائباً إذ الفرح غلاب.
وتؤيدها القول أم الجريح أيهم زينة، (لديه شلل رباعي وقد تقهقر عنه بأشواط والشكر لله) أتيت لأسمع صوت ولدي الذي لم أشبع منه رغم أنه رنان في البيت، فلم يستسلم لوضعه ولم تخنه لحظة ضعف إذ لطالما تطاير وتصابر وصابرني معه لنرفع أصواتنا معاً بالأمل والحياة، واليوم هو أفضل وبأحسن حال ينام ملء جفونه ويحلم بالمستقبل الذي يعمل لأجله ويعيش حياته بكل تفاصيلها ومفرداتها مع بعض الإيجاز لكن ليس في أي منها إعجاز عن شيء يبغيه أو يطمح له، أراه اليوم نجمة في سمائي تنير دروبي وأيامي وأفتخر به فهو عزوتي وجاهي.
رفاق درب وقلب هم (أحمد صابرين- بتر ساق، أحمد مصطفى زنكلو- أيضاً بتر ساق، صبحي مصطفى طرابلسي- ضياع مادي وعصبي في القدمين) أتوا بلا عزيمة على حد قولهم عندما علموا وخبروا بالحفلة والقائمين عليها هم رفاق وأحباب صالوا وجالوا في المعارك ومسارحها ورفعوا فيها رايات الانتصار وهم قد آزروا وشدوا من الهمم ولو كانوا اليوم ينشدون على مسرح الحياة فكل منها يحتاج للصبر والإصرار والفوز وتمنوا لو شاركوهم في الكورال.
المطربة مجدولين راعي تفتخر بأنها متطوعة في جمعية المقعدين وأصدقائهم وتشارك أبطالاً على المسرح في الغناء، وأشارت إلى أنها تعرفت على الجمعية وأهلها منذ شهرين فقط في إحدى حفلاتها الغنائية، فجاءت في أول يوم لتستطلع الأمر وأعجبها وراقها ما رأته، فأقدمت لتكون معهم في الكورال وتشاركهم بصوتها وتغني منفردة (يا محلا الفسحة يا عيني- موال الأغنية خبطة آدم) وتؤكد بأن أجواء الحفلة كانت رائعة ومميزة وقد اختلفت عن باقي حفلاتها الغنائية وتفوقت عليها.
المدرب منار محرطم- مدير المسرح المدرسي في طرطوس:
أفتخر بهؤلاء الأطفال، جنود ورجال جيش عظيم انتصر وقهقهر الأعداء، فأنا أفتخر بوجودي بينهم وكلي عزة وعزوة بحضورهم ونجاحهم وانتصارهم.
كان أمر الكورال بداية صعباً، وبدأنا أولى خطواتنا بتمارين الصوت لنتجاوز دروباً ونجتاز طرقاً غير سالكة بصعوبة وفي حدود زمن قصير، ورغم وجود الأغاني وما تتطلبه من جهد ووقت وافر لكن الشباب نجحوا في استبسالهم لإتقان وامتهان صوت جميل، فلهم منا كل شكر وفرح.
أخيراً: لقد امتلأت صالة المسرح وخشبتها، واشتعلت أركانها كما ساحات القتال فكان عشاقها على نغمة واحدة (الليلة بدنا نولعا) مع رجال صنعوا المجد والفجر والنصر والغار، وهم اليوم يجيدون صنع الفرح ويبتكرون فنونه ويبدعون بلفحة حب غيورة، فكيف لنا أن نكون بعيدين عنهم؟
هدى علي سلوم