العدد: 9277
الخميس 24-1-2019
نرى دوماً في العودة إلى التراث إفادة من خبرة أجيال لا بّد لنا من تقديرها لأنهم يمثلون خلاصة الأيام والسنين ويعد كتاب (كان في قرانا) للمؤلف حيدر نعيسة، أفضل نموذج معبّر لإحياء الماضي والتراث في البيئة الريفية لما احتوى على صور وتقاليد شعبية غنية وفي مادتنا لهذا اليوم اخترنا فصلاً من فصول الكتاب المذكور أشار فيه إلى بعض العادات الاجتماعية التي سادت طويلاً في القرى الجبلية ومنها الحليقة، التي ذكر الكاتب بأنها قريبة إلى النذر أو الغداء تؤدى في إطار احتفالي مشترك وأكثر ما يحصل ذلك لدى الأسر التي لم ترزق بأولاد ذكور، فينذر الأب أو الأم أو كلاهما حليقة للولد الآتي، بعد طول انتظار أو بعد عشرة أخوان أو بعد علاج العقم أو تقرباً لله
وفي هذا السياق قدم المؤلف شرحاً عن هذا الموضوع حيث قال: وما أن يستجاب الدعاء وتلوح البشرى وتدرك الأسرة ما تمنته حتى يغدو النذر حقاً وديناً على صاحبه وبموجبه يمتنع الأبوان عن قص أو حلق شعر رأس وليدهم كله أو خصلة منه إلا بذبيحة واحتفال وقد تمرّ سنة أو سبع أو أكثر قبل أن تتيسر الأمور ويوفى الندر ويطول شعر الصبي حتى يبدو كشعر البنت طويلاً مجدولاً، وأضاف الكاتب: إن قدرة الأهل على تحمل نفقات الحليقة هي التي تحدد موعد إقامة الحليقة وقد يحدد الموعد أثناء النذر كما يحدد مكان الذبح وعادة ما يكون في ساعة معينة يدعو أهل الصبي الأقرباء والأصحاب والجيران لحضور الحفلة وقد تتم الدعوة بالبطاقات وعندها يتوجب على الحاضرين دفع (النقوط) للصبي وأهله.. وتابع المؤلف حديثه قائلاً: يوزع اللحم على المدعوين أو يطبخ بالبرغل والزبدة فيأكل الحاضرون وقد ينال الغائبون حصصهم إذا كان الطبيخ زائداً كما يمكن أن لا يأكل أحد من أهل الصبي شيئاً من الطعام المطبوخ إذا تضمن النذر ذلك ثم يحلق شعر الصبي كله أو الجديلة بالأداة المتوفرة ثم يلف الشعر المحلوق ويوضع في لفافة يحمله الصبي معلقاً على ثيابه أو يطمر بالتراب أو يحرق أو يذرى على الدروب أو في مهب الريح كيلا يقع في أيدي السحرة المشعوذيين، ومما يرد في الكتب أن الأقدمين كانوا يتصدقون بوزن هذا الشعر ذهباً أو فضة أو عملة وتعقد في الحال حلقات الدبكة والرقص ويقرع الطبل ويعزف المزمار، بينما يكون الصبي مرتدياً لباسه الزاهي وقد يحملونه على الأكتاف ويدورون به ويزينونه بالحلي ويسود فرح جماعي كبير.
الكاتبة: ندى كمال سلوم