العدد: 9277
الخميس 24-1-2019
( الشعر رسم ناطق، والرسم شعر صامت)، مقولة قديمة تجسّد العلاقة الجدلية والأزلية بين عالمي الشعر والفنّ التشكيلي، وتختصر جوهر الجمال والإبداع، فكم من شاعر قدّم صوراً ولوحات فاضت بكلماتٍ وقوافٍ وأوزان، تحولت إلى معلّقات بصرية تصدّرت جدران المعارض والمتاحف، وكم من فنان خطّ بريشته قصائد ونصوصاً إيحائية قاربت لغة الشعر أكثر من لغة الرسم، فكلاهما قرين للآخر، ومشابه له تشكيلاً وصياغة وتأثيراً في نفس المتلقي، وتبرز خصوصية كلّ منهما في عبقرية الفنّ التشكيلي وإعجازه في إيقاف الزمن وتجميده، أما عبقرية الشعر فتتمايز في الحركة والإنسيابية التي يتحلّى بها النصّ الشعري كما لو أنه لقطات متتابعة تجنح بالخيال وتمتد عبر الزمن.
وكما قيل فإن قافية الفنان التشكيلي ألوانه المتناغمة ببراعة والتي تعطي لوحته رونقها، أما قافية الشّاعر هي بحور الشعر وتفعيلاته وتصويراته البصرية والسمعية والروحية التي تتناغم في لوحةٍ صورية تحمل تشكيلاً إبداعياً متناغم اللون والضوء والفكرة، ما يخلق علاقة وجدانية حسيّة متوالفة بين الفنّين سواء بالكلمة أم اللون، والأمثلة كثيرة على شعراء احترفوا الفنّ التشكيلي أو فنانين قرضوا الشعر، ومنهم التشكيلي السوري فاتح المدرّس، وأدونيس، وعمر أبو ريشة الذي تأثر كثيراً بالفن التشكيلي ونظم الشعر مستلهماً صوره من لوحات عالمية، ولعلّ جبران خليل جبران أكثر من رسم بالكلمات وأشعر بالألوان فكان بحقّ أيقونة شعرية ومذهباً فنيّاً وأدبياً قائماً بحدّ ذاته، وعلى المستوى العالمي لمع اسم الشاعر الفرنسي مالارمييه، وخوان ميرو، وفان غوخ، وبودلير… وغيرهم الكثيرين، ما يجعل الشعر والرسم أشبه بطائر واحد ذي جناحين، يحلّقان معاً في عوالم الخيال والوجود.
ولئن اختلف كل منهما من حيث الأدوات الحسيّة، إلا أن علاقة وثيقة تربطهما كنشاطين إبداعيين بين فنّين ساكنين يعتمد كل منهما حاسّة متفرّدة، فالرسم حاسّته البصرية عالية، أما الشعر فذائقته السّمعية أعلى، لتبقى الموهبة الأساس ونقطة التقائهما، فالشّاعر يطلق العنان لكلماته ومفرداته اللغوية، أما الفنان فيُسقط تلك الكلمات على ورقة أو قماشة ويحوّلها رسوماً تعبيرية وتجريدية وواقعية، ويوظّف كل منهما عناصر الآخر ويطوّع أدواته لصالحه، في قوالب فنيّة تعتمد رموزاً وإشارات ومفاهيم، يلتقط خيوطها أيّ مبدع، ويلمس أطيافها أي متلقّ.
إذاً هذا ما يمكن تسميته ( وحدة الفنون وتراسلها) ويقصد به تداخل الفنون وتواصلها وتلاقيها من حيث المبدأ والهدف الذي يستند إلى المتعة الجمالية الخالصة، ولطالما كانت الغاية نبيلة ومثالية فإنها تبرر الأدوات الحسيّة والجمالية.
قصائد تنظمها ريشة فنان، ولوحات تبوح قوافي شعرٍ بألوان.
النص النقدي الشعري لا يشكل اغتراباً عن اللوحة التشكيلية
الفنان والناقد والشاعر المؤرخ الموسيقي أديب مخزوم يكتب ويرسم ويستمع إلى الموسيقى الراقية في كل الأوقات، وليس لديه وقت يهدره في أمور عابرة وسطحية .
حصيلة كتاباته المستمرة والمتواصلة دون توقف أو انقطاع منذ أكثر من ثلاثين عاماً، كتابه الموسوعي والنقدي (تيارات الحداثة في التشكيل السوري)، ومجموعة شعرية نثرية، وخمسة كتب قيد الطبع، وآلاف الدراسات والمقالات والحوارات والزوايا المنشورة في أهم الدوريات والمجلات والصحف المحلية والعربية والعالمية .
يقول الفنان و الناقد و الشاعر والمؤرخ مخزوم:
قصائدي الشعرية النثرية التي كتبتها حين كنت على مقاعد المدرسة الإعدادية كانت أقرب إلى الاتجاه الرومانطيقي الذاتي، بدليل أنني كنت أوقع خواطري الشعرية، التي لا أزال احتفظ بها (بشاعر الذات الكئيبة) والواقع أنني شهدت أو عرفت في حياتي سلسلة من الإحباطات الميلودرامية، قبل أن أحقق ذاتي في لوحاتي وكتاباتي الشعرية والنقدية .
وتابع: في الأساس أنا فنان وناقد تشكيلي، يكتب النقد بلغة نثرية شعرية انسيابية .. ومجموعتي الشعرية القادمة تحمل عنوان (في مواجهة الموديل – النقد التشكيلي في فضاء قصيدة النثر) ولقد عملت فيها على مقاربة التشكيل والنقد بالشعر .. وفي مقدمتها أقول:
بين التشكيل والشعر والموسيقى علاقة متبادلة ومتداخلة …
تتحــــول اللوحة الفــنية التشكيلية فـي قراءاتـي النقــدية المعـــاصرة، إلــى أجـــزاء لمقــاطــعَ شعــريـــة نثرية ورومانسية، مـنبثــقـة عـن صـدى الإيقـاع الــمــوسيقــي البـصــــري الخَطّي واللوني والضوئي .
والتركيز على النص النقدي الشعري، لا يشكل اغتراباً عن اللوحة التشكيلية، كما يعتقد البعض، وإنما يشكل مدخلاً، ومنطلقاً للبحث في الجوانب الفنية والتقنية والتعبيرية، بلغة ملطفة ومحببة وقريبة من مشاعر وأحاسيس الناس، من مختلف المستويات والشرائح والأعمار .
بدأت بكتابة الخواطر الشعرية النثرية، منذ طفولتي، فالرجوع إلى أوراقي القديمة هو رجوع إلى أيام الطفولة والفتوة، وهذا يشكل فسحة لاستشفاف أجواء الثقافة التي اكتسبتها في تلك المرحلة، ومعرفة مدى تأثيراتها على كتاباتي الحالية، فلقد تركت محاولاتي الشعرية تأثيراتها الواضحة، فيما بعد، على كتاباتي النقدية في الفن التشكيلي، وشكلت جذور عملي، في مجال الكتابة الصحافية، لدرجة أن الفنان التشكيلي المعروف الراحل غازي الخالدي كتب مرة يقول عني: النص النقدي عند أديب مخزوم سرعان ما يتحول إلى قصيدة شعر منثور …
كما أنني كتبت في إحدى الزوايا الثقافية الأسبوعية زاوية تحت عنوان : شعرية النص النقدي، وضحت فيها العلاقة المتبادلة والمتداخلة في كتاباتي، بين التشكيل والشعر، وهذا ما أوضحته أيضا في إحدى فقرات بياني التشكيلي،الذي نشرته في مقدمة كتابي النقدي والمرجعي والموسوعي (تيارات الحداثة في التشكيل السوري) الذي صدر في دمشق مطلع عام 2010.
وحول حالة كتابة الشعر عند الفنانين التشكيلين فحسب رأيه قد تكون حالة طارئة للبعض، أما بالنسبة لي فهي حالة مستمرة ومتواصلة، إذ أعمل منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لإيجاد حالة تبادلية بين ما هو بصري – خطي ولوني، وما هو سمعي – شعري، وملامح الحداثة في كتابة المقال النقدي التحليلي، يجب أن تخضع للتجريب و الاختبار الدائم، في خطوات البحث عن تقنيات كتابية متقدمة، تتلاءم مع تحولات وتشابكات ثقافة فنون العصر، وذلك لأن انفتاح الكتابة النقدية على مختلف الفنون، يعمل على توطيد وتعزيز وتطوير تعبيرية النص النقدي التحليلي، فميدان الحداثة النقدية اتسع كثيراً في هذا العصر، بعد أن امتزج الشعر بالموسيقى، والمسرح بالسينما، والقصة بالقصيدة، والرسم بالنحت، والنقد بالجمل الشعرية.
المقاربة ما بين التشكيل والشعر تختلف باختلاف مفهومنا
«الفينيق» حسين صقور فنان وناقد تشكيلي وشاعر لقبه الفنينيق يختصر كل ما يقوم به ويختصر الديناميكية التي تحركه والتي يعمل بموجبها وهو يشبه طبيعته كناقد وفنان وقاصّ وشاعر .
شارك في عدة مهرجانات وأمسيات أدبية وفاز بعدة جوائز منها (عن لوحة وطن الفينيق وعن قصة ملكتي أليسار في مهرجان همسة بمصر وعن إيقاع الرحيل ضمن مجموعة مبادرات وقصص من زمن الحرب) له عدة مجموعات نقدية وقصصية وشعرية قيد الطبع وأخرى منشورة منها كتاب : حين تشتعل الحروف .
له عدد من المعارض الفرديّة كمعرض إيقاعات نازفة «أنشودة حب» و»أغاني التراب» و»دموع آدم» و«احتواء» و«أيام الفنّ التشكيلي» بقايا إنسان وعودة الفينيق وإيقاعات نازفة إضافة إلى معارض جماعية وملتقيات منها «الشجرة» وملتقى «إهدن» وملتقى «المحبة» للتصوير الزيتي ومهرجان «المحبة» ومهرجان «البحر» ومهرجان المونودراما إضافة إلى مشاركاته في معارض أخرى.
يقول الفينيق حسين صقور : حالة التشكيل عندي كانت تشبه تلك الرغبة العارمة بملء قبضتي بالتراب ورشقه على سطح لوحة عملاقة ثم تحريكه بإيقاع راقص جنوني يشبهني ويعكس تلك الدلالات التي تؤكد بأن هناك شيئاً ما في داخل النفس البشرية يصعب أن تترجمه الكلمات .
أما الحالة الشعرية فهي حالة أكثر وجدانية يغذيها الحب والصفاء هي طقوس صوفية تشبه العبادة يمكن الاستعداد لها عبر الترقب والمراقبة فلحظة الإلهام تشبه نزول الوحي وما على الشاعر سوى الإنصات إلى تلك الموسيقى الكونية إلى ذاك الصوت الداخلي إلى صوت الصمت ثم عليه أن يترجم تجربته هذه بالكلمات .
و تابع: المقاربة ما بين التشكيل والشعر تختلف باختلاف مفهومنا لكل منهما فالتشكيل عبر تطوره كان يلخّص دوماً سعينا للوصول إلى فن محض لا يقبل المساومة.
بمعنى آخر انتقل مفهوم التشكيل من المثالية الواقعية والتكامل في لوحات عصر النهضة إلى تلخيص مفهوم الفنان للوحة وما يريده منها عبر الرؤيا التي تحقق تفرده وخصوصيته ..
أما الشعر « والحديث للفينيق حسين صقور» فإنه الأكثر التصاقاً بالتاريخ العربي فكان تنوعه السابق من خلال المواضيع التي تشغل الشاعر والمرتبطة بما يميز عصره من مديح وغزل ورثاء وغيرها وأهمّ ما يميّز الشعر القديم حِرصهِ على الوزن والقافية، في حين ارتبطت الحداثة الشعرية بالإيقاع الحسّي بديلاً عن الوزن والقافية وبمفردات تحمل معاني عظيمة أكثر إيحاءً وأكثر إمكانية للتأويل ..
في الفن والأدب المنجز يأتي أولاً وعبر شاعر وفنان فطري ثم لاحقاً توضع القواعد الصارمة التي شكلته وأخرجته بتلك الصورة لتكون دليلنا إليه والفكرة هنا للتميز بين مفهومي الموهبة والدراسة فحين يفرض المعلم نموذجه المثالي فهو يقود الطلبة نحو التشابه ونحو عمل لا روح فيه والموهبة بغير تجربة قد تضيع حروفها.
التجربة الحياتية تصقل الموهبة أما في الفن التشكيلي فيمكن أن يتلمس الفنان خصوصيته عبر ورش التجريب ثم يشكل أنموذجه المرحلي وهنا مكمن الإبداع في قدرته الدائمة على التجدد والاختلاف .
وأوضح الفينيق حسين صقور أن مشكلته لم تكن يوماً في تلك التعددية وعلى العكس يشعر دوماً أن كل واحدة يمكنها أن تخدم الأخرى وتتكامل معها والسبب في هذا هو عزلته وابتعاده عن الضغوطات السلبية المحيطة، فهو يعمل في تلك المجالات لإرضاء نفسه فقط رافضاً أي إملاءات وتوجيهات خارجية فقط يستسلم لنداء الروح وهذا أسلوب حياته حتى في ساعات النوم .
وبيّن أن المشكلة لا تكمن في التعددية إنما في الطريقة والطريق و ربما لا يتسع المجال هنا للشرح المفصل وقد يحتاج الأمر باباً ومقالاً خاصاً يتعلق بهذا الموضوع.
وحول لقبه ( الفينيق ) بيّن أن لقبه يختصره وله رمزية تتصل بالتجدد والولادة المستمرة وهو يشبه تلك الانكسارات التي تواجهنا ونواجهها فتقصينا وتقوينا لذلك يُفضل الفينيق .
كما يشعر أن امتداده لتلك الحضارة الأكثر إشراقاً كطائر منسي خرج من رماده ليعطي معنى آخر للأسطورة لا يحتاج جبران أن نرفق أسمه بلقب شاعر أو فنان وكذلك أدونيس وموليير وبيكاسو وغيرهم…
ولفت «الفينيق- حسين صقور» إلى أن أعداء النجاح كثر وهم دوماً في مواقع متقدمة لا يستحقونها لذلك يحاولون خلق السدود والجدران خوفاً على أماكنهم ولكنهم لا يدركون أن قانون التوازن سيفرض قوة مضاعفة وأسوأ ما يعترضك أن يمثلك من هم أقل كفاءة ثم يتباهون بالتنظير بتلك الكلمات ( لا يوجد فن والفن متأخر في بلدنا ووو.. .الخ ).
وحسب رأيه: إن الفن والإبداع الحقيقي كان ولا يزال موجوداً وخصوصاً في الأماكن الفقيرة ولكنه يحتاج دوماً إلى الرعاية والدعم كي يظهر ويستمر، فلم تكن مشكلتنا يوماً فيما نكتنز من عقول نيرة وثروات إنما كانت في طريقة كشفنا واستثمارنا لها فقيمة الفن كونه يصير سجلاً للماضي وينشط السياحة في الحاضر ويفتح الأفق نحو المستقبل.
و يبدو « للفينيق- حسين صقور» أن النفس الحرفي أكثر وضوحاً في التشكيل وهذا ما يجعل التشكيليين أكثر عدداً، باستثناء المحاولات التي لا تتعدى رصف كلمات خاوية لا تحمل أي قيمة للبعض الحالة الإبداعية هي استثنائية وقليلة قد لا تتعدى أصابع اليد الواحدة في أهم وأضخم المعارض وكذلك في المهرجانات الشعرية.
فليس ضرورياً أن يكون الشعر حالة طارئة عند الفنان التشكيلي وربما كان نتاجه الأدبي أكثر غزارة وإبداعاً ولكن المشكلة حين يطرح نفسه إذ إن مواكبة النشاطات تتطلب المزيد من الوقت والكلفة والجهد .
كافة الفنون تعتمد على العلاقة بين المادة والروح
الفنانة التشكيلية ازدهار ناصر، دراستها الأكاديمية في كلية الفنون الجميلة وهوايتها الآداب واللغويات وكتابة شعوري بالشعر والقصة القصيرة.
تعلمت النقد السيميولوجي في كلية الفنون الجميلة – الدراسات العليا وهي مُحاضِرة في جامعة تشرين في كلية الهندسة المعمارية وفي كلية التربية وفي المعهد التقاني.
شاركتْ في عدد من المعارض المحلية وفي عدد من الدوواين الشعرية و ألّفت كتاباً في النقد (قصد وقصيد ورؤية سيميولوجيه) الحائز على الجائزة الأولى على مستوى الوطن العربي في مسابقة شاعر وأديب النيل والفرات .
لها مشاركات في كتاب مشترك لشعراء وأدباء من الوطن العربي بعنوان: المهرجان الدولي الأول للإبداع والفنون/ مصر القاهرة / في مكتبة مصر العامة، وكذلك في كتاب آخر مشترك مع أدباء وشعراء عرب على مستوى الوطن العربي تحت رعاية مجموعة الجيل الجديد للثقافة والإعلام رواء العلي .
تقول الفنانة التشكيلية ناصر :
بداية لابد أن يتعرف المتلقي على ماهية الفن بشكل عام، فالفن هو اصطلاح يعني التفنن و التزيُّن أي تصميم شيء جديد بحلة جديدة ليثير مشاعر البهجة والسرور في النفس وهو ما يسمى بالإبداع .
و برأيي «والحديث للفنانة ناصر» الفن إبداع وخلق الجديد استناداً على واقع أحياناً يختلط بالخيال باعتبار أن الخيال هو أصلاً واقع ينتظر حدوثه بالإرادة والتصميم والإصرار كما كان المصباح خيالاً عند أديسون وأصبح واقعاً ينير العالم .
و تابعت : أيضاً يجب التنويه لأنواع الفن من خلال تصنيفات الفلاسفة وعلماء الجمال، فمن أنواع الفنون الجميلة أو الآداب الرفيعة هي الموسيقى الشّعر النثر العمارة الرسم النحت الرقص الغناء والتمثيل .
فلقد تعددت أنواع الفنون واجتهد الفلاسفة وعلماء الجمال في تصنيفها اعتماداً على أسس ومعايير مختلفة للفنون الجميلة فكانت ثلاثة أنواع :
أولها الفن التشكيلي، وهو كل ما يأخذه الفنان من الواقع و الطبيعة ثم يقوم بإعادة تشكيله بطريقة جديدة ومختلفة بحسب رؤيته وأفكاره ونهجه الخاص كالنحت والعمارة .
ثانيها التصوير، ويتميز بالمظهر الحسي يطلق على هذا النوع اسم الفنون البصرية كفن الرسم والتلوين فهو فن بصري يتبع الموجات البصرية.
أيضاً من فنون الأحاسيس التي تؤثّر على الحواس كالتأثير على الحاسة السمعية هي الموسيقى .
وثالثها الفن المركب، إذا كان الفن يؤثر على أكثر من حاسة واحدة يسمى الفن المركب كالمسرح و الأوبرا والغناء والرّقص .
منوهةً بأنه من أهم من صنف الفن هو (لاسباكس) و(شارل لالو) و (هيغل) وغيرهم، مشيرةً إلى أن (لاسباكس) هو من أتباع المدرسة الاجتماعية الفرنسية الذي قسّم الفنون إلى ثلاثة أقسام الفنون: حركية وصوتية وساكنة .
– الحركيّة مثل فن الرقص الذي هو شكل من أشكال الحركة الجسدية ويتضمن رقص الباليه والرقص المنفرد والرقص المتعلق بمعانٍ دينية كرقص الدراويش وغيرها .
– الصوتية مثل الغناء هو نوع من الفنون الحركية الصوتية، فالغناء يترجم الأحاسيس التي بداخلنا إلى كلماتٍ جميلة معبرة تجعل الجسم ينسجم ويتمايل معها .
و الموسيقى وهي تابعة في ظهورها للغناء وهي لغة اهتزاز الآلات لتحويل المشاعر لتأثير صوتي .
– الفنون السّاكنة وهي الفنون التي تُبنَى على التناسق العقلي وتخضع للمنطق ومنها العمارة والتصوير وفن النحت .
و الفنون الشعرية – حسبما بيّنت الفنانة التشكيلية ناصر – تتضمن فنون الشعر التمثيلية والكوميدية والتراجيدية والشعر القصصي والغنائي، وتجمع هذه الأنواع من الفنون جانب الفن الأدبي وجانب الغناء والموسيقى .
فقد صنف (شارل لالو ) وهو عالم الجمال الفرنسي المعروف بأن قدرة الإنسان على التّصور والإدراك وتفاعله مع مجموعة مركبة من العناصر بأبسط الطرق ومن التركيبات التي وضعها شارل لالو لتصنيف الفنون:
– تركيب السمع الذي يعتمد أساساً على الموسيقى ويضاف إليه تركيبات أخرى كالكورال والأوركسترا .
– التركيب البصري الذي يدل على التفاعل البصري مع العناصر الفنية كالرسم والزخرفة والنقش والسينما.
– التركيب الحركي ويشمل الفنون المتعلقة بالحركة الجسمانية كالباليه وتركيب العمل المكون من عمل فني بعدة عناصر كالمسرح وهو يختلف عن التركيب الذي يجمع المواد المادية التي يستخدمها الفنان في عمله كالعمارة والنحت ويضم التصنيف أيضاً تركيب اللّغة والشعر وتركيب الحساسية كفن الطبخ .
و بالنسبة لي «الحديث للفنانة ناصر» يعجبني تصنيف ( هيجل ) فالأساس الذي اتخذه في تصنيفه للفنون مبني على الفلسفة الميتافيزيقية للفن فيضع الفنون في ثلاثة مستويات تعتمد على العلاقة بين المادة والروح وأولها الفنون الرمزية وهي في المستوى الأول حيث تطغى فيه المادة على الروح كفن العمارة و ثانيها الفنون الكلاسيكية وصنفها في المستوى الثاني حيث تقف المادة والروح على مستوى واحد كفن النحت وثالثها الفنون الرومانتيكية وهي المستوى الثالث الذي تطغى فيه الروح على المادة كَفَنّ الموسيقى والشّعر والتصوير .
وبناء على ذلك كله مما سبق فأنني أجد « والحديث للفنانة ناصر» اللسانيات واللغة بأنواعها الأدبية والشعرية إضافة إلى الفن التشكيلي بأنواعه هو واحد لا ينفصل أحدها عن الآخر لذلك أجد نفسي أتنقل وأتأرجح بسرور وسعادة فيما بينهما تارةً هنا وتارة هناك إذ أكتب الشعر و أرسم إحساسي .
تجارب عدة خاضها شعراء وفنانون تمازج فيها الظلّ مع النور، والأبيض مع الأسود، نسلّط الضوء فيما يأتي على بعضها ونحاول التقاط خيوطها الشفّافة وفضاءاتها الرّحبة.
ريم جبيلي- ازدهار علي