الوحدة : 19-3-2023
تولد قصص الناس وحكاياهم من آلامهم وبؤسهم وأقدارهم، ظنت أنها تفعل خيراً والظن إثم كان بما فعلت، هذا ما أوشت إلينا به وأباحت الآنسة سامية وهي التي عملت مع الجمعيات الخيرية منذ بداية الأزمة وأعمال الإرهاب في بلدنا، تقوي من عزم الضعيف وتغيث المتألم والجريح، وبعد غضب الأرض والزلزال الذي قلب حياتنا بالمواجع وأسكن نفوسنا الخوف واستطار من جفوننا النوم كان لنا أن نلتم مع الجيران والأهل ولو في غرفة ضاقت بالأولاد. حيث قالت : أسكن لوحدي في بيت العائلة في الطابق الأول بالبناية، فكنت في نظر أهلها المجير وأنا كنت عند حسن ظنهم، فقصدتني أختي ومعها أطفالها، فهي تسكن الطابق الرابع في بناء بعيد، كما جاءت جارتي التي تسكن في القبو كما تقول ومعها بناتها، وقد استبد الخوف والهلع في داخلها واستفشر في أعصابها لأكون المسكن والمستضيف، وقد كنت في سعادة لا توصف حيث التسلية واللمة والسهر للفجر والصباح خشية زلزلة في غفلة عنا، وأنا التي كنت أشكو الوحدة والوحشة من الأيام، وكلما أحسسنا بهزة نهرع خارج البيت إلى الطريق ونترقب خروج باقي السكان ونترصد حركة الأرض وموضع وقوع الزلزال على القريب والبعيد من تطبيق جارتي على شاشة الموبايل، فكان كل حين يبث فيها الرعب بألوان وأصوات اهتزاز لينعكس علينا قولها ويرتد – هزة اهربوا – وبقينا على هذا الوضع طوال أيام ليمر شهر ويبدأ الآخر وأسبوع والحال على ما هو عليه إلا في أسبوع قضته الجارة في قرية أهلها عند أخواتها وأمها، فاستفقدها أولاد أختي ليسألوها العودة بالحال عند كل اتصال، فتعود على نفس الوتيرة والموال، لطالما حاولن أن يقدمن المساعدة في أعمال البيت وكنت أرفض لأني لم أشكُ تعباً أو ضيق.. فهم الأهل والأحباب، لكن من القلق وطول الوقت بدأت بعض الكلمات الملغومة و المصبوغة بالغيرة تتسرب في الأحاديث وتلومني أختي بأني أفضل الجارة عليها فأضحك ظناً مني أنه مزاح ولاحظت بأن جارتي تتعمد الهرج فوقعت في المطب وما خرجت منه لأقع في نفق اللوم والعتب من الاثنتين، والأولاد بعيداً عن هذه الأجواء يلعبون على السرائر في غرف النوم الغاصة بالألعاب والتي تركناها لننام في الصالون فكانوا عنا غافلين، وما زادني ريبة ودهشة أني أفقت على عزمهن الابتعاد عن الأزواج وطلب الطلاق، فمعظم أحاديثهن عن الأزواج والجور الذي نالته النفوس على مر السنوات، وكلما سألهن أزواجهن العودة للبيت تحججن برفض الأولاد والخوف القابع فيهم من الزلزال. لم يكن الأمر يزعجني ولم أشتك التعب وقد ابتعدت عن الوظيفة والأصحاب، فقد ملأوا وقتي وساعات يومي، وحتى ليلي حتى أني أخذت إجازات، ولكني أخيراً أفقت على أني (مخربة بيوت) حيث كنت أسمع منهن أنهن مظلومات ومسجونات بين جدران بيوتهن وقد حان وقت الانعتاق، ويدندن على أوتار مسمعي على أني (عملت زينة العقل ولم أتزوج ) أغيثوني ..ماذا بنفسي فعلت؟.
هدى سلوم