أبنـــاء هـــذا الزمـــان .. غـــــرباء عن بعضهــــــم!

العدد: 9276
الأربعاء 23-1-2019
الكاتبة: هدى علي سلوم

باردة هي هذه الأيام، ونعيش فيها غرباء، نحن في شتاء كثر فيه التقنين وجف ماء الحياة، فقد تجمدت دماء التواصل في عروق الأهل وتبعثرت خطى الوصول إليهم، كما انكمشت مع الجيران وتجلدت أوصالها، فلا نعرف اسم جارنا والباب على الباب ولا تهمنا أخباره، الكل مشغول بهمومه وأوجاعه ورحى الأيام تدور كما الماء في الطاحون..
رجل في السبعين من عمره يجر ساقيه وراء عكاز، يسأله ولدي هل تعرف طارق بأي طابق يسكن؟ يرد عليه لا يا سيدي، ولكنه قال لي على التليفون أنه يسكن بهذا البناء، وقد لفني الدوار بعد أن نظرت إلى الأعلى، كيف تسكن فيه ولا تعرف الجيران؟ يذهب الرجل المسكين ليطرق أول باب بوجهه وهو يقول: يا لهذا الزمان مسكين ابنه ..غريب.
هذا ما رواه لي الدكتور عمار ـ أستاذ جامعي وتابع يقول: فعلاً نحن مساكين ومعترين، وأنا لا أعرف جاري ولا يفصلني عنه غير جدار إسمنتي، مع أني أسمع أصواتهم عندما يتصايحون ويشتد الخناق، كما أسمع ضحكاتهم وقهقهاتهم في أوقات فرحهم، لقد سرقتنا همومنا وأوصدت على كل منا بابه، فبتنا في سجون مؤبدة نعمل أياماً وسنين ولا نصحو بأننا أحرار لا عبيد.
السيد أمجد موظف في وحدة الكهرباء بقريته أشار إلى أنه يزور والدته كلما سنحت له الفرصة، فهي بعيدة في بانياس عند أخته التي تعمل في المصفاة، ولكنه يخابرها كل حين وآخر ليطمئن عليهما، ولا يستطيع زيارتهما غير يوم عيد ويمكن كل سنة مرة، فهما تسكنان في غرفة تضيق بهما، كما أنه يعمل بعد الدوام بعمل خاص وأحياناً سائق تكسي ويقول: أخجل أن أزورهما ويداي تحملان كيساً خفيفاً ببعض المشتريات التي لا تسد الرمق وهو ما يشعرني بضعفي وعجزي، أحب أن تراني رجلاً تسند ظهرها وأختي علي، (لكن العين بصيرة واليد قصيرة) بدنا نعيش لدي ثلاثة أولاد وجميعهم في المدارس، وراتبي قليل وزوجتي غير موظفة (الله يفرجها وتتحسن الأوضاع ويقدّرني أن أزور أمي كل يوم, وآتي بها لتسكن عندي، الأولاد اشتاقوا لها)
السيدة عدوية مدرسة تقول: تزوجت وأعيش في المدينة مع أولادي، زوجي سافر وتركني أغالب هموم عيشنا، كل سنة وأخرى ليأتي ويزورنا، ويطلب منا أن نذهب معه للقرية لزيارة الأقارب والأهل لكني أرفض تماماً وأتركه يذهب لوحده، وأسأله كيف لي أن أرافقه ولا أحد من أهله وأخوته يطرق بابنا ويسأل عنا؟ أنا لا أمنعه فهم أهله، ولم يعد لي أحد في هذه الدنيا بعد وفاة والداي غير أولادي وزوجي، ولدي صديقة واحدة أستقبلها في بيتي وتستقبلني في بيتها، وغير ذلك ليس لدي أي علاقات، فالجيران لا ألاقيهم إلا عند خروجي المنزل لجلب بعض الأغراض.
الشاب محمد طالب جامعي أشار إلى أنه لا يعرف أقرباء له غير عمه الوحيد، الذي يسكن في القرية ويأتي لزيارتهم كل حين، فهو أعزب وتجاوز الستين، وقد تقاعد من عمله منذ سنة تقريباً، وأعرف ابن الجيران فهو زميلي في الجامعة نترافق إليها ونعرج في بعض الأحيان إلى الكافيتريات، ولكن آباءنا لا يتبادلون الزيارات وعندما أسأل أمي عن سبب جفائها للجيران ترد: لا أحب ثرثرة الجارات وتدخلهم في شؤون الآخرين (خلي كل واحد بهمو)

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار