الوحدة : 19-12-2022
تحتل اللغة العربية مكانة بارزة بين اللغات العالمية، وقد زاد في هذه المكانة تخصيص يوم عالمي للاحتفاء برفعة حضورها، حيث أعلنت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة يوم الثّامن عشر من كانون الأوّل يوماً عالميّاً للّغة العربيّة، التي صُنّفت بوصفها اللّغة الرّسميّة السّادسة حول العالم، وحسبنا أنّها لغة القرآن الكريم، التي يتعبّد بها ما يزيد عن مليار ونصف المليار من المسلمين حول العالم.
لذلك لن نفكّر مليّاً في سحر “المعلّقات” وعظمة “النّقائض” وجلال مفردات “الحلّاج”. وسنقرّ بموقعها وأحقّيّتها في امتلاك مقاليد الشّعر والرّواية والصّحافة والإعلام.
يقول الباحث في اللغة العربية وآدابها الأستاذ أزدشير نصّور:
نحن – أبناء العربيّة – مَن نعرف مرتبتها المثلى، فهي لغة العراقة والأصالة، ولغة الحداثة والمعاصرة بامتياز. ففي معجمها من المرونة والدّيناميكيّة ما يجعلها قادرة على استيعاب مفردات العلوم والتّكنولوجيا والفلسفة والأدب، وكلّ ما ينتجه العقل البشريّ على اختلاف مشاربه.
واليوم أثبت أبناء اللّغة العربيّة تفوّقهم في شتّى مجالات الحياة، وأسهموا في نشرها وإظهار جدارتها أمام غير النّاطقين بها كما فعل أجدادهم سابقاً.
وأراني لا أبالغ إذا قلت: ليس هذا هو السّبب الوحيد في اهتمام الغرب ومستشرقيه بها. ولا أقول: إنّها لغة سهلة على غير النّاطقين بها، ذلك أنّ عدد مفرداتها يناهز (12,302,912) مفردة، بالمقارنة مع (600,000) مفردة إنكليزيّة، و(150,000) مفردة فرنسيّة. بل أقول: هي لغة “ذكيّة” تسحرك ببديعها وإعجازها وأنت ابنها قبل أن تجذب إليها الشّعوب الأخرى. وهذا ما يشرّع ديمومتها وخلودها، فإذا سمعتَ بإنكليزيّة حديثة وإنكليزيّة “أنجلوسكسونيّة” بائدة، وفرنسيّة “نورمانيّة” طبقيّة خاصّة بالنّبلاء، فإنّك لا تجد لغةً عربيّةً بائدةً ولا طبقيّة، بل هي لغة متجدّدة مكانيّاً، استوعبت اللّهجات المختلفة جغرافيّاً، واستطاعت – بذكائها – برمجةَ لغةٍ بيضاء تستوعب اللّهجات وعمليّات الاحتكاك والتّأثّر والتّأثير بين الشّعوب، ولكنّها تصافح “الفصيحة” الواضحة، لترتكز، أساساً، على متانة “الفصحى” الأمّ.
أقول في معرض سهولتها ومداعبتها الرّوح والعاطفة: حسبك أن تتقن بعض مفردات النّحو والصّرف والإملاء والعروض والبلاغة، لتنهض بنطقها وتتلذّذ بسحرها. فإن رمتَ سلامة القراءة والكتابة والنّطق فالأمر بسيط، إذ عليك بأبسط قواعد الإملاء (الهمزات، التّاء، الألف اللّينة، التّنوين)، والصّرف (أبنية الفعل من حيث الصّحة والاعتلال، والتّجريد والزّيادة)، والنّحو (بتراكيبه الإسناديّة: المبتدأ والخبر/ الفعل والفاعل، التّوابع، المنصوبات). وإذا رمت الغوص في مفاتن إبداعها فتتبّع جماليّات بيانها (التّشبيه والاستعارة والكناية)، وسحر بديعها (الطّباق والجناس)، وروعة معاني النحّو فيها (الإنشاء والخبر).
وعندما تمتلك ناصية تلك المصطلحات سيسهل عليك شقّ عبابها، وتركيب السّياقات الدّلاليّة المتينة إبداعاً وإقناعاً.
وعن السهولة واليسر في تعلمها والتقاط قواعدها بالنسبة للصغار والكبار يؤكد الباحث نصور أن اللغة العربية تتمتع بميزة الذكاء، فهي تجذبك إليها، لتتلذّذ في سبك تراكيبها بمتانة وسهولة دون وعي مسبق منك بخصوصيّتها ودقّة قواعدها، فضلاً عن تنوّع خطوط كتابتها، راقبْ أطفالك وهم يكتبون، تلاحظْ أنّ كل واحد منهم يتفنّن في رسم حروفه بطريقته الخاصّة وكأنّه يرسم لك أحلامَه وآليّات تفكيره.
ومع الأيّام ستقرأ شخصيّتَه من طريقة رسمه للحرف، وستستشفّ آماله وآلامه من سبكِهِ للجمل. لن تستطيع إقناعه بسهولة خط الرّقعة أو صعوبة خطّ الثّلث مثلاً، ولكنّك ستراه يرسم خطّه الخاصّ به، ويطوّره يوماً بعد يومٍ من بداية تعلّمه حتّى وصوله إلى الجامعة. فكما طوّرَ أبو الأسود الدّؤليّ الحركات ووضعَ تلميذُهُ نصر بن عاصم اللّيثيّ النّقاط على الحروف ستجد، في ابنك نواةً لمطوّرٍ لغويٍّ، يتراقص مع الحروف ويطرب مع نظم الجمل… إنّها لغةُ محبّةٍ ولغةُ شخصيّةٍ وطريقةُ حياةٍ.
إضافة حروف جديدة: أعتقد أنّ لغةً اختصّت لنفسها حرف “الضّاد”، وتكيّفت مع دمج كلمات دخيلة على ثقافتها، وتأقلمت مع إيجاد لفظٍ مناسبٍ لحروف دخيلة من مثل (پ، چ، گ) ليست بحاجةٍ لجديد، بل إنّ أيّ جديد سيلقى ضالّته فيها، وحسبك قوله تعالى: (قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِى عِوَجٍۢ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
جورج ابراهيم شويط