مطلقات فـي مهبّ التعب… عندمـــا لا تصـــمد الحـــكايات الجــميلة بوجـه الريـاح

العدد: 9336

17-4-2019

 

تخرج من معتقل عبوديتها بعد أن انتزعت عنها جلباب (سي السيد) وعقال سلطته لتهب إلى فتح باب سجنها، تتنفس حريتها، وتحلق بعيداً بجناحيها، وتصفق بألوانها من جديد.

هي من حملت ما اعتذرت الجبال عن حمله وناءت بثقله لأجل الأولاد، وصرخت بأوجاعها وسقمها ملء المدى بعيداً عن أناسها فلا شغلتهم والقيود تتقلدها أيديها تحاول فكها وخلعها كما ثيابها آخر المساء، تبحث عن ذاتها التي لطالما خطت لها سنوات من الدراسات والشهادات العلمية والخبرات والأكاديميات بنجاح وتفوق وتحصل على المراتب والألقاب، لتتوجها بوثيقة وشهادة في الحياة تنال فيها لقب مطلقة دون عذر وحكم ليس فيه تبرير غياب.

صغيرة تلعب في الشارع مع الأولاد وأمام الدار، يمر أحدهم بها تعجبه ويسأل والدها الزواج بها، يوافق بسرعة فهو قد أتى من الخليج ويملك المال الوفير، الذي يسكب بعضاً منه على أهلها الفقيرين، ليجدوا بعض القوة في انتشالهم من شر العوز وحسرة الهناء والعيش، لا تعرف تلك الصغيرة ما ينتظرها، كل ما تحلم به يأتي إليها دون سؤال، حتى الألعاب التي حرمت منها مع ألذ الطيبات، وبعد أن انتهت إجازته بوقت قصير ترحل معه بوثيقة زواج وهو الذي يفوق والدها بالعمر إلى الغربة التي لا تعرف فيها أحداً، ترافقه لكل مكان يريده وكأنها حليته التي يلبسها ساعة يشاء، أو قطعة ديكور أو أثاث جميل يتباهى بها أمام رفاقه المسنين، تكبر قبل أوانها لتأتي كل عام إلى بلدها وأهلها، تقدم امتحاناتها لنيل الشهادات الإعدادية والثانوية والجامعية وهذا أجمل ما كان في حياتها لطالما لم يرفض لها ذلك، والكل راض عنها وسعيد إلا هي المستضعفة والمهانة متى شاء، يعيرها بالساذجة والبلهاء وزاد عليها بأنها عقيم لا تنجب له الأولاد، لكن بعد أن اشتدّ عودها وأيقنت بحالها أنه قد آن الأوان طلبت منه الطلاق، فكان في ذلك سجنها لأعوام في بيتها دون مغادرة أو لجوء لأهلها الذين ناشدوه إخلاء سبيلها من بعيد، لكنه زاد في تعذيبها ليكون الضرب والتوبيخ حتى أتى بصاحبته إلى الدار وأوصاها بخدمتها والعمل على راحتها لتنجب له الوريث وبالمقابل هي ستأخذ ورقة تسريح من خدمتها في بيته وشهادة طلاق في حين تحقيق المراد في سعادة ضرتها، فصبرت واستبصرت خيراً في الأعماق وذاقت الأمرين، قامت بدراسة لوضعها بنظريات وفرضيات ولتحصل أخيراً على النتائج والتوصيات بجدارة وحسن سلوك بفك الطلاسم والقيود وتنال شهادة الطلاق، وتعود إلى دار أهلها فارغة اليدين لكنها تملك الشهادات التي تؤهلها أن تكون بأعلى المراتب الوظيفية وتأخذ راتباً يعيلهم، ولم تكن لتؤهلها أن تكون أماً أو زوجة كما يريد.
هي الطبيبة التي تقضي جلّ وقتها في المشفى والعيادة، وكل ذلك أو ذاك لم تكن لتهمل بيتها وواجباتها التي أرهقتها وأضعفت جسدها، وهو موظف عادي خريج كلية الاقتصاد أحبته ولم تعرف يوماً غيره لطالما كان وجهها في صفحات الكتاب، وكان أن أنجبت منه صغيرتها (لما) التي أشرقت دفئاً وجمالاً على حياتهما، لكنه لم يرض يوماً ويقتنع بعملها، فتراه كل يوم وحين يتقصد إهانتها أمام الأهل والأصدقاء، يحرجها ولا يخجل من فعلته بل يفتعل ذلك وحجته (أن كلامه مزاح) فهو عنده طرب لا ضرب على الوتر الحساس، وكانت تغفر له وتصبر خوفاً على صغيرتها من الصدمة بأبيها الذي زادها غنجاً ودلالاً، وهي ازدادت قهراً وألماً بمد يده عليها وانتهاك مسمعها بأقاويل ظالمة جائرة وأحاديث محشوة بالأكاذيب والافتراء وخالية من الأحاسيس، طلبت الطلاق ورفض التصريح بأنه ما يعتريه ويعتمر قلبه، إلى أن جاء اليوم الذي فيه فك قيدها من خانته بخلع يكون التنازل فيه عن كل شيء حتى البيت الذي اشترته بحرّ مالها، فكيف بحقوق لم تر منها شيئاً، ووافقت بملء إرادتها على كل أمر جاءها به لتخرج وهي تمسك بيد طفلتها دون أن تنظر خلفها، ودون وصاية من أحد، تستأجر بيتاً لتعيش حرة وباستقلالية وكرامة تبدأ حياتها التي رسمتها الأقدار لها، لتؤكد أنها قادرة على العيش دون رجل ومدى الحياة.
في زواجها مرة ثانية هل من تنازلات؟
عمرها لا يتجاوز العشرين عاماً وقد طلقت مرتين كما تقول، التقيتها عند صديقة، شابة جميلة لم تكمل تعليمها الجامعي تفاجأت بحديثها وهي تقول: مطلقة منذ شهرين فقط، لم نتفق وهي المرة الثانية، ووالدها يبكي كلما رآها، لهذا تتقصد الخروج من البيت والبحث عن وظيفة وعمل، تبدأ حكايتها وتسردها:
كنت في الصف العاشر ومن المتفوقات عندما تقدم لخطبتي شاب قريب لعائلة أمي ويسكن في حلب، تجاوزت معه كل ما كان يقف في وجهنا من اختلاف وتباين في الآراء والمواقف وحتى المؤهلات، فهو لم يدخل المدارس ولم يفلح فيها غير أنه من أصحاب المشاريع والمال، حاولت أن أحبه وأتغاضى عن أخطائه وأحاديثه غير المحببة لي، لكنها مستحبة من قبل والدتي التي كان ينزل عليها بما تشتهي وتطلب، فهو الصهر المدلل لديها والمحبة عندها بأوزان ما (يحمل ويجيب) ليكون عقد الزواج في المحكمة كما يريد وبعد بضعة أشهر لم أطق صبراً عليه صارحته بمشاعري وعدم تحملي له وطلبت الطلاق وحصلت عليه ولم أدخل بيته أو أراه، صحيح نهرتني أمي وتمادت بظلمي، لكن سرعان ما تبدى ذلك عن وجهها بإطلالة وجه عريس جديد ليس بأقل شأن ممن رحل وارتحل، أعجبني حديثه وأحببته كما أحبني مثلما قال، أتى لأجلي بكل ثمين وهو ما زاد في استعجال عرسي خاصة أني مطلقة ووالدته في البيت تحتاج لأنيس في وحدتها وجليس، وكنت قد رضيت بالأمر لكنها باتت بعد أيام فقط من زواجنا تتأمر وتتسلط ويجب أن أنفذ دون شرط، لكن الوضع ازداد سوءاً عندما رأيته يصدق كل ما تتلفظه ويكذبني ولا يرضى مني أي فعل، وكأنه جاء بي خادمة له ولأمه يوفر بي أجرتها، تحملت الوضع عسى أن يكون بيننا طفل يصبرني على عيشة لم أكن أرضاها إلى أن استفحلت معها كل السبل والحيل فطلبت الطلاق لتقول أمه: (درب يسد ما يرد.. مية وحدة تتمنى ضفر ابني) وخرجت من الباب دون أن أنطق بكلمة وهو تزوج بعد شهر فقط وكأني لم أكن في حياته يوماً، وأنا أنتظر عريساً آخر فالحياة حقل تجارب أبحث فيها عن الحب، هذا الحب الذي درسنا عنه في الكتب والروايات ونراه في الأفلام أليس موجوداً في الواقع والحياة أم أنه أساطير وضرب من الخيال؟
تقول الأمثال (أبعد حبة بتزيد المحبة)
مهندسة وأم لولدين تقول:
تزوجت عن قصة حب دامت لسنين طويلة، تخرجنا من الجامعة ومن نفس الكلية وحلمي مثل كل فتاة كان لي البيت والأولاد كنا نعيش برواتبنا على قد الحال وراضين، لكن الحياة اليوم صعبة مع هذا الغلاء وهذا الزوج العتيد الخمول الذي يرفض عملاً آخر والوضع في ازدراء وطفلانا يحتاجان كما كل الأولاد لمتطلبات هذا العصر وبعض الهناء، وازداد سعير بركان الاختلاف لأتفه الأسباب لتخرج حمم غضبه ضرباً وتقتيلاً بالأولاد كلما عجز عن تأمين المتطلبات وكنا نصبر عليه ونحنّ للأيام الخوالي، لكنه جار علينا وبات يسكر ويعربد مع رفاقه ويتسكع معهم في الطرقات كمراهق عابث بعمر فات، طلبت منه الطلاق والخروج من بيتي الذي بنيته حجراً فوق حجر ولم يكلف نفسه بشيء منه لا أثاث ولا جهاز وخرج دون سؤال ليبعث لي بورقتي مع أخته فك رباط زواج، وعقد زوج فاقد للمسؤولية والإحساس، أكثر من سنة غاب عنا ولم يطرق بابنا يبغي فيه السؤال عن أولاده، وكنت في حيرة من أمري والقلب اشتعال باختفائه أسأل عنه أم أتجاهل رغبتي؟ إلى أن رجعت أخته وهاتفتني لتخبرني بأنه في المشفى بحالة صعبة ولأجل أولاده وعشرة العمر قصدت المشفى لأطمئن عليه عندها اعتذر وتأسف على ما بدر منه من قلة خير ووفاء، وقلبي المحب له ولأولاده عذره وغفر له الأخطاء، وهو ما ساعده على الشفاء كما أخبرني طبيبه، لنعود سوية إلى البيت ويسارع الأولاد لاستقباله بكل شوق وحنين والجلوس حوله، أراه قد استعاد قوته ومكانه ومكانته في عائلته والقلب.
جاء لبيت أهلي يطلب منهم الزواج بابنتهم الوحيدة، والتي أشارت لنا بأنها وافقت عليه للطفه وحسن طلعته وبهاء حديثه وطيبته وكرمه، تقول:
صرف علي الكثير بحساب ودون حساب، وتزوجنا بعرس كان فيه ليلة من العمر، وبعد شهر أو بعضه بدأ بالانشغال عنها ويبرر لها غيابه طوال النهار (شغل) ليأخذها خارج أسوار البيت للعشاء، تمر الأيام رتيبة مملة تنظف وتغسل وتطبخ، تزور الأهل والجيران، وترافق الصديقات للمقاهي والنزهات، لكن شيئاً ما في خلدها يدفعها للاكتئاب، ليس قلة في المال والعيش وحتى الحب لهو وفير، تحاول التغيير، تدرس وتنجح وتلتحق بمعاهد ونوادٍ ونشاطات لكن حياتها لم تكتمل بعد، أين الأولاد؟ تصارح زوجها بما يعتمل في نفسها وحبها للأولاد لتتفاجأ بسره الذي أباحه لها بكل سكون: أنه تزوج سابقاً ولم ينجب الأولاد فطلقها ليعاود الكرة معها، حينها تتجرأ وتفصح عن رغبتها بالطلاق منه أيضاً وتحصل عليه دون تذمر، تحمل أشياءها وكل ما رغبته لترجع لبيت أهلها الذي ترى فيه كل رعاية واهتمام، شعرت بالسعادة بداية حياتها الجديدة، ورغم وجود رجال جانبها في الوظيفة وعند الجيران إلا أن مقارنته بهم تجده الفائز في كل شيء، كما أن اتصالاته بها التي لم تسكت يوماً لتركض وتجيب، دفعها لتشعر بشيء جميل داخلها، جعلها تعود إليه زوجة مرة ثانية.
امرأة طامح
المرشدة النفسية رغداء خير بك:
أشارت إلى نظرة المجتمع للمطلقة والتي تختلف من بيئة لأخرى وفقاً للعادات والتقاليد السائدة في المجتمع وتضرب مثالاً في الجزيرة السورية والتي ظننا بهن ظلماً وقهراً، فتقول:
في دير الزور والحسكة والرّقة ينظر للمرأة المطلقة باحترام وتقدير كبيرين، وتسود في بيئتها أنها (امرأة طامح) أي أنها تسعى للحصول بزوج أكفأ وأفضل فهي بنت أصول، أما في محافظات أخرى فالمطلقة نكرة وغير مرغوبة بالزواج إلا عند قلة قليلة يكاد ينحصر عددهم بأصابع يد واحدة وحتى أقل، إذ يعتبرونها وصمة عار وبها خلل ما ودائماً ما يقفون بجانب الرجل ضد المرأة، يستضعفونها لتكون وحيدة ومعرضة للإساءة من المجتمع حيث ينظر إليها بالنقص والدونية وقلة الشرف، ونحن لا نعمم في حديثنا إذ يوجد استثناءات..
والطلاق بحد ذاته يؤثر على المرأة بالدرجة الأولى ثم الأولاد، فالنظرة الدونية لها تصبح بنظرهم سلعة رخيصة الثمن وسهلة المنال، كما أنه لا تتم حمايتها على الأغلب اقتصادياً وهي غير العاملة بالإضافة لامتعاض الأهل من عودة ابنتهم خائبة إلى منزلهم لتصبح عالة عليهم، فدائماً ما يقع الأهل بين فكي كماشة المجتمع والابنة المكسورة الخاطر، كما الأعباء المادية والنفسية والاجتماعية التي تضاف عليهم وتثقلهم خاصة إذا كان لديها أولاد وعائلتها مستورة ودخلهم منخفض ومحدود.
وطلاق الآباء يؤثر على الأولاد بفقدان الأب وسلطته فيسيطر عليهم الحقد والكره للأب وأهله، كما يعانون الضياع والتأرجح بين الأب والأم، وعلى الأغلب كفة الأم هي الأرجح وهو ما يهدد مستقبلهم وحياتهم إذ يشعرون بالبؤس والقهر من نظرة أقرانهم، وهو ما يشكل ضغطاً نفسياً لديهم يؤثر على صحتهم وتفكيرهم ونمط سلوكهم ليكونوا أكثر انطواء وعزلة، وشعورهم بالنقص والعجز نتيجة الفقر والعوز المادي، وإن كانت حالة الأهل ميسورة فأيضاً يتأثر الأولاد بالطلاق بسبب بعدهم عن كلا الطرفين أو أحدهما، فقد يضيع الأولاد ويتشردون ويتسكعون في الطرقات الباردة والموحشة لغياب رقابة الأب السلطوية ومهما كانت المرأة قوية وجديرة بتحمل تربية أبنائها وتوجيههم، وقد يكون مصيرهم محفوفاً بالمخاطر.
وأيضاً المجتمع ينعكس عليه هذا الوضع، حيث أن الأسرة هي أسّ المجتمع، أسرة كاملة ومتكاملة (أب وأم وأبناء) وحالة الطلاق تشكل في المجتمع شرخاً لنسيجه، كما أنها العقد الذي انفرطت حباته وانفك حبل تجمعها وقواها، ليتشرد الأفراد ويذهب كل منهم في طريق، فينحرف الأولاد المضطربون بلا علم ولا تحصيل، يتسكعون وقد يلجؤون للتسول والسرقة وغيرها من الأعمال التي توقع بهم في الرذيلة ويمكن الجريمة وهي آفات بنية المجتمع.
ورجعت في حديثها إلى المرأة المطلقة وحالتها النفسية المزرية، والتي أصبحت مضطهدة مسلوبة الحقوق والإرادة، ينظر إليها بأنها شخص غير مؤهل وليس موضع ثقة، رغم وجودها وتواجدها بجدارة وسط المجتمع وفعالياته، وهن يقمن بتربية أولادهم وتعليمهم ليصلن أعلى المواقع والمراتب في الوظيفة والمسؤولية، وأفضل ممن تحت جناحي أزواجهن.
نظرة المجتمع للمرأة المطلقة تختلف حسب البيئة المحيطة بها وتعيش فيها وحسب نظرتها لنفسها وذاتها، وهي من تقبل أن تكون مسلوبة الإرادة ومضطهدة، وهي من ترفض ذلك، والأهم من هذا وذاك أن يتم استصدار قانون لحماية المرأة المطلقة وذلك بإلزام الزوج بتأمين مسكن لها ولأبنائها لحمايتهم من التشرد والضياع والعوز، ويكون ذلك رادعاً أيضاً للزوج للحيلولة دون الطلاق إلا في حالات قسرية وقاهرة وغير قابلة للحل، وعلى المرأة أن تضمن مستقبلها قبل الزواج من خلال المهر المؤجل والمعجل يضمن حقها في العيش فيما لو كان في مستقبلها طلاق، وتحاشياً لظلم المجتمع لها.
في الدستور والمحاكم الشرعية
نلاحظ ارتفاع نسب الطلاق في المحاكم السورية إلى 31% وفق إحصاء محاكم القصر العدلي عام 2017.
أشارت وزارة العدل السورية إلى أن التعديلات أتاحت للزوجين حق طلب التفريق عند وجود العلل المانعة، ولا يستطيع ولي الأمر أن يزوج ابنته إلا بموافقتها الصريحة حتى لو كان يملك وكالة منها، كما أصبح حق الحضانة للأم أولاً ومن بعدها الأب ثم أم الأم بعدها، كانت تنتقل مباشرة من الأم إلى الأم ومن أبرز ما جاء في التعديلات أنه إذا هجر الزوج زوجته تستطيع طلب الطلاق، لكن في الطلاق الرجعي ترك أمر العودة للرجل.
وفي المادة 187 لا يسجل الخلع في المحكمة قبل قبض الزوج بدل الخلع المتفق عليه، فالمرأة تلجأ إلى ذلك تفادياً من الإطالة في المحاكم، حيث يعاند الزوج في الطلاق ليتهرب من دفع ما بذمته للزوجة من حقوق ومهر فتضطر مرغمة للتنازل عن كل شيء وحصولها على الطلاق، ويهرب الرجل من وضع عبارة (حسب الحالة المادية للزوج يسراً أم عسراً) وفي المادة 192 إذا كانت الأم حالتها عسر يجبر الأب على نفقة الولد وتكون ديناً له على الأم (المطلقة) التي يمكن أن تكون بلا عمل ولا شهادة تأمن بها شر العوز والحاجة في زمن فيه البلاء من غلاء المعيشة وعجز الراتب عن تغطية نفقات العائلة والبيت والأولاد.
وفيما يخص النفقة جعل للزوجة استحقاق دفع النفقة لمدة ثلاث سنوات في حال الطلاق التعسفي واستحقاق النفقة من تاريخ الامتناع عن النفقات مدة لا تزيد عن سنتين وأصبح بإمكان الزوجة رفع دعوى تفريق بعد غياب الزوج لسنة وبعد ستة أشهر إذا كان مسجوناً.
الحضانة أجبرت التعديلات بانتقالها من الأم إلى الأب للحفاظ على كيان الأسرة ورفعها إلى سن 15
التعديلات واكبت التقدم الاجتماعي والعلمي حيث سمحت بعض المواد للقاضي بالاستعانة بمراكز الإصلاح الأسري مما يعطي فرصة لإصلاح ذات البين واستخدام البصمة الوراثية لإثبات النسب.
المرأة المطلقة بين قسوة الرجل وسندان المجتمع
يتناسى المجتمع المرأة وعظمتها، ومواقفها النبيلة ودورها كركيزة أساسية في المنزل إضافة لعملها وسعيها لبناء أسرة متحابة، وما أن تنال حقها بعد القسوة والمرارة التي تعيشها مع الرجل، وتطالب بالطلاق فتتغير النظرة كلياً من محترمة إلى عديمة الأخلاق، وتعتبر هذه التجربة أقسى معركة تخوضها بحياتها، فالمجتمع والزمن اتحدا ضدّها، وبحكم الثقافة والفهم الخاطئ ينظر إليها بلا رحمة ولا عطف، تواجه أطماع الرجال التي ترشقها بسامها وألسنة تقذفها بشرارها وسماع عبارات كرصاص البنادق تخترق قلبها لتفقدها كرامتها وحريتها وإحساسها بإنسانيتها.
في دائرة نفوس مدينة جبلة زودتنا السيدة صفاء سليمان بأعداد حالات الطلاق التي سجلت، ففي السنوات الثلاث قبل الأزمة حوالي 500 حالة طلاق وهذه النسبة ليست بقليلة والغالبية بوجود أطفال.
أما في فترة الأزمة فتجاوز ذلك حتى وصل العدد حوالي 800 حالة، وأكثرها كان في 2017- 2018 والسبب في ذلك يعود إلى غياب الرجل عن المنزل لسنوات طويلة دون معرفة السب سواءً كان الموت أم غير ذلك، والسفر خارج البلد هرباً من ظرف ما، والأهم الفقر والحاجة المادية تخلقُ أجواء توتر وضغوطات نفسية وانعدام الصبر والتحمل وليس هناك طريق سوى الانفصال والهروب من العيش تحت وطأة الفقر والصراع والمشاحنات الدائمة.
السيدة فريال: حلمت أن أعيش حياةً زوجية سعيدة ملؤها الحب والتفاهم ولم أظن يوماً أنني أرتكب جريمة بحق نفسي أُعاقب عليها من محكمة المجتمع، بعد حصولي على الطلاق أصبح الجميع ينظر باحتقار يحملني سبب فشل حياتي الزوجية وأصبحت بالنسبة لهم – حرف ساقط- وفي كل يوم أتصارع مع الحياة لأوفر متطلباتي بتعبي، أنظف البيوت وأقطع الخضار، فأنا لست موظفة وفي الخمسين من عمري وليس أمامي خيار آخر.
حمل ثقيل على أكتاف (أبو عزيز)
السيد أبو عزيز أب لثلاث مطلقات:
نظرة المجتمع للمرأة المطلقة سيئة جداً والمعاملة أسوأ فكيف وأنا أب لثلاث ولكل واحدة قصة مختلفة، الأولى زوجها رجل عديم الإحساس والمسؤولية مدمن على شرب الكحول والسهر حتى أوقات متأخرة ويصرف كل ما يصل لديه على حياته الخاصة غير مهتم بعائلته، ودائماً ابنتي تطلب المساعدة، تعيش برفقة ولدين في سن صغير وأجسامهم لا تقوى على العمل وليس أمامها خيار إلا الطلاق والعودة إلى منزلي.
والثانية سافر زوجها على أساس العمل وجمع المال، إلا انه تزوج وتركها تصارع الحياة ومعها طفل، وظلت على هذه الحالة ثلاث سنوات دون أي زيارة، وأكمل بإرسال ورقة طلاقها والنفقة لا تسد حاجتها وابنها.
أما الثالثة وهنا كان الظلم الأكبر من زوجها طلقها أسوة بأختيها قائلاً لم يعد يستطيع العيش مع هكذا عائلة، وبسبب نظرة الناس لنا ومعاملتهم القاسية قررت ترك دمشق والعودة إلى القرية هرباً من عيون وظلم ضعاف العقول، ولكن ما من فائدة أينما ذهبنا نعيش ذات الإحساس، أعمل الآن حارساً على المباني التي تقام حديثاً إضافة إلى راتبي التقاعدي، وعاهدت نفسي أنني سأعمل وأكافح من أجل هؤلاء الأطفال الذين ظلموا من قبل آبائهم.
ضاق الصدر والحلّ بالطلاق
السيدة فدوى:
لم أعد أحتمل مشاكلي مع زوجي والصبر على طباعه السيئة ولم يكن أمامي سوى طلب الطلاق وحكمت المحكمة بذلك بعد أن جردتني من كامل حقوقي، وهذا القرار مجحف بحق المرأة لأن القانون لا يدرس جيداً الدوافع التي فرضت عليها ودفعتها لطلب الطلاق ولا بوضعها الاجتماعي بعد ذلك وكيف ستعيش، على الأقل تعويضها بما يسد لها بعض حاجاتها ويكفيها من الحاجة والإذلال، وبعدها عدت إلى منزل أخي باعتبار والديّ متوفين، ومنذ ذلك الحين لم أعد أعرف نفسي هل أنا خادمة أم مربية وعليَّ أن أتحمل لأنني مطلقة والذي يصبرني أن أخي مغلوب على أمره وليس لي سند آخر، وأنا غير موظفة ولا أملك منزلاً، وكل ذلك وزاد الطين بلة – نظرة الناس والتلميح بكلمات وأسئلة محرجة دون احترام لمشاعري.
حتى الرجال لهم نصيب
السيد نورس:
دائماً في حالات الطلاق يعود الظلم على المرأة إلا في حياتي، تزوجت من امرأة عنيدة تحب المظاهر والتباهي وليس لدينا دخل مادي سوى راتبي، كانت معاناتي كبيرة في إقناعها وتعليمها لكن – فالج لا تعالج- ما تربت عليه لا تستطيع التخلي عنه وبوجود طفلين تحملت الكثير، ولكن لم أستطع متابعة المشوار وتم الانفصال وعاش أولادي برفقتي ونحن الآن بحالة هدوء والتزام وكل شيء كما نتمناه.
للزواج أسس وقواعد يجب عدم الاستهانة بها وخصوصاً بوجود الأطفال لأن من يدفع الثمن هم وكما يقال المثل- الآباء يأكلون الحصرم والأولاد يضرسون-

هدى سلوم – معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار