حـــــوار الوحـــدة

العدد: 9275
الثّلاثاء 22-1-2019

حاوره: بسّام نوفل هيفا

الشاعر أحمد قادرة: قصــيدتي هي رؤاي وطــــريقتي في الحيــاة

شاعر شقّ طريقه بحزم وثبات، معتمداً على ذاته، يطوِّع الكلمة ويطلقها في أجوائها الشعرية كما يريد، بنبض شعري موشّى بالرمز دونما غموض، قصائد ونصوص شعرية ملونة في أغراضها الشعرية، محملة بالخير والجمال ودقة اللغة ونقاء المفردة، تحلّق في فضاءات الخلق والإبداع..، متمكّن من أدواته التعبيرية، مجاز في اللغة العربية وآدابها، حاصل على عدد من الجوائز في مهرجانات ومسابقات أدبية.. إنه الشاعر أحمد قادرة، مواليد قرية كفرية، في محافظة اللاذقية عام 1954.
صدر له ثلاث مجموعات شعرية هي: أنت جوع يسكن رأسي، أتقرأ تجاعيد أحلامي، زورقي لا تغرقه القنّاصة.
تُرجمت بعض قصائده إلى اللغة الإنكليزية، له مشاركات متميزة في النشاطات الثقافية في محافظات القطر، كتب عن تجربته الشعرية الشاعر المرحوم زهير غانم، والناقدة التونسية الدكتورة سعيدة بن سالم والناقد العراقي موفق البياتي.
التقيته وكان الحوار الآتي:
*نصوص الشعر التي تسطرها، هل هي ترجمة لحالة نفسية أم حصيلة تأمل؟ أم ماذا؟
** أسطّر في نصوصي أحاسيسي وتجاربي ورؤاي واستشرافاتي وما أرى أنه يشحن المتلقي بطاقة فاعلة أو يغريه بجانب إيجابي، أو التخلي عن مسار مظلم، أو أرى أنه يجرح بشرارة ما جدار العتمة، وأهم من ذلك تكوين عناصر الجمال أمام العين أو في أعماق النفس لأنّ الجمال الذي يراه الإنسان أو يسمعه أو يلمسه ينعكس جمالاً في عقله وتفكيره، وباختصار: قصيدتي هي رؤاي وطريقتي في الحياة.
*ما الذي يمكن أن تقوله عن موضوع الحداثة في الشعر، وأنت من له تجربة في هذا المجال؟
** الحداثة في الشعر هي استجابة لمقتضيات التطور والإبداع الذي يمر عبر تجاوز المألوف الشعري، وقد ترافقت بظهورها ونشأتها مع تغير البنى الاجتماعية والفكرية في واقعنا، ومع الاحتكاك والتبادل الثقافي مع الغرب، ومع نفور الذوق الحديث من التكرار والرقابة في الشعر العامودي وموسيقاه العنيفة في موقعها على الأذن.
وشعرية النص التي تقوم أساساً على الصورة الشعرية، والكشف المتجدد، وإظهار الطاقة في الكلمة في سياقاتها، وعلى إحساس المتلقي بهذه الطاقة، ومما في هذه الصورة من إيماءات وشحنات ورؤى هي التي تحدد حداثة النص، وليس الشكل الشعري.
* عاصر الإبداع العربي الحداثة الغربية، وكان يلهث وراءها تقليداً وليس إبداعاً، لأنّه نقل شكل الحداثة ولم يمارس منطلقاتها المستقبلية، ما تعليقك على ذلك؟
** الإنسان هو أهم ما في الكون، والحداثة موقف من الكون، وموضوعها الوحيد هو الإنسان، والأداة الوحيدة التي يمتلكها الشاعر لصياغة العام على نحو جديد بما يتناسب مع الإنسان حياةً وتطلعاً وكرامة، وحرية هي الرؤيا، وإذا كان شعراء الغرب قد توهّجوا بذلك وبأشكالهم المحدثة، وقلدهم شعراء عرب محدّدون وفق هذا الموضوع، فما المانع؟ أليس الشعراء بدر شاكر السيّاب ونازك الملائكة وتوفيق زياد وأنسي الحاج ومحمد الماغوط وهادي دانيال وغيرهم من مبدعين، وكيفما كانت أشكال تعبيرهم؟
لقد اتهم الشعراء العرب الحداثويون بتقليد شعراء الغرب لمجرّد خروجهم على أوزان البحور الشعرية وقوافيها، واعتمادهم أشكالاً جديدة في النص الشعري، فأوزان البحور وقوافيها مقدسات عند المتعصبين لها.

* لا شك أنّنا نعيش حالة من الفراغ الثقافي، فمن برأيك سيملأ هذا الفراغ؟ وكيف؟
** الثقافة ليست ممنوعة عن أحد في عصر الانترنت، والمثقفون كثر جداً في الوطن العربي، وما يسمى بالفراغ الثقافي ليس إلا حالة تعانيها الثقافة والمثقفون في مجتمعاتنا العربية، وذلك أنّ هؤلاء لا يمتلكون الحرية المطلوبة لإنتاج وضع فكري أو اجتماعي يبنيه المثقفون بما يمتلكونه من طاقات الإبداع على كافة المستويات والمجالات، كما لم يُعطَ هؤلاء الدور الذي يمكن أن يقوموا به في الحياة العامة العلمية والسياسية والاقتصادية لإنتاج بُنى تقوم عليها الحياة الجديدة، أساسها الثقافة والمثقفون المبدعون، وتجدر الإشارة إلى بعض المثقفين الذين يرون الثقافة ترفاً وحسب، وآخرين يؤجّرون ثقافتهم لمن يدفع أكثر، وآخرين تواطؤوا مع قوى التخلف والظلام لإجهاض معركة الحداثة، كما تجدر الإشارة أيضاً إلى مثقفين من مختلف البلدان العربية، اختاروا المنافي للحفاظ على استقلالية فكرهم واحترام ذواتهم.
* بالتأكيد أنت تحتفل بالحياة عندما تشهد ولادة مجموعة شعرية لديك، كيف يتجسّد لك هذا الاحتفال؟
** هو الفرح بالنجاح، الفرح بتحقيق إنجاز مرتبط بالذات، الفرح بإيجاد المسارب التي أصل من خلالها إلى الآخرين، الفرح بولادة كلمات لا يمكن أن تموت، ولادة أصوات سيتردد صداها قليلاً أو كثيراً لزمن طويل، والمهم أنّها باقية.
وأخيراً هو الفرح بمساهمةٍ ما من أجل التغيير نحو ما هو أكثر جمالاً وضياءً وتعقّلاً وفاعلية.
* متى يكون القارئ أو المستمع غير واقف على قدميه خارج النصّ الشعري، أي القصيدة، بل محلّقاً في أجوائها…راكضاً في جنباتها ..برأيك؟
** يُحلّق المتلقي في أجواء القصيدة عندما يجد ذاته فيها وبها، حيث يحسُّ أنّه شارك الشاعر بخلقها وكتابتها، فهي تلامس مشاعره وأحاسيسه، أو تحكي عنه، أو تعبّر عن انفعالاته ورغباته وطموحاته وآماله، أو تفتح أمامه آفاقاً ونوافذ لفضاءات أو أمداء جديدة وجميلة، وترسم دروباً للخروج من ألم المعاناة والألم.
* تتناسل وتتكاثر الأعمال الشعرية، كما نلحظ ازدياداً رقمياً في عدد الشعراء، لكنّنا لا نقرأ أو نجد شعراً إلا القليل، ماذا تقول في ضوء ذلك؟
** أدى انتشار وسائل الإعلام على اختلافها، وكذلك وجود شبكة الانترنت إلى نشر فيضٍ كبير من الشعر رقمياً، ولكن الكثير من هذه المنشورات الشعرية ليس جديراً بتسميته شعراً، فبعضها فارغ من الشعرية، وبعضها استعراض لغوي، وبعضها فنتازيا، وبعضها وبعضها.. ويتحمل النقد والنقاد مسؤولية هذه الحالة في شعرنا العربي.
مع العلم أنّ هناك أعمالاً شعرية ناضجة ورائعة بفنّيتها العالية وصدقها، والتجربة الشعورية فيها، وتميِّزها.
* إذا كان بعض أفراد النخب الثقافية والمعرفية يبحثون عن ملامح حداثة متحررة من أوهام الماضي، ومن فوضى الحاضر، فما هي مفاهيم وجماليات تلك الملامح في رأيك؟
** الحداثة معطى حضاري مرتبط بالمدينة كحياة اجتماعية، وبالتكنولوجيا وما تركته من آثار على هذه الحياة، والحداثة تفترض التجديد والتجدّد، ولا تقف عند حد، وترتبط بأحاسيس جديدة أوجدتها طبيعة الحياة في المدينة، وأثر التكنولوجيا على حياة الناس فيها، وقد أحدثت الحداثة تغيّراً جوهرياً بكل شيء، فالشعر فيها رؤيا، وهو بحاجة إلى لغةٍ تتناسب مع هذه الرؤيا وتنطلق من التراث لكنها تتجاوزه، وتفتح مساحات إبداعية واسعة، فالنص بموجبها مفتوح شكلاً ومضموناً، كما تتيح الحداثة للشاعر أن يبتكر في كل قصيدة شكلاً آخر، وتحتاج الحداثة إلى إنسان عربي ذي عقل جديد ومتجدد، ينهض بالإنجازات ويطورها، متحرر من كل أشكال القمع، ويحتاج هذا أنظمة عربية تدعم المبدعين والإبداع، وتشجع على ذلك أما صفة (الفوضى) فقد أطلقها على آدابنا الحديثة بعض النقاد المتعصبين وحسب.

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار