الوحدة: 16-11-2022
حين انطلقت الأصوات في الماضي منادية بضرورة تحرر المرأة وإخراجها من ظلام قبو التقاليد البالية لتمارس حقها في التعليم والعمل، وتندمج في الحياة الاجتماعية والوظيفية، لم يؤخذ بعين الاعتبار أن هذه المسؤولية الجديدة إذا ما أضيفت إلى مسؤولياتها داخل البيت والمتمثلة في الأعمال المنزلية ومتطلبات الأمومة، سيشكلان معاً عبئاً قد تنوء المرأة بحمله، ونوعاً من الإرهاق الجسدي والضغط النفسي، ما دام لن يعفيها أحد من مسؤولياتها الأولية كربة أسرة، ولست من الذين ينكرون على المرأة حقها في التعليم والتنوير وحقها الوظيفي ككائن اجتماعيّ منتج وفعال بعد أن أثبتت جدارتها وتبوأت أرقى المناصب، ولا من الذين يزدرون العمل المنزلي، بل هو عمل كغيره من الأعمال النافعة والضرورية أو من الذين يهملون ويهمشون الأمومة.
أرى أن المسؤولية تقع على جميع أفراد العائلة إضافة إلى المجتمع ككل، فمع أن أغلب النساء العاملات قد خرجن إلى الحياة الوظيفية بدافع مساعدة الرجل مالياً، فإن الرجل الذي رحب بمساعدة زوجته له، لا يزال في أغلب الحالات يرفض أو يتعالى على مساعدتها داخل البيت، ولا يزال يرى في الأعمال المنزلية إهانة لرجولته وانتقاصاً من هيبته، وكأن النظرة التقليدية الدونية للمرأة قد التصقت بكل ما هو أنثوي من أعمال وأقوال وأفعال، وإذا كان من الصعب على المرأة في كثير من الأحيان أن تغير من موقف الرجل الذي شب على عقلية معينة، ومن نظرته لمساعدته، فإنه باستطاعتها أن تزرع واجب التعاون والإحساس بالآخر لدى أطفالها الذكور، وليس فقط الإناث، وإذا كان الأب هو ضحية تربية وثقافة معينة ومفهوم محدد للرجولة، فإنه بالإمكان تغيير هذه المفاهيم لدى الأجيال الناشئة التي فتحت عيونها على وجود أم تعمل داخل وخارج البيت، وخلق مفاهيم جديدة لها، كقياس الرجولة مثلاً بالشهامة والعون والمشاركة وعدم الشعور أو القبول بالراحة حين يكون الآخر الذي نحبه ونخاف عليه في حالة شديدة من الإرهاق والتعب .
وأرى أن هذا الأسلوب سيعطي على المدى المستقبلي نتائج مختلفة وإيجابية، فالعائلة هي التي تشكل لدى أبنائها نماذج التفكير والعمل والقيم التي ترافقهم بعد أن يصبحوا رجالاً ونساء. المشكلة تكمن في توجيه المجتمع لقبول فكرة خروج المرأة للعمل لمساعدة زوجها دون تهيئة الرجل بالمقابل للدخول إلى البيت ليصبح شريكاً متعاوناً مع زوجته، فصارت المرأة هي الأم والأب، وفي رأيي على مجتمعاتنا القبول بعملية نقد ذاتي والوصول إلى إعادة تعريف لمفهوم الرجولة، وهل هي عدم مسك ( المكواة ) أو عدم القيام بغسل الصحون ، أم هي الرحمة والمودة والتعاون والمشاركة وبالذات الإحساس بالآخر داخل الأسرة، وهو الأهم لأن تقدم التكنولوجيا المطرد والآلات المساعدة قد خفف إلى حد كبير من ضغط المسؤوليات المنزلية على المرأة ، ولكن هل نعتقد بأن المشكلة قد تم حلها إذا لم نتمكن من حل عقدة الفوقية الذكورية الأنانية إلى حد ما، أم أن القضية هي أخلاقية في المقام الأول قبل أن تكون مجرد تعب وإرهاق جسدي يفرضه ضيق الوقت وتراكم المسؤوليات.
لمي معروف