الوحدة : 11-11-2022
عندما تجتمع الموهبة الخلاقة مع الاتساع المعرفي والدراسة الأكاديمية.. يتبدى الإبداع في العمل على هيئة نتاج متقن ومحكم العناصر شكلاً ومضموناً خاصة عندما يكون هذا العمل في مجال التأليف والكتابة والترجمة للطفولة بكافة احتياجاتها ومتطلباتها المعرفية والتربوية والسلوكية.. وهذا ما نقرأه في نتاج المؤلفة والمترجمة كاتبة وجيه كاتبة المتخصصة في هذا المجال الأدبي القيّم والرائع، وللوقوف على أهم المحطات في تجربتها الغنية بالأعمال الهامة، كان ” للوحدة” اللقاء الآتي معها :
– ماذا عن بداياتك مع الترجمة والتأليف؟
أنا كاتبة قصص أطفال ومترجمة ومدرّسة في المعهد العالي للترجمة والترجمة الفورية قسم الترجمة السمعبصرية. بدأت مسيرتي العمليّة في التّرجمة والكتابة من خلال كتاب (مختارات قصصية من الصين) وهو كتابٌ موجّهٌ لليافعين ضمن المشروع الوطنيِّ للتَّرجمة في الهيئة العامّة السُّورية للكتاب، والذي رشحني لترجمته عميد المعهد العالي للترجمة والترجمة الفورية د. فؤاد الخوري.
خلال ترجمتي لهذا الكتاب تأثرت كثيراً بالقصص والأساطير الصينية الموجودة في الكتاب، وحلّقت بعيداً إلى الصين وعشت مغامرات الأبطال نفسها، وقد كانت تجربة ممتعة للغاية.
وعندما أترجم، أبذل قصارى جهدي في أن أكون وسيطاً مخلصاً بين لغتين وثقافتين مختلفتين، وهذا يتطلّب غوصاً في أعماق النَّص المراد ترجمته، وقراءةً لما بين السُّطور، والأخذ بعين الاعتبار الفوارق الثَّقافيّة والاجتماعيّة بين الشّعوب، لأحاكي وأؤدي دور المؤلّف، و هذا يتحقّق من خلال امتلاك أكبر قدرٍ ممكنٍ من الأفكار الدّقيقة حول ما يفضّله مؤلّف العمل المراد ترجمته وما يثيره، من خلال الكشف عن ذوقه الإيقاعيّ، أو بمعنى آخر، أن أعرف أسلوبَ تكوين جمله وكلّ خيوط فنّه. وفي الوقت ذاته أحاول إضفاء أسلوبي، ووضع لمساتي على النَّص.
– ما المعايير المعتمدة لديك لاختيار النصوص وترجمتها؟
معايير الترجمة للطفل التي أعتمدها تكون بانتقاء القصص الماتعة والممتعة التي تُشبع فضول الأطفال الفكريَّ وتقدّم إجاباتٍ عن أسئلتهم، وتزودهم بالقيم الثَّقافيَّة مع مواءمة الاجتماعيّة منها. وأحاول تقديم المحتوى بدقّةٍ، وانسيابيّةٍ، وأمانةٍ، مع إضفاء الطّابع الإبداعيِّ الأدبيِّ، فالمسؤول الأول عن نجاح عمليّة التَّرجمة للطّفل هو الأسلوب المحبّب والقريب إلى عقل الطّفل وآلية سردٍ جاذبةٍ تشدُّ القارئ الصّغير، وتحثّه على مواصلة القراءة والتّعمق في الكتاب، والمضيِّ فيه حتّى النّهاية، فتحقيق المتعة والتَّسلية هو الهدف الأساسيُّ منه.
– لماذا اخترت الكتابة للطفل؟
الكتابة للطّفل شغفٌ بالنّسبة لي، وحاجةٌ للتعبير عن أفكاري، فلازلت محتفظةً في أعماقي بالطّفلة الصّغيرة التي تطفو على السَّطح كلّما عصفت فكرةٌ في مخيّلتي. وهدفي الأساسيُّ من الكتابة للأطفال هو تقديم إجاباتٍ لتساؤلاتهم – وبالأخص الفلسفية منها – وتعزيز قدراتهم على التّفكير والتّحليل والإبداع، وإتاحة الفرصة لهم بالرُّقيِّ بلغتهم لتنمية الذائقة الأدبية لديهم وتطوير حبِّ الاستطلاع والبحث.
– برأيك، ما الفرق بين أدب الطّفل وأدب الكبار؟
من وجهة نظري، يمتلك أدب الطّفل وظائف تربويّةً وتعليميّةً تساعد على تحديد معالم شخصيّة الطّفل، لذلك لا يقتصر على التّرفيه البسيط، ويتخطّى مفهوم المتعة، فهو يقود الأطفال بذكاءٍ وجمالٍ لاكتشاف أنفسهم، والانفتاح على الآخرين، وينير لهم معنى وجودهم في الحياة، ويعتمد اعتماداً كلّياً على المشاهدة البصريّة وإضافة الرُّسومات.
هو أدبٌ خياليٌ بامتيازٍ، بينما أدب الكبار أكثر واقعيّة، كما أنّ لأدب الطِّفل خطوطاً حمراء وأهمها الحرص على تجنُّب القصص المحزنة أو العنيفة التي تثير انفعالات الأطفال، أو التي تركّز على سهولة الحياة أو سهولة النجاح.
– ما أبرز الموضوعات المطروحة في قصصك؟
أحاول جاهدةً كتابة قصصٍ تساعد على إشباع توق الطِّفل للمعرفة وحبِّ المغامرات البطوليّة، والإجابة عن التَّساؤلات التي تدور في أدمغتهم، وتقديم حلولٍ لبعض مشكلاتهم، وإكساب الأطفال المعلومات والحقائق والمعارف. فمثلاً : طرحت موضوع التنمّر الاجتماعي على الأطفال الذين يعانون من البهاق في قصةٍ عنوانها: (أنا مختلفةٌ) صدرت في مجلّة البيان البريطانية.
وفي قصة عنوانها ( أجمل هدية) وضحت للطفل بطريقة غير مباشرة أن الكتاب هو خير هدية. كما طرحت موضوع كيفية التخطيط المسبق للمستقبل في قصّةٍ (غابة الزنبق العائمة) تعلّم الأطفال التخطيط وفق استراتيجيات ذكية. وكتبت عن الحيوانات في قصة :(الكؤوسُ البرّاقة).
وكذلك كتبت أسطورة خيالية قصة عنوانها (سر القمر المضيء) تتحدث عن المحبة الخالصة. وثمة الكثير من القصص يطول الحديث عنها.
– ماذا عن مشاركتك في الندوة الثقافية حول الترجمة للطفل؟
شاركت فيها مع زملائي وزميلاتي المترجمات آلاء أبو زرار وثراء الرومي وتانيا حريب، وأدار الندوة، الداعم لنا دائماً، الأستاذ الشاعر قحطان بيرقدار رئيس تحرير مجلة أسامة ومدير منشورات الطفل في الهيئة العامة السورية للكتاب، وشرفنا بالحضور مدير الترجمة د. باسل المسالمة. وكانت بعنوان ( الترجمة لقارئنا الصغير: واقع وتحديات) في المركز الثقافي العربي في كفرسوسة، تحدثت خلالها عن علاقة أدب الطفل ودبلجة الأفلام الموجهة للطفل، وهو يصب في جوهر اختصاصي ” الترجمة السمعبصرية ” كوني مدرّسة في المعهد العالي للترجمة لمادة الترجمة على الشاشة والدبلجة، كما تحدثت عن استراتيجية هذه الدبلجة إلى اللغةِ العربيّةِ، فضلاً على بداياتِها، في الواقع، الدبلجةَ مصدرٌ جيدٌ وممتعٌ للأطفالِ، لما تقدّمهُ من مهاراتٍ متعدّدةٍ على شكلِ قصصٍ جذّابةٍ تستمدُّ حركتَها من الواقعِ الإنسانيّ، ثم أنها تعملُ على توعيتِهم وتثقيفِهم وتوسيعِ أفاقِهم الفكريّةِ، بل إرغامِهم على حسنِ الإصغاءِ والإنصاتِ للّغةِ العربيّةِ الفصحى، وعلى هذا فإنّ الشيء المهم في الدبلجةِ هو حوارُ الممثلين المترجَم، الذي يُعَدُّ أداةَ توصيلِ المعلوماتِ للمتلقي، ممّا يُسهِمُ في تنميةِ الجّانبِ الإدراكيّ للطفل واستيعابهِ لما يُنصتُ بسرعةٍ، ويُشعِرُ الطفلَ بالجّاذبيةِ والارتياحِ لما يسمعهُ من حواراتٍ وأقوال وأصواتٍ لا شعورياً واكتسابِ مفاهيمَ، وتنشيطِ مداركهِ العقليةِ والحسيةِ في مرحلةٍ مبكّرةٍ من عمرِهِ، ومساعدتِهِ على ضبطِ مخارجِ الحروفِ والكلماتِ للتحدثِ بلغةٍ فصيحةٍ. فالخطابُ الفنيُّ المترجَمُ الذي يشملُ أفلامَ الكارتونِ يُسهِمُ بشكلٍ كبيرٍ في تنميةِ مهارةِ التحدثِ كأحدِ الفنونِ الأربعةِ الأساسيّةِ للُّغةِ بعد الاستماعِ والقراءةِ والكتابةِ باعتمادِهِ اللُّغةَ العربيةَ الفصحى.
ريم ديب