حكايات من ضيعة بيت ياشوط.. يتبارى الشباب في فنون الدبكة

الوحدة: 8- 11- 2022

تحدث الباحث نبيل عجمية عن حياة الفلاح الصعبة  قديماً في قرى جبلة، معبراً عن رحيل آخر المعمرين المرحوم سليم في قرية بيت ياشوط، فحياته تمثل حياة كل فلاح من جبالنا في الساحل السوري، حيث قال: في حارته بيت الملك ترعرع وعاش طفولته الأولى في نهاية الربع الأول من القرن المنصرم وفي فتوته كان يرعى بضعة بقرات يملكها والداه كانت مصدر رزق وغذاء لعائلتهم الكبيرة، وكان سليم يهتم بهم ويرعاهم في المراعي المجاورة مع شلة من صبية الضيعة وأذكر منهم  عثمان زهيري ومحمود صقير وعزيز دلا رحمهم الله جميعاً، حيث يصبح قطيعاً من البقر والأغنام والماعز يرعى على حفافي كروم الضيعة وفي تخومها وعند الظهيرة عندما يعطش القطيع يركض نحو عين الدلبة أسفل حفة عين تينة بطريقة سريعة كنا نخافها ونقول :” دودب البقر ” وكانت عين الضيعة شحيحة في أيام الصيف وهي كناية عن نبوعة صغيرة تنبع من التلال المجاورة وفي حائطها الأمامي قسطل صغير يصب في جرن حجري متوسط الحجم مليء بالماء يشرب منه البقر وقطيع الماعز.

وللمناسبةِ أن هذه العين قد طَمَرتها أشغال الجسر فوق نهر الضيعة، وتهاوت دلبتها العملاقة ولم يبق لها أثر وهذا لشيء حزين ومؤسف.

كبر سليم وتعرف على رفيقة الدرب حسنة وأنجبا عائلة كريمة كبيرة من سبعة أبناء وكان قد أصبح شريكاً في أقدم طاحونة قمح في بيت ياشوط  (حارة بيت الملك)وكان من شركائه أحمد أسعد زيود وحبيب رحمون اسبر وتوفيق حبيب فرحة، وبعد أن انتهى دور الطاحون افتتح سليم قهوته المشهورة في تاريخ بيت ياشوط ووضع فيها راديو ضخم تهتز له جنبات الضيعة فيتبارى الشباب في فنون الدبكة وخاصة إذا تواجدت الصبايا.

اختفت المواسم  وفرغَت الحقول من زنود أصحابِها، كبارنا رحلوا إلى الدار الأخرى، وذهبت معهم حكايةُ الحقول والطحين والبيادرِ، حتى أن الطيور والعديد من أنواعِ العصافير قد هجرت حقولنا، رحلت حتى الحساسين وغيرهم الكثير من الطيور وبقي أبو الحن العصفور الحزين الذي يَتَنَقَّلُ وحيداً على أغصانِ الخريف العارية وكأنه يندب من رَحَلَ مِنْ أترابه.

كبارنا قد رحلوا إلى ديارٍ أخرى وما بقي لنا إلا الذكريات والتمنياتِ بغدٍ مشرقٍ أفضل من هذا الزمن الذي نعيش فيه، ولهذا الزمنِ من ماضينا الجميل  أخطُّ باقةً من الذكريات  لنذكر أن تراثنا جميلٌ ونعتزّ به.

عمل سليم بعد أن توقفت الطاحون إلى الأبد في متجر صغير يعلو بابه إعلان يقول / سعر جرة الغاز ألف وماية.

رحمك الله يا أبو هيثم سليم محمد أسعد علوش زهيري وأطال الله في عمر الأبناء والأحفاد.

نسيم صبح

تصفح المزيد..
آخر الأخبار