الوحدة : 28-9-2022
مما لاشك فيه أن لا تناقض بين الغرام والالتزام، لكونهما وجهين لعملة واحدة هي العلاقة الزوجية المتوازنة، حيث إن الغرام يتميز بنظرة مثالية إلى الحبيب تجعل منه كائناً لا عيب فيه مثلها مثل علاقة الطفل بوالديه تماماً، ليغدو العزم على الالتزام النهائي بالتضحية للآخر هو جوهر موقف الوالدين. بمعنى آخر، يحمل الحب الزوجي المتوازن، بعدين أولهما ناجم عن موقف الأبناء ويترجم امتناناً وثقة وتبعية عاطفية، وثانيهما منبثق عن موقف الوالدين وينعكس التزاماً مطلقاً وحساً بالمسؤولية يشعر به الزوجان حيال بعضهما بعضاً. لذلك ما يضمن للحب الزوجي ديمومته هو الالتزام المطلق، إذ إن الغرام وحده لايكفي لكونه متقلباً تبعاً للحالة النفسية أو المزاجية أو المعيشية. الحب في الدرجة الأولى إرادة وقرار يقضي بوضع حياتي كلها بين يدي شخص آخر ..! إن الالتزام المطلق عبر الزواج يسمح للعلاقة الزوجية بأن تتخذ بعداً اجتماعياً إذ إن لمشروع الزيجة طابعه الخاص للغاية، التي تنطلق عادة من الرغبة في إنجاب طفل، لكنه يتسع لاحقاً بشكل لا إرادي ليشمل الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، والشعور الأخير يوثق علاقة الحب أكثر فأكثر لكونه يساعد الزوجين على تعزيز روابط الحب بينهما من خلال المجتمع نفسه. الحب لايعني أن ينظر كل من الطرفين إلى الآخر، بل أن ينظرا معاً في اتجاه واحد، هذا الاتجاه يتمثل عادة بمشروع تكوين الأسرة التي تمثل نواة المجتمع وتسهم في تكامله. يبدو للوهلة الأولى أن التعايش قبل الزواج خطوة تحضيرية جيدة تمهد لتجربة زواج ناجحة لكونها اختباراً لا بد منه قبل الخوض في مسألة الالتزام النهائي بمؤسسة الزواج وهي منطقية بالنسبة للأهل. لكن الإحصاءات تدل على أن الزوجين اللذين مرا بهذه التجربة، أي قضيا فترة تعايش معاً قبل الزواج معرضين إلى الطلاق أكثر من غيرهما، بإيجاز تشكل العلاقة الحرة قبل الزواج أحد العوامل الرئيسية للطلاق بشكل مباشر أو غير مباشر. أما تفسير ذلك فهو سهل للغاية، تعايش ماقبل الزواج نوع من العلاقة المبنية على فكرة رفض الالتزام والارتباط، مايعني احتفاظ كل طرف بحقه في انفصال سهل وسريع في حال الضرورة الناتجة عن وجود خلافات أو صعوبات، ما يؤدي إلى ترسيخ فكرة معاكسة تماماً لجوهر مشروع الزواج الذي نظر إليه باعتباره التزاماً عميقاً ومطلقاً لا يفرقهما نظرياً إلا الموت، من دون الاهتمام أبداً بالأزمات التي تظهر أو العقبات التي تطرأ. في السياق ذاته عندما يقيم شخصان علاقة بينهما على أساس عدم الالتزام، فإنهما يستسلمان إلى عادات يصعب تغييرها فيما بعد، أو تطويرها لتلائم علاقة أخرى قائمة على الإلزام الأبدي غير المشروط علاقة، لايمكن وصغها بتجربة الزواج إلا من باب الخبث. إذ إن الزواج شأنه شأن الحياة أو الموت لايخضع للتجربة لكونه يحدث مرة واحدة من وجهة نظر مثالية وأخلاقية، بل هو حدث مهم لكونه يعني الانتقال من نمط معيشي إلى نمط آخر مختلف تماماً. أما الوصف الأفضل للزواج فهو (مغامرة )، كونه ليس ملاذاً من أجل حياة آمنة بالمعنى الحرفي للكلمة، ومن يبحث عن الأمان في الحب لايعد مؤهلاً لتأسيس عائلة ناجحة، إذ إن الزواج هو ببساطة التزام نهائي وكامل يخوض مغامرة عظيمة من دون الاهتمام بأية عوائق أو عواقب.
لمي معروف