محطة تراثية

الوحدة: 28- 6- 2022

 

يحكى أنه: في ليلة مقمرة كان الأصمعي في إحدى رحلاته إلى البوادي، فإذا به يلمح صخرة نُحِتت عليها كلمات واضحة بصورة تامة، فتوقف الأصمعي ليتفحص الكلمات، ولم يمر بها مرور الكرام، فوجد أن ما كُتِب على الصخرة بيت شعري، قال كاتبه:

أيا معشرَ العشاقِ بالله خبّروا

إذا حلَّ عشقٌ بالفتى كيف يصنعُ

وهنا فطرة الأصمعي الشعرية لم تدعه يكمل طريقه هكذا، بل ردَّ على كاتب البيت ونحت على الصخرة الكلمات الآتية:

يداري هواه ثم يكتمُ سرَّهُ

ويخشع في كل الأمور ويخضعُ

ثم أكمل الأصمعي طريقه إلى وجهته، وفي اليوم التالي صادف مروره بجانب الصخرة نفسها، فإذا بكاتب الكلمات الأولى وقد رد على شعره قائلاً:

وكيف يداري والهوى قاتل الفتى

وفي كل يوم قلبه يتقطعُ

أعجبت اللعبة الشعرية الأصمعي، وتعمد أن يكمل فيها حتى النهاية، فرد على العاشق المجهول الحزين والذي يبدو أن العشق بلغ فيه كل مبلغ حتى لجأ يشتكي عشقه لصخرة، فكتب الأصمعي رداً للمجهول قال فيه:

إذا لم يجد الفتى صبراً لكتمانِ أمره

فليس له شيءٌ سوى الموت ينفعُ

وهنا لم يخطر ببال الأصمعي أن ما يحدث ليس مجرد لعبة شعرية كما ظنَّ، ولم يعرف الأصمعي ما تسبب به بيته الشعري الأخير إلا بعد أيام، إذ شاء القدر أن يمر بالمكان نفسه لمعرفة رد المجهول على كلماته، وحين وصل إلى الصخرة، صُعِق بالرد، فقد وجد فتىً ميتاً على الأرض، ليتبين له أن كلماته كانت كالسهم في قلب هذا الفتى المسكين الذي استمع إلى نصيحة الأصمعي في أن الموت هو الحل الوحيد لما يمر به، فأنهى حياته آخذاً بالنصيحة.

لكن قبل أن ينهي حياته استجابة، ترك للأصمعي بيتين من الشعر قال فيهما:

سمعنا وأطعنا ثم متنا فبلّغوا

سلامي إلى من كان بالوصل يمنعُ

هنيئاً لأرباب النعيم نعيمهم وللعاشق المسكين ما يتجرعُ هكذا تسبب بيت شعر للأصمعي بقتل فتىً لم يعرفه ولم يلتقِ به أبداً إلا بعد أن قتله بيته الشعري، ويتداول الكثيرون أن هذه القصة هي قصة مقولة “ومن الحب ما قتل”، الجملة التي قيل إن الأصمعي قالها حين وجد الفتى ميتاً أمام الصخرة.

د.رفيف هلال

تصفح المزيد..
آخر الأخبار