محاضرة ثقافية بعنوان (لغة السماء وأمانة الأبناء) في ثقافي الحفة
الوحدة 27-6-2022
لقد كانت اللغة العربية وساماً على صدور العرب منذ نشأتهم، وكانت حاضنةً لثقافاتهم وسبباً في نهوضهم وعاملاً أساسياً في وحدتهم وعزّتهم. هذا ما بدأ به الأستاذ أحمد عزيز كنعان محاضرته حول واقع اللغة العربية وما آل إليه، مشيراً إلى أن اللغة العربية في العصر الجاهلي كانت الرابطَ الوحيد لهم والشرعةَ الأكيدة التي يحتكمون إليها في نواديهم وميادين سبقهم في الشعر الذي مازال خالداً وسيبقى ما بقيت الأذواق التي لم ينل منها غبار الزمان.
أما في العصر الإسلامي فقد اجتذب القرآن الكريم أبناء الأمة العربية بإعجازه الذي لا يضاهى وأحدث ثورةً عظيمةً في قلوب المبدعين من الشعراء والأدباء والخطباء. وأكد على أن إطلالةً بسيطةً على تاريخ الأدب العربي العظيم تخبرنا بعظمة دمشق وبغداد في العصرين الأموي والعباسي، هذان العصران اللذان أكدا تفوق العرب على كل أهل الأرض في العلم والمعرفة والآداب، هذا التفوق الذي كانت اللغة العربية حاضرةً فيه بدور الباعث المكين بما تمتلكه من خصائصَ مكَّنتها من التفوق على كل لغات أهل الأرض.. بالإضافة إلى ما اتسع له صدرها من علوم وثقافات شهد بعظمتها الشرقُ والغرب . مضيفاً لقد أدرك العالم المصدوم بتفوق العرب ووحدتهم أن أساس هذه القوة وهذا النهوض إنما يكمن في لغتهم . وأضاف: عمل الكثيرون على إضعاف العلاقة بين العربي ولغته، فطرحوا ثقافاتهم بين أيدي العرب فيما بعد الاحتلال العثماني الذي استنفذ كل جهوده في إخماد جذوة اللغة العربية. لتفرز هذه الثقافات إحساساً حتى لدى الكثيرين من أبناء الأمة بعدم قدسية اللغة، وهنا تحققت نبوءة ذلك القائد الذي أشار إلى إخراج الكتاب المقدس من قلوب العرب بإبعاد مقدِّسيه عن لغة ذلك الكتاب وهكذا حتى صار القارئ فيهم جاهلاً بمجرد أصول القراءة والكتابة وصولاً إلى هذا الواقعٍ المظلم المؤلم.. الذي أصبح فيه طلابنا في مدارسهم يفرون من اللغة العربية باعتبارها سبباً في تخلفهم ووصولهم إلى الدرك الأسفل من الجهل. إنهم مقتنعون بأن التفوق لا ينبغي أن يكون إلا في علوم حصرية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء متجاهلين أننا كعرب أولُ من أسس لهذه العلوم في العالم ولم تكن اللغة العربية آنذاك عدواً لهذه العلوم بل سبباً في تألقها وانتشارها.. ولقد كان الطبيب شاعراً وأديباً باذخ العطاء وفي كل ميادين الأدب. إنه الجهل بعامة والجهل بقواعدها بخاصة بالإضافة إلى الفراغ المعرفي والثقافي لدى أبنائنا والذي يحرصون على ملئه بمستوردات فارغة لا تؤكد إلا على فقرهم وتبعيتهم . لافتاً إلى أنه قد كان للقيادة الحكيمة للقائد المؤسس الراحل حافظ الأسد دور كبير في الحفاظ على اللغة العربية وتمكينها وذلك بوسائل كثيرة منها فرضها كمادة أساسية في المدارس والجامعات الأمر الذي سار عليه، وأكده القائد الملهم الدكتور بشار الأسد من خلال السعي لتمكين العربية بهدف تمكين الانتماء.
وبيّن الأستاذ أحمد أن استعذاب الكثيرين للتبعية للغرب قد بقي تحدياً ماثلاً أمام هذه المحاولات العظيمة من خلال بثهم قناعات زائفة بأن العربية هي سبب التخلف الذي آلت إليه أمور العرب وذلك تطبيقاً حرفياً للمؤامرات التي بدأت مع مدافع الاستعمار. مضيفاً: لم تكن اللغة العربية يوماً ضد أي شكل من أشكال المعرفة ولن تكون. ولم تكن اللغة العربية إلا باعثاً حقيقياً وشاهداً عظيماً على النهوض العلمي والمعرفي، وإنني لأؤكد في هذا المقام أن اللغة العربية محكوم عليها بالخلود شاء من شاء وأبى من أبى، ومع ذلك كله لن أفقد الأمل من أبنائنا.. فلقد مر أسلافنا بمحطات ركود وانحطاط أعقبها انتفاضات معرفية وأدبية كما حصل في عصر النهضة الذي جاء بعد زوال الاحتلال العثماني للوطن العربي والذي طمس خلال مدة احتلاله الطويلة جل معالم الرقي الأدبي والمعرفي لدى العرب. إلا أن رواد عصر النهضة تمكنوا من العودة إلى تحريك الشهية العامة لدى العرب للعلم والأدب وعلوم اللغة وأسسوا لازدهارٍ كبير دام قرابة المئة عام. مؤكداً على أنه كان الناس فيها يتفاضلون بما أنجزوه في مجال العلم والمعرفة والآداب ويتبارون بكثرة القراءة والاطلاع ويتهادون الكتب فيما بينهم باعتبارها أرقى ما يمكن أن يُهدى لعشاق الثقافة والاطلاع. ثم ليأتي انبهار أبنائنا بتقنيات هذا العصر ومبتكراته ومن ثم انصرافُهم عن كل ملامح العلم والتعلم وأدبياته ووسائله وأسبابه وليصطدموا بعد ذلك بالحقيقة التي آلت إليها أمورهم ولكن غالباً بعد فوات الأوان.
وختم محاضرته بأن اللغة العربية باقية وسيبقى المؤمنون بها ينافحون عنها وعن آدابها ليؤكدوا في كل مقام أن العرب لا عروبة لهم بغير العربية وأن النهوض المأمول لن يكون بمنأىً عنها وأن الفضل فيما بين الناس لن يكون إلا لمن تفقّه بها وأكد أصالته وعراقة انتمائه.
داليا حسن