عادات وتقاليد.. احترقت بنار الحداثة وتشوّهاتها المستوردة

الوحدة:19-6-2022

عادات وتقاليد مستوردة أخذت تطرُق أبوابنا وآفاق تربيتنا المنزلية، على مرأى ومسمع الأهل وكافة المربّين على مستوى أساتذة الجامعات ومدرسي الطلاب بأنواعهم وذوي الشأن المختص بهذا المنحى، حيث بدأت هذه التعاليم تسلُك دُروباً وطرقاً في غير مكانها الصحيح الملتزم، وبالتالي اقتباس عبارات وتصرفات غريبة وإدخالها إلى عوالم ومفاهيم أبنائنا قادمة من مجتمعات الغير .. فأصبحت الغربة تسيطر على مجمل تفاصيل الحياة، فيمر أحدنا بجانب جاره هروباً لتجاهل إلقاء التحية، وإذا حدثت فبالكاد تُقال المرحبا، وأحياناً ( صباحو أو هاي) بدلاً من جمل السلام التقليدية التي تعبر بصدق عن المشاعر المكنونة تجاه الآخر ، ومن خلال هذه التحية المختصرة يتم التخلّي عن القيم والمفاهيم وما تجلبه من معاني الخير في إلقاء السلام الصباحي الحقيقي، إضافة لدخول مصطلحات وسائل التواصل الاجتماعي (التباعدي) وعن طريق المسلسلات المدبلجة بمجمل تفاصيلها البعيدة عن المبادئ والقيم الأخلاقية ، ليكتمل المشهد الممزّق ..

وهنا نصل إلى تدمير القيم والمفاهيم السليمة الخاصّة بالتحيّة التي أخذت بالاحتراق خصوصاً في المجتمعات المدنية ومساحاتها الصّاخبة داخل المقاهي والملاهي وغيرها ، وهذا فقط  فيما يخص التحية أو السلام.

وما ساقنا إلى تلك المقدّمة الطويلة هو سرقة سمعية موصوفة لحديث عدد من طالبات الجامعة في باص النقل الداخلي، وهم يقلّدون بسخرية مجريات أحداث لزميلتهم بإحدى القرى البعيدة التي لا زالت تحافظ على بعض تلك القيم المفعمة بالاحترام والتقدير، حيث أخذت تلك الفتيات بالتنمّر على جدّة الزميلة وتقليد حديثها بسخرية وخاصة عند إلقائها التحية الطويلة لهم، وهذا الترحيب الطويل هو نوع من الاحترام والتقدير من قِبل تلك المرأة الوقورة لفتيات ضيوف أقلّ ما يمكن أنها تحترم وجودهم كزوّار أعزاء، تناسوا عن جهل أن تلك المسنّة هي بنت تلك الجبال والأودية، وهي أيقونة من تراث أجداد قُدماء، كلامهم وأحاديثهم عِبر ، ونبرة أصواتهم حكايات ألق وودّ، فمن أدبهم ووقارهم علينا أن ننهل ونتعلم ونُعلِّم، أنوار وجوههم وسماتهم وأخلاقهم ذاهبة مع أعمارهم موتى بمشيئة الخالق، ونحن نقبع مكانهم بجهلنا لماضينا وتعاليمه النيّرة سائرون على طريق آخر، ننتظر مستقبلاً غامضاً مجهول بدأت صفات الجلالة والاحترام بالانحسار عن مجرياته، لا تنفعنا ذكرى أو ندم ولا حتى عودة واعتذار، فنحن مخطئون مذنبون بحق أنفسنا أولاً وماضينا المنسي الضائع على عتبات التربية الحقيقية ثانياً، وهذا بعض ما جنينا من مجتمعات الغير وشبكات الضياع والتباعد الاجتماعي، إذ أصبحنا ننسى كل القيم والأخلاق الموروثة – بمكارمها وفضائلها وسماتها الحميدة – مبتعدين بذلك عن جوهر حياتنا وقيمها الأصيلة… فهل من سبيل أو طريق نتلمسه؟  لعلنا نعود ونستقيم ..

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار