طبائع

الوحدة : 18-5-2022

 

هناك بيت شعر قديم يقول : إذا كنت في كل الطباع مُركباًً فأنت إلى كل القلوب حبيبُ وإنه لمن نافلة القول ، إن طبائع الناس تتباين وتختلف أيما اختلاف ، وبحسب درجة الاتفاق في طباع الناس تكون علاقاتهم ببعضهم من الصداقة أو العداوة، فتشابه الطباع يقود إلى توافق أو تنافر أصحابها، وبيت الشعر آنف الذكر يشير إلى أن الإنسان الكامل الطباع ، تتلاءم شخصيته مع كل أصناف البشر ، وذلك أمر مستحيل في حقيقته ؛ إذ لا يوجد في الدنيا إنسان على تلك الشاكلة، ولكل شخص صفة غالبة على طبائعه يعرف بها ، كأن يكون حسن الخلق أو سيئه ، أو يكون حليماً، أو انفعالياً ، أو متهوراً ، وما إلى هناك من طبائع بني آدم التي لاحصر لها ، والتي يغلب عادة جانب الخير فيها جانب الشر، لأن الفطرة السليمة للإنسان مجبولة على عمل الخير وحب الخير للناس ، وتشذ عن ذلك النسبة الأقل التي تكون ميالة إلى الشر والأذى. وقد حار علماء النفس وهم يدرسون السلوك الإنساني أيما حيرة، إذ انقسمت أبحاثهم إلى فئتين : فئة تزعم أن الإنسان نتاج جيناته التي تشكل شخصيته حتى قبل الولادة ، وأن عامل الوراثة هو الفيصل في الموضوع ولادور للثقافة والتعليم والتربية وأسلوب التنشئة والمستويين الإجتماعي والاقتصادي في تشكيل السلوك. وفئة أرجعت كل سلوك إنساني إلى البيئة وتجاهلت بل وأغفلت أي دور للوراثة ، وإن بيئة الإنسان وأسلوب تربيته هو الذي يحدد أنماط شخصيته ويشكلها ، وأن البيئة وحدها هي المسؤولة عن طباعه التي هو عليها. ولكن الحقيقة التي لاغبار عليها والثابتة ، أن شخصية الإنسان نتاج للعاملين معاً فلا يمكن أن أحكم على أي سلوك إجرامي لشخص ما بأنه سيتكرر في ذريته ، وأنه سوف ينجب ذرية من القتلة وقطاع الطريق، فسلوك الآباء لايمكن أن يعمم لتبنى عليه نظريات قطعية لسلوك الأبناء، ومن تربى في أسرة متماسكة ومحترمة ، وذات مستوى اقتصادي جيد وتلقى قسطاً وافراً من التنشئة السليمة والتعليم والإرشاد ، فأغلب الظن أن سلوكه سيكون سوياً . ومن هنا يأتي دور التربية الأسرية في خلق الشخصية المتزنة وتزويدها بالخبرات العلمية والعملية التي تمنعها من الإنحراف ، ولذلك يجب أن تعطى التربية الدور الأكبر وهي المسؤولة عن زرع الصفات الحميدة التي تتحول إلى أنماط سلوك وطباع ، وعلى كل أب وأم أن يكونوا أولاً قدوة لأبنائهم ، وأن يحرصوا على أن يكون هؤلاء الأبناء على قدر كبير من الإتزان النفسي، وعلينا أن نعالج أي ظاهرة إنسانية ، وأي انحراف سلوكي في البداية ، وأن تبدأ التربية من البيت أولاً ، والمدرسة ثانياً ثم بقية مؤسسات المجتمع ، هذا إذا كنا حريصين على مستقبل أبنائنا ! .. أما إذا كان هناك من لا يهمه مستقبل أبنائه ، فليتركهم للريح التي ستذهب بهم إلى حيث اللا قرار.

 لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار