طفلنا … ما بين القصة ومغزاها….هل نريده أرنباً … أم سلحفاة ؟

الوحدة 16-4-2022
لطالما تفنن الأهل في أساليب تربيتهم لأبنائهم من خلال اعتماد وسائل متباينة بين اللين والرفق أوالقسوة والعنف ، والجميع يعتقد بصوابية طريقتهم في تقويم وتهذيب سلوك أبنائهم وأن الغاية من وسيلتهم التي يتبعونها هي اكتساب الأبناء للسلوك الجيد والأخلاق العالية. فما نريد إيصاله إلى أطفالنا ، سيتمثلونه مستقبلاً في أفعالهم وتصرفاتهم وسيظهر ذلك في ردات أفعالهم وتعاملهم مع المواقف التي تصادفهم في حياتهم اليومية . ولعل قصة الأرنب والسلحفاة تختزل في طياتها أهم أساليب التربية في طرق تنشئة أبنائنا ، فغالباً ما نسعى إلى تلقينهم أن المثابرة والتصميم على تحقيق الهدف سيؤديان إلى النجاح ، صحيح أن الأسلوب يختلف لكن الغاية واحدة , فمن الأهل من يركز على تأني السلحفاة في بلوغ مأربها ، بينما يتجه البعض الآخر إلى السرعة في أداء الأرنب وأهميتها في إنجاز ما يطلبونه من أطفالهم مهما كانت الدروب التي يسلكونها لتحقيق ذلك . 
من منا لم يسمع بقصة الأرنب والسلحفاة؟ تلك القصة التي نلقنها لطفلنا حتى نرسخ في ذهنه مبادئ التأني والمثابرة لبلوغ الهدف. هذا في القصة التقليدية التي هزم فيها الأرنب مع كل مهاراته وسرعته عندما تقاعس عن الاستفادة من قدراته واعتمد على خبراته السابقة وتراخى في أداء مسؤولياته فخسر السباق ومنصة التتويج وصدارة المباراة. وهذا النوع من نهايات القصص يناسب توجه الأهل الذين يتوقون للمثالية في تربية أبنائهم ، إذ تقول القصة أن الأرنب سخر من السلحفاة وحركتها البطيئة وتحداها ، وبمجرد أن بدأ السباق اندفع الأرنب بسرعة، وقبل نقطة النهاية توقف ليستريح متهكماً ومتيقناً أن السلحفاة لن تلحق به ونام هناك. في حين واصلت السلحفاة سيرها بأناة وثبات إلى أن وصلت نقطة النهاية وفازت بالسباق وسط دهشة الحضور وحيرة الأرنب. أما الدروس المستفادة من هذه القصة والتي نحاول زرعها في مخيلة أطفالنا فهي أن المثابرة والتأني سيؤديان إلى النجاح والفوز.
لكن ماذا لو كان للقصة سيناريو آخر ، إذ تقول بقية القصة أن الأرنب تعلم درساً قاسياً من غروره وتقديره الزائد لمهاراته الخارقة ، فاتفق مع السلحفاة على الدخول في سباق آخر، وفي ذهنه ألا يكرر الخطأ السابق، وبالفعل وصل إلى نقطة النهاية قبل السلحفاة . ليكون الدرس المستفاد هو أن السرعة مع التصميم على النجاح  تهزم القدرات المتواضعة حتى ولو امتلكت إرادة الوصول إلى الهدف. وهذا السيناريو للقصة يناسب نموذج الأهل الذين يغرسون في أبنائهم ضرورة إنجاز مهامهم وواجباتهم بالسرعة والتركيز على مهاراتهم بما يناسب روح العصر وتقنياته وتطوره المتسارع ، حيث لا مكان في الصدارة للمواهب المتواضعة القدرات مهما امتلكت من التصميم على بلوغ هدفها .
السيناريو الثالث لهذا السباق التعليمي بامتياز ، يستمر بأن تقترح السلحفاة – تعويضاً لخسارتها – فكرة القيام بسباق آخر مع الأرنب ضمن شروط أخرى مختلفة وافق عليها الأرنب،وهي سرعة الوصول لهدف محدد يوجد على الضفة الأخرى من النهر.انطلق السباق ليصل الأرنب إلى ضفة النهر قبلها ، لكنه وقف يفكر في كيفية العبور للضفة الأخرى. وبعد مدة وصلت السلحفاة إلى ضفة النهر وقطعته وفازت بالسباق في حين وقف الأرنب حائراً أمام هذا العائق الذي لم يستعد لاجتيازه . أما الدوس المستفادة هنا فهي ضرورة معرفة نقاط القوة والضعف لدينا ولدى الطرف المنافس والعمل على تغيير المسار ليتفق مع نقاط جدارتنا وقوتنا وهذا ما فعلته السلحفاة بعبور النهر، في حين وقف الأرنب حائراً لا يستطيع القيام بذلك.وهذه النهاية للقصة تناسب الأهل الذين يزرعون في أبنائهم أسلوب المناورة والتحايل على الظروف المحيطة بهم حتى لو كانوا الأقل مقدرة ومهارة من الطرف الآخر ، فكل الوسائل متاحة – وكما يقال – الغاية تبرر الوسيلة .
أما السيناريو التربوي الأفضل لقصة الأرنب والسلحفاة ، فهو باتفاق الطرفين المتنافسين على العمل معاً كفريق واحد وتقسيم الأدوار بينهما بأن يحمل الأرنب السلحفاة حتى يصلا معاً إلى ضفة النهر، وهناك تحمل السلحفاة الأرنب حتى يعبرا إلى الضفة الأخرى من النهر.
وباستخلاص الدروس المستفادة من هذه القصة برواياتها المتعددة يمكننا تربية أطفالنا على:
– ضرورة البحث عن وسيلة للنجاح والفوز بعد الفشل.
– تغيير الخطط والوسائل والتركيز على نقاط القوة لديهم .
– تعلم الدروس من الآخر، بأن تتم المنافسة ليصل الجميع إلى نقطة النهاية معاً وكلاهما فائز في النهاية.
فالأرنب والسلحفاة مجرد فكرة، تعبر عن أسلوبين متناقضين في استثمار القدرات العقلية والجسدية ، دون الانتباه أن بينهما درجات متفاوتة وخيارات متعددة، فلماذا لا تُطرح تلك الخيارات والبدائل في قصصنا وفي طرق تربية أطفالنا أيضاً ؟!
فدوى مقوص
تصفح المزيد..
آخر الأخبار