أدب الأطفال بين جدواه وأهميته وبين نظرة المجتمع القاصرة له

الوحدة 29-3-2022

 

 

على ندرتها، تطالعنا أحياناً بعض المجلات العربية بأبحاث ودراسات على درجة عالية من السوية العلمية والمعرفية بمضمونها ومحتواها وحرفيّة القائمين على كتابتها، وهذا ما نجده في دراسة عن أدب الأطفال نشرت في -مجلة الأمل العربي- تضمنت تجربة الكاتب والمفكر فاضل الكعبي وهو أديب وناقد وباحث متخصص في أدب ومسرح وثقافة الأطفال، حيث قدم بحثاً تحليلياً لمقومات وأسس الكتابة للطفل، بالإضافة إلى تفنيد الواقع الحالي لنظرة المجتمع لهذا النوع من الأدب وكيفية النهوض بسبله ووسائله للوصول به إلى الدرجة التي يرقى بها ليكون الأداة الفعالة في تنمية مهارات أطفالنا وتلبية احتياجاتهم العلمية والمعرفية.

البداية، كانت من خلال مقدمة عامة عن أهمية وجود أدب يخاطب الأطفال ويعنى بقضاياهم.

خاصة بعد رصد الهوة الكبيرة بين ثقافة الأطفال وثقافة المجتمع من خلال التقصير العام بحق الطفولة وتأمين احتياجاتها الثقافية، ورأى الباحث أن (هذا كله يتطلب تعاملاً خاصاً مع الطفولة، لكي تأخذ وضعها الإنساني والثقافي الطبيعي في المجتمع، إلا أن ما نجده هو عكس ذلك.. حيث هناك هوة كبيرة بين ثقافة الأطفال وثقافة المجتمع، أساسها التجاهل الكبير لحاجة الأطفال إلى الثقافة وعناصرها، خاصة في القنوات الإعلامية والثقافية العامة…).

 وهذا بدوره أدى إلى إنتاج ثقافة مشوهة للأطفال، خاصة من النواحي الفنية والخيالية التي تتطلبها هذه الثقافة الأساسية وذلك لأنها تخلو من الجدية واللغة الطفلية الرصينة والأسلوب المؤثر والمادة الساحرة التي تجذب الطفل وتشده إليها.

وانتقد الباحث نظرة البعض إلى الكتابة للأطفال على أنها نوع من العبث الكتابي غير المجدي، (فأدب الأطفال -بحسب رأيهم- لا يشغل مساحة مهمة في حياة الأطفال الفكرية والثقافية والابتكارية.

فهم لا يقرأون ما يكتب لهم خارج المنهاج الدراسي، إلا ما ندر، ومن خلال مساعدة الآخرين لهم من الآباء والمربين، وعلى هذا الأساس أيضاً، فإن الأطفال يكتفون بحفظ الأناشيد والأشعار والحكايات التي يتعلمونها في المدرسة، كجزء أساسي من منهاجهم المدرسي، متناسين أن هذه المواد من منتجات الأدب ، وتحديداً من أدب الأطفال، ولولا خصوصية هذا الأدب ومهمته لما كان لها مكانها المتميز في الكتب الدراسية لتعليم الطفل وإغناء أفكاره وقدراته وخياله بما يعزز من قدراته الثقافية والعلمية) .

وأوضح الباحث أن أدب الأطفال هو أدب جذاب، وممتع، دفع الكثير من الأدباء الكبار إلى الاهتمام به والكتابة فيه، وقد تخصص فيه العديد من عمالقة الأدب العالمي والعربي وأصبحت لهم شهرة واسعة من خلال تواصلهم بالكتابة الموجهة للأطفال ، بكل أجناسها ومسمياتها، القصصية والروائية والشعرية والمسرحية، وهم الذين جعلوا من أدب الأطفال أدباً مهما له مكانته في الإبداع المتواصل مع تواصل الحياة في المجتمعات الإنسانية.

وبيّن الباحث أهمية إبراز هذا النوع من الأدب كحاجة مجتمعية، وأكد أن ذلك يتطلب منا جميعاً، أدباء وكتاب أطفال، أو آباء ومربين، أن نعي أهمية أدب الأطفال، وأهمية أن نختار نماذجه ونصوصه، بعناية فائقة، وما هو مناسب لقدرات الأطفال ومستوياتهم، وتدرج هذه المستويات ودقتها العلمية والاجتماعية واللغوية، وأن نتوجه بهذا الأدب إلى الأطفال توجّهاً علمياً صحيحاً، وحسب ميولهم ومستوياتهم ومداركهم، على أن يكون متوافقاً مع أعمارهم وقدراتهم .. مثلما علينا ألا نجعل هذا الأدب يدور في فلك الأطر الفكرية الضيقة، فالأطفال عالم منفتح وواسع .. وهذا العالم لا يقبل التحديد في إطار ضيق ومحدد.. لذلك علينا أن نجعل الأطفال يسعون إلى اكتشاف العالم، ونفتح لهم الآفاق الواسعة لكي يحلقوا بإبداعاتهم الساحرة التي هي انعكاس واضح لمؤثرات أدب الأطفال في نفوسهم ومخيلاتهم.

وطالب الباحث بتعزيز النظرة الإيجابية لأدب الأطفال، ولظواهر الكتابة للأطفال في مجتمعنا، وهذا لا يحصل من دون الوعي المجتمعي بأدب الأطفال وضرورته وأهميته، مع أهمية إيجاد المؤسسات الحاضنة والراعية والصانعة لهذا الأدب والداعمة لكتّابه ومبدعيه، والتي تشعر هذا الأديب بأهميته وبقيمة ما يبدعه للأطفال.

وبحسب رأي الباحث – فإن هذا الكاتب، الخلاق والمبدع، هو من يضع الأساس القويم لتنشئة الجيل الجديد من الأطفال، ووضعهم في الاتجاه الصحيح للانطلاق نحو المستقبل، خاصة لأن أدب الأطفال حرص بكل قدراته وإمكانياته، ليكون خلاقاً في لغته وفي أساليبه ليعين المعلمين في ترسيخ القواعد التربوية والتعليمية عند الأطفال، فلا نبالغ إذا قلنا إن نصوص أدب الأطفال قد تفوّقت على الكثير من المناهج والمقررات الدراسية، في إيصال الدروس إلى أذهان التلاميذ، وذلك لأن هذه النصوص تخاطب الطفل بأساليب الفن والخيال والمتعة والبساطة والإثارة والجمال، على عكس المقررات والمناهج التي يتعامل معها الطفل مجبراً ومرغماً، لأنها قد فرضت عليه فرضاً، ولا يجد فيها ما يشده إليها، ويقبلها، فهل هناك أعظم من هذه المهارة والوظيفة التي تتجلى في أدب الأطفال؟.

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار