من أين تؤكل الكتف!

الوحدة :25-10-2021

يعتبر شارع هنانو القابع وسط مدينة طرطوس السوق الأهم بازدحامه الشديد من المقبلين الزائرين منذ الصباح, وحتى ساعة متأخرة من الليل.

الزائرون له ليسوا بالضرورة أن يكونوا من المشترين حيث تزدهر الأسعار ازدهار أسعار النفط, والغاز, والذهب.. التنزه سبب, ورؤية الأصحاب خاصة مساء يوم الخميس.. ظاهرة ملفتة للشباب هناك.

شارع تصطف فيه المحلات لبيع الملابس, والأحذية وكل ما تتوقع, وتريد..

لكن ما لا تتوقعه تجده أيضاً.. أطفال بهيئات عجيبة, وكأنهم خرجوا من حفر للتو, أو من لوحات البؤساء رسمها فنان حزين صاحب خيال خصب, وقلب معتم..

ينام هؤلاء الأطفال على الأرصفة, بين أرجل المتنزهين, ويجلسون هناك, يتحدثون, يطلبون من كريم أن يقدم لهم ليرات..

 حلم.. قد يتحقق بصعوبة بالغة– هذه الأيام العجاف– وتجدهم أحياناً مع أمهاتهم– الآباء مختفون دائماً– فقط الأمهات.. الأطفال حفاة غالباً, وشبه عراة ليلاً ونهاراً, صيفاً وشتاءً.. يبقون حتى ساعة متأخرة من الليل.. لا يهم.. فالرصيف سرير رحب.. حيث يمر الناس دون أن يرف لأحدهم جفن, وقد تعودوا على هذه المشاهد – الانسانية!!! – التي باتت جزءاً من الشارع!

تناولنا هذا الموضوع أكثر من مرة, وحاولت, وفي مرات عدة, محادثة بعض هؤلاء الأطفال,  لكنهم حريصون حرص بخلاء الجاحظ.. لا تستطيع أخذ معلومة منهم, وكأنهم خشب مسندة..

تحزن لحال طفولة كبرت, وشاخت قبل الأوان, ولدور يلعبونه بإتقان..

المحزن  وجود ما يسمى (مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل) التي كانت تعمل فيما مضى على كبح جماح هذه الظاهرة, وملاحقتها في سنوات غابرة..

والمحزن أكثر حين ترى أماً شابة تحتضن أكثر من طفل, وتجلس عند باب مقهى أو فوق رصيف مزدحم, وتطلب من مال الله.. وطفلاً, أو يافعاً ينام ملء جفنيه بين أقدام المارة.. ولا أحد يكترث, أو يرى.. حتى أمه, وأبيه (صاحب قبعة الاخفاء)..  باتت المشاهد مألوفة, وعادية.. عند الجميع حتى شرطة السير الذين يتواجدون في المكان دائماً.

في شارع هنانو بالتحديد تراهم يكثرون, يوماً بعد يوم, وكأن السوق هنا مصدر رزقهم.. وهنا أيضاً مشهد يدعو للعجب العجاب.. وجود القمامة المتروكة بين محلات في فسحة صغيرة يقف أصحاب المحلات المجاورة حولها, ولا يرون, ولا يهتمون.. وكأنها باقة ورد يتعطرون والمارة بها!

الشارع باريسي الأسعار, أجور محلاته ذهبية بعيار 21 فقط.. وناسه حدَث ولا حرج.. لهم عيون, وقلوب.. لكنهم اعتادوا, واقتنعوا!

سؤال: هل ماتت النخوة كما مات دور الشؤون الاجتماعية, والجمعيات الأهلية, وقد تحولت إلى أماكن لتوزيع المساعدات من منظمات إنسانية دولية.. لا دخل لنا بها! المهم أن هذه المساعدات رغم تقلصها ماتزال تصل إلى من استطاع إليها سبيلاً, ومن عرف من أين تؤكل الكتف!

سعاد سليمان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار