حديقــة الطلائــع بطرطــوس.. يا حــــرام!

العدد: 9313

الأحد: 17-3-2019

كم لها من ذكريات بقيت في أعماق سريرتنا، كم لها من آثار فرح حفرت في أخاديد عمرنا، كم امتلأت بضجيج الأولاد وصيحات الباعة وصراخ الأمهات الحريصات على أطفالهن، كم كانت من ملامح العيد والركن الأساسي في بهجته، لا بل كانت نصف العيد تماماً، كم أتعبنا الحارس القديم وهو يصرخ فينا حين نضع أرجلنا على مقاعدها بطريقة فوضوية، فنركض ضاحكين بينما يركض هو لاهثاً محذراً ومهدداً ببدلته الزرقاء، من منكم جيل الثمانينات والتسعينات لم يواعد حبيبة مراهقته عند نوفرتها التي بقيت تعمل لجيلين كاملين دون توقف أو التقط لنفسه صورة فيها (أغلبكم وأجزم)، من منكم لم ينقش بصبر طويل ذكرى الأحرف الأولى من أسماء من يعشقها على دهان مقاعدها البيتونية الخضراء، كم كانت جميلة تلك الأيام التي احتوت فيها تلك الحديقة أروع لحظات شغبنا واكتشافنا لشخصيتنا، كم كانت أحلامنا البريئة تتمايل مع مراجيحها العريضة وتطفو أرواحنا محلقة بنزول سريع على زحاليقها، كم كانت بلاطاتها المتباعدة بحجمها الكبير كأروع ما تكون الهندسة الجمالية موطئ أقدام أخي الصغير (الشهيد) حين ضاع مرة فوجدناه يبكي فيها (وسأبقى وفياً لدموعه التي سقطت عليها)، كم كانت يوماً أحد أهم معالم طرطوس وأشدها حميمية لأهاليها، كم كانت أسطورية الدفء بين نخلاتها وكم كانت… حديقة الطلائع.

يا حرام!
نما العشب فيها بطيئاً دون من يزعج امتداده الذي غطى رونق بلاطها الخمري والأبيض فأصبح موحلاً كئيباً يدفع الروح إلى الإحساس بأن هذا المكان مهجور تماماً، هُشمت المقاعد ودُمر معظمها (بشكل متعمد على ما يبدو) وهي ذاتها التي بقيت صامدة لعقدين كاملين بصلابتها الممتازة (باطون مسلح) دون من يؤذيها قبل عرضها للاستثمار فلا تضعوا اللوم على مراهقي طرطوس من الأشقياء، فحتى أشقياء مدينتنا يعشقونها بعكسكم، وعند مدخلها الغربي قطعت نخلة باسقة زرعها ليسعد أطفاله فأين أعينكم، لم نستطع تمييز مكان النافورة القديمة، وضاعت بين العشب، فلينزل من مكتبه المكيف ويدلنا أحدكم، أكوام القمامة مكدسة في تسعة مواقع أحصيناها فهل تعرفونها؟ نستطيع لو أردتم القيام بواجبكم وتنظيفها، إحدى دورات المياه مغلقة بقفل على (هوا المستثمر) والوحيدة الباقية محطمة وغير صالحة للاستخدام، فكمية المياه الآسنة والمتدفقة على بقعة كبيرة حولها وعبق الروائح الفظيعة التي تزكم أنوف المارة ألم تصل لأنوفكم، لم نستطع ليلاً أن نجد (لمبة) واحدة منارة، وتحسسنا طريقنا كالعميان إلا في (منطقة المستثمر)!

ما الداعي لملعب مأجور بأسعار سياحية (توجد ملاعب كبيرة وملاصقة على الكورنيش إذا قطعتم الشارع فقط ) وفي المنتصف، ليزيد من تقليص المساحة ويحرم المتنزهين نصف مساحة الحديقة تماماً ،إذا أضفنا مساحة المطعم وما احتله المستثمر عنوة بغض نظركم، أهذه حديقة الطلائع، يا حرام…
الاستثمار محدد (حصراً) ومستثمر ملتزم جداً!
كي لا نقع في أي مطب قانوني قمنا بتقديم طلب خطي يسمح لنا فيه بالاطلاع على دفاتر الشروط والعقود المبرمة لهذه الحديقة، وافق رئيس مجلس المدينة مشكوراً ولكن (أحدهم) من إدارة المدينة حاول تأخير الطلب محتجاً باجتماعات المجلس في هذه الفترة، شرحنا له استعداد مديرية الشؤون الفنية ودائرة الأملاك مشكورين لتقديم الأوراق في ساعتها، وبأننا أوضحنا لهم ما نريد سابقاً ولم يبدوا أي مشكلة أو تأخير ومع ذلك أصرّ وادعى بأنه يحتاج لمراجعة كل ما يسلم لنا (تم تقديم الطلب يوم الثلاثاء والتقيناه يوم الأربعاء وطلب منا الانتظار حتى الإثنين الذي يليه) ولكن بعد شدة إصرارنا وسعينا نزولاً وطلوعاً على أدراج مبنى البلدية وإشرافنا المباشر على ملاحقة الطلب لسحب الحجة منه تم تسليمنا الأوراق يوم الخميس وعلى مضض. وسنترك لكم بعد شرحنا الآتي تقدير سوء المتابعة والإهمال الذي يفوق الوصف والفجوة الرهيبة بين دفتر الشروط والعقد الموقع مع المستثمر وبين الواقع الحقيقي الذي شرحناه مدعماً بالصور اللازمة كيلا يصار إلى إنكار ما ورد (كالعادة) فتفضلوا واحكموا بأنفسكم.
المادة الثانية في العقد تنص حرفياً: (موقع المقصف الموجود في الجهة الشرقية من حديقة الطلائع وهو عبارة عن صالة وغرفة ملاصقة ومظلة قرميد وغرفة بمواد غير ثابتة فقط وينحصر الاستثمار في هذا الموقع حصراً) ولكن البلدية لم تر لسنوات مخالفة المستثمر للعقد التي وضعت شروطه بنفسها، فقام بوضع حاجز خشبي من الباب الجنوبي إلى الشمالي أزاله منذ أسبوعين تحت ضغط إثارة الموضوع على مواقع التواصل الاجتماعي ولكنه استعاض عنه بأصايص الورود التي يبدو أنها لدى مستثمري أملاك البلدية أصبحت عرفاً للتمدد والتجاوز ووضع اليد بالقوة فالمساحة التي ضمها إلى المطعم موضوع الاستثمار ووضع طاولاته فيها تبلغ أضعاف مساحته والأشد فظاعة هو أن مدخل ساحة الألعاب الترابية الملاصقة للمطعم من الجهة الجنوبية تم سده بهذه الطاولات وتمت إزالة الألعاب التي وصفت في دفتر الشروط صراحة بالمجانية من مراجيح وزحاليط واستعيض عنها بألعاب كهربائية مأجورة بأسعار سياحية خيالية بلغت للعبة الواحدة مائة ليرة لدقيقتين ونصف للولد الواحد وعلى أصحاب الدخل المحدود التوجه نحو ما تبقى من ألعاب مجانية قليلة جداً لا تتعدى بمجملها أصابع اليد الواحدة من الجهة الغربية فهل هذه المساحة بألعابها التي أزيلت مشمولة بالاستثمار (الحصري)؟

 

أما المادة الثالثة تنص: (يلتزم المستثمر بتأهيل وترميم المنشآت الموجودة في الموقع وصيانة دورات المياه والعناية بها) وهنا لا داعي للقول أن منظر المقاعد المحطمة هو دليل خارق لا شبهة فيه نهائياً على شدة الالتزام من قبل المستثمر ووضع دورات المياه المدمرة كلياً (بعطرها) الفواح خير مثال على متابعة البلدية وإشرافها الممتاز في الحفاظ على الممتلكات العامة.
المادة الخامسة عشر تقول: (يلتزم المستثمر بتنظيف كامل الحديقة لمرة واحدة يومياً ويلتزم بتفريغ سلات المهملات وترحيلها والحفاظ على النظافة والعناية بالأشجار بشكل أصولي) وهنا نترك لكم مشاهدة صور أكوام القمامة والأشجار المقطوعة، دون تعليق.
الغرامات والجزاءات والحدائق المعلقة
تفصيل وروعة العقد الذي أبرمته البلدية بمواده الستة والعشرين يشعرنا بأن هذه الحديقة بالتدابير المتخذة ستجعلها من الحدائق المعلقة وخصوصاً أنها ألزمت نفسها بتلافي أي تقصير من المستثمر بعد إنذاره رسمياً وخلال /24/ ساعة وعلى نفقته في حال عدم الاستجابة (شوفوا السرعة) وحددت بشكل قاطع غرامات مفصلة لكل تقصير يطرأ، فعدم تنظيف الحديقة يغرم المستثمر بـ /3000/ ليرة يومياً، وفي حالة عدم تفريغ سلات المهملات تقوم البلدية بتفريغها ويغرم بما لا يقل عن /2500/ ليرة يومياً وكذلك عدم تنظيف دورات المياه وخروج روائح كريهة فهي من ستقوم بتنظيفها ويغرم المستثمر بما لا يقل عن /2000/ ليرة يومياً ولائحة (طويلة عريضة) ليس فقط لم يلتزم بها المستثمر بل كأنه لم يسمع بها أصلاً والبلدية طبعاً كأنها لم تلزم نفسها بتلافي التقصير ولم تضع تلك الغرامات التي هي حرفياً نص المادة السادسة عشر من العقد، وخلال عدة أيام استغرقناها في الإعداد والتجهيز لكتابة هذا التحقيق كنا نراقب يومياً حركة النظافة عموماً في الحديقة (على طريقنا يعني) ولم يطرأ أي تغيير ولو كان بسيطاً وبقيت على حالها (ولدينا الأدلة) فلتثبت لنا إدارة المدينة أنه تمّ تغريم المستثمر بكل الغرامات المستحقة عليه نتيجة تقصيره وإهماله في هذه الفترة والتي ستبلغ لمدة ستة أيام فقط ما يقارب الخمسين ألفاً تدخل خزينة البلدية بدلاً من الشكوى المستمرة والمملة عن الإفلاس وعدم توفر الأرصدة للإصلاحات الحيوية في المدينة، وسنسامحها بعدم تلافي التقصير ، كما ألزمت نفسها وبعد غض النظر عن المخالفات الكارثية الأخرى من الاستيلاء على مساحات وتمدد خارج منطقة الاستثمار ومن ترميم وإنارة نص عليها دفتر الشروط.

وإلى أن تقوم البلدية بفعل واجباتها وتتعلم عدم الإهمال وتلافي التقصير والامتناع عن التسويف والتبرير هنا وفي أي مكان كفرض عليها تجاه مواطني طرطوس الذين انتخبوها وبلا منة عليهم فإن الصحافة الوطنية الحرة والمسؤولة ومنهم أسرة (صحيفة الوحدة) لن ترضخ لأية ضغوط ولن تحيد عن الحقيقة متسلحة بنهج رجل قال وفعل وانتصر ونصر وطنه بالحق السيد الرئيس بشار الأسد، فعسانا نكون عوناً له، وعساكم.

 كنان وقاف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار