الوحدة 16-8-2021
هي يتيمة لأنه لم يعرف ناظمها رغم محاولة البعض نسبة هذه القصيدة إلى شاعر من هنا أو هناك وفي الحقيقة كل ما عرف عن صاحبها أنه شاعر تهامي، هي يتيمة النسب لكنها فريدة النظم بليغة الكَلِم فارهة التعبير عالية المرقى صنفها الكثير من الأدباء على أنها من أجمل قصائد شعر الغزل العربي.
يحكى أن أميرة من نجد تدعى دعد اشتهرت بجمالها وأَنَفِها وبلاغة شعرها الأمر الذي جعل الأمراء يتهافتون إلى خطبتها من أبيها لكنها قابلت الجميع بالرفض وأبت إلا أن تتزوج من رجل أشعر وأبلغ منها ومن ينظم فيها قصيدة تضاهي شِعرها وتعلو فوقه تكن زوجة له.
انتشر خبر طلب الأميرة دعد في الأمصار وتسابق الشعراء إلى نظم القصائد بين يديها وكانت ترفض الشاعر تلو الشاعر والقصيد تلو القصيد، وكان في تهامة شاعر بليغ قرر أن ينظم فيها قصيدة عله يبلغ منالها وبالفعل نظم قصيدته وركب يريد نجد وأميرتها دعد وبينما هو في الطريق إليها التقى بشاعر يريد نجد لنفس الغرض، فجلسا وتحادثا وباح التهامي بما نظم لصاحبه فامتلأ قلب الرجل غيظاً لأنه عرف أن قصيدة التهامي تعلو قصيدته بأشواط وعرف أن دعد لابد ستتزوج التهامي إن هو أنشدها قصيدته فما كان منه إلا أن قتل الشاعر التهامي واستولى على القصيدة وحثَّ ناقته حتى أتى الأمير والد دعد فدعا الأمير ابنته فجلست تسمع الشاعر وتراه وأخذ الرجل ينشدها القصيد، أدركت دعد من لهجة الشاعر أنه ليس تهامياً لكنها سمعت بيتاً يشير إلى أن الرجل من تهامة (إن تُتهمي فتهامة وطني…..أو تُنجدي يكن الهوى نجدُ) عندها أدركت دعد بفطنتها ونباهتها أن الرجل قد انتحل القصيدة وأنه لابد قتل صاحبها فصاحت بأبيها: اقتلوا هذا، إنه قاتل بعلي، فقبضوا عليه واستنطقوه فاعترف بما اقترف.
غيضٌ من فيضِ اليتيمة:
هل بالطلول لسائلٍ ردُّ……أم هل لها بتكلُّمٍ عَهدُ
لهفي عل دعدٍ وما حفِلت……إلا بِحَرِّ تلهفي دعدُ
بيضاءُ قد لبس الأديمُ أديمَ……الحسنٍ فهو لجلْدها جِلدُ
فالوجه مثل الصبح مبيضٌ……والشعر مثل الليلِ مُسودُّ
ضدّانِ لِما اُسْتُجْمِعا حُسنا…..والضِدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِدُّ
وكأنها وَسْنى إذا نَظَرَت…….أو مُدْنَفٌ لمّا يَفِقْ بَعْدُ
بفُتورِ عينٍ ما بها رَمَدٌ……..وبها تُداوى الأعيُنُ الرُمْدُ
وتُجيلُ مِسواك الأراكِ على……رتلٍ كأن رُضابَهُ الشهدُ
والكعبُ أَدْرَمُ لا يبين له……..حجمً وليس لرأسه حدُّ
ومشت على قدمين خُصِّرَتا….وأُلينَتا فتكاملَ القَدُّ
إن تُتْهمي فتهامةٌ وطني….أو تُنجدي يكنِ الهوى نَجْدُ
إن لم يَكُن وصلٌ لديكِ لنا…..يَشفي الصبابةَ فليكن وعدُ
ليكن لديكِ لسائلٍ فَرَجٌ……إن لم يكن فليَحْسُنِ الردُّ
القصيدة تطول وتطول، يتيمة ابنة شاعرٍ تهامي قتلت صاحبها ومنتحِلَها ولازالت حتى يومنا هذا تقتل تفكير قارئها بأسئلةٍ لابُدَّ تدور في خلده…أيُّ بلاغة تلك التي يحملها متن هذه القصيدة؟! أي يتيمة تلك التي تفخر تهامة بتبنيها؟ أي شاعر هذا الذي ملأ قلب دعد ولم يتسنَّ لنا معرفته؟ أي لغة تلك التي تنجب قصائدَ يتيمة النسب خالدةَ الحَسَب؟.
شروق ديب ضاهر