مزارعــو التبغ «ممتعضــون» ومن خفيــض المســاحات يشـكون!

العـــــدد 9312

الخميـــــــس 14 آذار 2019

 

أبدى مزارعو التبغ امتعاضهم وانزعاجهم، خاصة مزارعي صنف البرلي من الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها المؤسسة العامة للتبغ، حيث اتخذت المؤسسة عدة قرارات جديدة في بداية هذا العام تتعلق بشروط الترخيص، فأوقفت منح رخص جديدة للمزارعين، وتمّ إنقاص مساحة الرخصة القديمة إلى الثلث، فالرخصة لمساحة عشرة دونمات أصبحت أربعة دونمات وأفسحت المجال فقط بالرخص الجديدة لذوي الشهداء وجرحى الجيش العربي السوري.

هذه الإجراءات أزعجت مزارعي التبغ كثيراً، وأبدوا امتعاضهم وشكوا لنا مشكلتهم عبر لقائنا عديداً منهم في عدة قرى ومناطق فكانت الشكوى نفسها والمشكلة هي هي . . . مشكلة تخفيض مساحة الرخص القديمة، وإيقاف منح رخص جديدة لمزارعين يريدون زراعة التبغ . .
هؤلاء المزارعون قالوا: مدة موسمين متتاليين قدمت المؤسسة مشكورة كثيراً من التسهيلات والمساعدات والدعم تشجيعاً للمزارع منها:
* كانت مساحات الرخص مفتوحة، ورفعت الأسعار إلى أرقام مشجعة وعادلة إلى حد ما مقارنة بالأسعار القديمة، مثلاً كان سعر صنف البرلي نوع ممتاز سابقاً 180 ليرة، وأصبح 1800 بالتسعيرة الجديدة وهكذا دواليك على الأنواع والأصناف الأخرى لا مجال لذكرها هنا.
* كما منحت المؤسسة قروضاً قصيرة الأجل، أي موسمية للمزارعين لإنشاء مناشر سواء من مادة الحديد أم من مادة الخشب، تسترجع المؤسسة القروض من ثمن المحصول.
* قدمت معظم ما يحتاجه المزارع من مستلزمات الزراعة (من الأسمدة بأنواعها- الأدوية بأنواعها ومادة النايلون لزوم المساكيب، وأشياء أخرى) . .
* أدخلت المؤسسة بذار لأصناف جديدة أكثر مقاومة للأمراض وأكثر إنتاجية وجودة من الأصناف القديمة، حيث تملك المؤسسة مشاتل ومراكز بحث زراعية منتشرة في مناطق زراعة التبغ وقدمت أيضاً شتولاً لمن طلب من المزارعين بأسعار مشجعة.
كل هذه التسهيلات جاءت خلال الموسمين الماضيين، وبعد أن لاحظت المؤسسة عزوف المزارعين عن الزراعة في بداية سنوات الأزمة، وبيّن المزارعون سبب العزوف عن الزراعة يعود لسعر المادة الظالم وفق تعبيرهم خاصة بعد انخفاض قيمة الليرة الشرائية، فأصبحت قيمة الإنتاج لا تساوي قيمة الكلفة والجهد المبذول، وأضافوا سبباً آخر يتعلق بعدم استقرار الكثير من القرى والمناطق التي تشتهر بزراعة التبغ أو بالأحرى كانت متخصصة ورائدة، خاصة قرى الريف الشمالي والشمالي الشرقي من محافظة اللاذقية، وعدم الاستقرار ناتج عن تعديات الإرهابيين على هذه القرى، ولعدة سنوات إلى أن جاء التحرير على أيدي بواسل جيشنا في عام 2015.
شـــجون
المزارع يشكو من هذه الإجراءات، ويئن من نتائجها السلبية على إنتاجه، وعلى دخله بعد أن بنى أحلاماً وردية وعزز طموحاته المادية، وذلك بزيادة المساحة طمعاً بدخل أكبر يحلّ له ضيق العيش ضعف الموارد وقلة الحيلة، خاصة وإن زراعة الخضار لم تلبِ طموحاته لمردودها الضعيف مقارنة بالكلفة الزائدة ولعدم استقرار أسعارها، فتارة تحلق وتارة تهبط إلى الحضيض يحكمها سوق العرض والطلب.
كما أن كثيراً من مزارعي الحمضيات انتقلوا إلى زراعة التبغ لأن شجرة الحمضيات أصبحت عالة وهماً على صاحبها والمشكلة أصبحت معروفة للجميع، مما زاد من عدد مزارعي التبغ، وزاد عدد الأسر التي تعتمد بشكل كامل على ما يدر لها موسم التبغ، وبالتالي أصبحت المشكلة اجتماعية واقتصادية بامتياز.
خطط ودراسات
المؤسسة العام للتبغ أوضحت بأن لها خططها السنوية والاستراتيجية تضعها وفق مصلحة المؤسسة بعد أن تقيم الكثير من الدراسات والأبحاث، وتأخذ القرارات المناسبة في كل موسم، ولا تأخذ قراراً جزافاً لا يخدم مصلحة المؤسسة فلديها ثلاثة فروع في البلد (فرع المنطقة الساحلية- المنطقة الجنوبية- المنطقة الشمالية).
وفي كل منطقة يزرع الأصناف المناسبة ومنها صنف البرلي وتحدد المؤسسة المساحات والأصناف والأسعار بما يتناسب مع الخطط الموضوعة سابقاً وتراعي في كثير من القرارات الطابع الاجتماعي.
وبالتالي مصلحة المزارع وتشجعه على الزراعة وذلك بتقديم التسهيلات من مستلزمات زراعية وقروض وأسمدة وأدوية، ولديها مخزون يحتاج إلى تصريف، ومساحات جديدة.
في المحافظات الأخرى بعد أن حررت من أيدي الإرهابيين كانت تزرع التبغ بكل أصنافه وأنواعه.
جهد مضاعف
يذكر أن زراعة التبغ في الساحل السوري قديمة جداً اعتمد عليها أبناء الساحل وكانت مورداً للآلاف من الأسر الساحلية ناهيك عن الخبرة التي كسبوها من جيل إلى جيل، وتحتاج إلى زراعة التبغ إلى أيدي عاملة كثيرة وإلى جهد مضاعف والى وقت ومتابعة يومية حيث ينشغل المزارع بالموسم من بداية العام وحتى نهايته.
يبدأ بتجهيز المساكب ورش البذار ثم رعاية الشتول مروراً بوضعها في الأرض ثم المتابعة والرعاية حت تنضج الشتول، ثم تبدأ مرحلة التيبيس ومن ثم وضع المنتج في طرود، كل هذه المراحل تأخذ من الجهد والوقت والصبر والقلق الكثير وانتهاء بالتخزين وما يتطلبه من شروط صعبة جداً على المزارع، خوفاً من الرطوبة والعفونة وتضرر المنتج الى أن تأتي المؤسسة عبر لجانها الموزعة على كل منطقة لاستلام المنتج.
إن زراعة التبغ بكل أصنافه وأنواعه زراعة معقدة تحتاج إلى كثير من الجهد والوقت والرعاية والصبر والمتابعة اليومية بدءاً من مرحلة تجهيز المساكب وانتهاء في مرحلة التسليم، لذلك يبقى المزارع يدور في الحلقة الأضعف في المعادلة مهما بلغ حجم التسهيلات والدعم، ويبقى شعوره بالغبن والظلم كبيراً، خاصة إن القيمة المضافة من الأرباح بعد تصنيع المنتج أضعاف مضاعفة من قيمة المادة الخام، فهل القرارات والإجراءات الحالية أم الآتية في القادمات من السنوات تنصف مزارع التبغ قبل أن يعزف عن زراعته، ويتجه إلى خيارات أخرى من زراعات تحقق طموحاته المادية والمعيشية إذا توفرت أم يبقى أمام هذا الخيار مكرهاً أخاك لا بطلاً.

يحيى دروبي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار