الألعـــاب البلاســتيكية هـدايا مغلفة بالـخطـــر

العدد: 9311

13-3-2019

مشاهد يومية تتكرر ومسرحيات تعرض في الهواء الطلق أمام المارة في الشارع، فما من طفل يمر من أمام تلك الواجهات التي تنضح بالألعاب إلا ويشد يد والدته ويصرخ (أريد هذه اللعبة) ولا يعير انتباهاً لضرب كلمات والدته التي تسقط على رأسه، يعاند بل يرمي بنفسه على الأرض ويتدحرج يبكي بدموع حارقة وصراخه يملأ الشارع، وهي تشد يدها وقد احمّر وجهها خجلاً من البائع الذي تبسم لهما والمارة الذين التفتوا عليها بملام وكل منهم توسوس نفسه بما انفعل فيها لتسمع همسهم ولمزهم (يا حرام) لتعود خطوات كانت قد قطعتها وتسأل صاحب المحل عن ثمنها، تحشر يدها في جنبات محفظتها ليزداد غضبها فلم يعد فيها ما يكفي لشراء لعبة، تحاول إرضاء طفلها بالأصغر منها وهنا تبدأ مقايضة التاجر بغير هدية وتبدأ المناورات بين الثلاث التي فيها من المؤكد تاجر رابح أنفق شيئاً من بضاعته وطفل حصل على هدية والأم تدفع وقد أفلستها لعبة بلاستيكية.
اكتسحت محلات الألعاب البلاستيكة أسواقنا ودخلت طواعية بيوتنا وتربعت في غرف أطفالنا، بأشكال وألوان جذابة تخطف أبصار الصغار وحتى الكبار وباتت تزاحم الألعاب الصوفية والقماشية وغيرها حتى ظهرت لها الإعلانات والدعايات لترويجها وتسويقها عبر الشاشات الفضائية والفيسبوك.
أم تيم أكدت أنها باتت تتلافى المشي في هذا الطريق فكلما مرت منه اضطرت لشراء لعبة، وأي لعبة؟ فليس لها قدرة على شراء لعبة غير بلاستيكية فهي بسعر أقل من غيرها المصنوعة من القماش أو الإلكترونية، فقالت: الراتب نعجز فيه بقسمة أن يكون لطفلنا منها لعبة، فهو لا يكاد يكفي لغير لقمة خبز وبعض الفتات، وحتى هذه اللعب أقلها ألف ليرة سورية.
السيدة عفاف، ابنتها سبع سنوات كلما رأت دمية في السوق تقول لوالدها أنها تريدها، وتنتظر بفارغ الصبر عيد ميلادها لتحصل عليها، قالت: لكنها مكلفة جداً اليوم وقد تصل لعشرة آلاف ليرة، فهي مصنوعة من القماش ولا أحب اللعب البلاستيكية لأنها مضرة وغير آمنة، حيث دخل البلاستيك حياتنا من أوسع الأبواب وذلك لأنه اقتصادي فنادراً ما ينكسر كما أن ألوانه مبهجة وتلفت الأنظار حتى الرضيع منهم، وخف وزنه وثمنه قليل مما جعله يتسيد في كل أمورنا وطرق عيشنا.
أم اسماعيل، قنّنا في جميع حاجاتنا ومستلزماتنا وأواني طعامنا وحتى لعب أولادنا وتفنّنا فيها بمثل هذه الأيام، فالراتب ضعيف ولا يقوى على شراء الألعاب منذ سنوات خلت قبل الحرب، حيث كنت أشتري لأولادي كل لعبة ينظرون إليها، من عمر الشهر (الخشخيشة والعضاضة) وبعدها المكعبات والحيوانات وغيرها لأحواض الحمام والسباحة وبعدها السيارات والبنادق والعروسات وو.. وغرفتهم ممتلئة بها وبعضها فوق خزانتهم، لكن بعضها قد تكسر أو انخلع عنها اللباس أو بترت أطرافها، مرمية في سلة كبيرة من البلاستيك يفرغونها كل حين، وقد ناولت معظمها لأطفال الجمعيات، بعد أن أصلحتها وعادت برونقها لتكون لعبة يفرح بها طفل عانى الأوجاع، حتى أن أولادي يسابقونني على هذا الفعل ولم يعد لديهم غير بعضها مما هو عزيز عليهم وبقي في البال، اليوم بالتأكيد لا أستطيع شراء أي منها إلا إن كان في العام لعبة بلاستيكية لواحد منهم وبالكاد.
الطفلة لانا: أحب ألعابي جميعها ولدي الكثير وأغلبها (باربي) جاءتني بأعياد ميلادي، لكن أختي الصغيرة تترك ألعابها التي أركبها لها من المكعبات والأشكال الأخرى لتخرب دميتي حيث تعضها وتسحب يدها أو قدمها التي أعيد تركيبها عندما ترميها، واليوم لا أستطيع أن أنال لعبة واحدة ودائماً يقول لي والداي ليس اليوم، أشتري شيئاً مفيداً غير اللعبة، ما رأيك بثوب أو حذاء؟ لتمر الأعياد بلا ألعاب.
الآنسة عفراء علي، علم نفس أشارت أن لكل عمر لعبته المناسبة، فطفل السنة الذي يضع كل ما يمسك به في فمه لا يمكن إعطاؤه غير لعبة صحية بلون وصوت وحركة تلامسه، ثم تبدأ عملية البحث عن الدمى وألعاب التركيب وغيرها ليصل الألعاب الالكترونية والريموت كنترول، الخيارات صعبة عندما يقف الطفل أمام واجهات المحلات، لكن ليس كل ما يطلبه يمكن أن نشتريه ونحن اليوم نعاني قلة الحيلة وضعف الراتب الذي انعكس على كل مشترياتنا وحاجاتنا لتكون الألعاب من الكماليات والرفاهيات، الطفل الذي لديه ألعاب كثيرة يلعب بلعبته الجديدة بضع أيام ويرميها جانباً أو يكسرها، وليكون مثمراً شراؤنا للألعاب ويحقق غايته التربوية والتعليمية والنفسية والاجتماعية لا بد أن يرتبط بمدى وعينا وأهمية اللعب وما تحققه للطفل، وليستفيد منها عليك سيدتي ألا تشتريها له بكثرة فإن كثرتها تحجم عنه مخيلته فإن لم تكن لديه يستطيع التفكير وخلق لعبة بنفسه، وسينشئ صداقات مع الآخرين ويتفاعل معهم أكثر، كما أن كثرتها لا تمكنه من تقديرها فإن أضاعها أو كسرها لا يهمه الأمر فلديه الكثير، وقلة الألعاب تدفعه لقراءة الكتب حيث لديه الوقت لذلك، ومن يظن بأن هذه اللعب يمكن أن تبعد شجار الأخوة فهو خاطئ بل الذي يجري عكس ذلك وعلى اللعبة نفسها يتشاجرون، كما أن الطفل الذي يكبر ولديه كل ما يحلو له يعتقد أنه يستطيع الحصول على كل شيء، كما أن في قلتها كثرة الأصحاب ومشاركته الأهل في أوقاتهم وتسلياتهم، كما أن قلتها تمنحه السرعة في التوضيب والترتيب الذي يجعله يتذكر موقعها كلما أرادها.
حذرت الدراسات من البلاستيك المستخدم في ألعاب الأطفال ذات الألوان البراقة، إذ تحتوي على مواد سامة ومسرطنة بعد أن تم فحص أكثر من 200لعبة بلاستيكية موجودة في دور الحضانة والمنازل ومحال البيع ووجدوا بعض العناصر الخطيرة التي يمكن أن تسبب التسمم المزمن حتى لو كان تركيزها منخفضاً، وتعد الألعاب البلاستيكية الحمراء والصفراء والسوداء هي الأشد ضرراً بحسب الأبحاث.
نجهل أن المواد الكيميائية المستخدمة في صناعة مختلف المنتجات البلاستيكية ولها تكوين مماثل للهرمون يمكن بفعل الحرارة أن يتسرب للجسم ويتسبب باختلال الجهاز الهرموني والغدد الصماء، كما أقبلنا عليه بقوة فغزا البلاستيك حياتنا ويومياتنا واقتحم مطابخنا بأواني وحافظات للطعام ومياه الشرب وأكواب وطاولات وكراسي بكل الأشكال والألوان لسهولة استخدامها في المناسبات والأعياد ومختلف فصول السنة وأيامها ليجنب سيداتنا عناء التنظيف وغلبة التكسير ليكون فيها التوفير وسرعة التخلص منها، لكن الطبيعة التي تلقفتها من بين يديك تتلوث وتشوه رؤية العين، حيث يستغرق تحللها وتفسخها أربعة قرون من الزمن، وتنتج أخطر السموم والغازات الضارة عند حرقها، ودفنها في باطن الأرض يلوث مصادر مياه الشرب وإلقاؤها في البحر يدمر الحياة البحرية، فمن يتحمل المسؤولية؟

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار