الانتخابات الرئاسية.. تعايش أرسى فينا واجب الانتخاب

الوحدة 18-5-2021

 رأيت أن خمسين قاعدة تدرس في المدارس الألمانية وغيرها من البلاد عن قبول الاختلاف والتعايش الإيجابي بين البشر وإني لأتعجب بأمرهم, ونحن لم ندرسها يوماً وكانت من فطرتنا ومنذ خلقنا عشنا أهلاً وجيراناً من كافة الأطياف والأديان والألوان متلاصقين لا تفصل بيننا جدران ولا أبواب, تدخل جارتنا بيتنا وكأنه بيتها وإن طلبت لبيت, وإن أمرت فالطاعة لها, وإن وأوصت فالأمر مجاب, وعيت بأن الجار أخ وأقرب من حبل الوريد, وأذكر يوم ولدت أمي أخي الأصغر كل نساء الحارة تولين أمور البيت من تنظيف وغسيل وطبخ وشراء الأغراض من الصباح وحتى المساء ونحن وأخواي لا نفعل شيئاً سوى الذهاب للمدرسة والقيام بواجباتنا المدرسية, نعود لنرى البيت والثياب نظيفة, والغداء جاهزاً على موقد الغاز وأخي الصغير في حضن والدتي ترضعه أو تؤرجح يديها لينام, أيام وسنوات تمضي ونحن على نفس الحال من الهناء وراحة البال, وفي الأعياد مسلمون ومسيحيون وغيرهم من الأديان نشاركهم فيه, جميع الرجال والنساء يتجمعون في وقت واحد عند الصباح في رأس الحارة ليدقوا باباً باباً ويسلموا على أهلها ويهنئوهم بعيدهم وترى الحلوى تملأ جيوب السراويل والجاكيتات فإذا ما فرغها أحد الوالدين ترجع وتعود الضيافة التي اشتراها للعيد وكأنها لم تنقص أو تزيد لتكون للجميع حلوى العيد, وإذا ما أصابت أحدهم مصيبة أو بلاء أو شدة هانت بوجودهم والتفافهم حول بعضهم ليجمعوا بعض المال ويدقوه بيد المصاب بلا إكراه, وإن كانت وفاة شدوا حملتهم ولم يكن بينهم أعذار أو مشاغل تمنعهم, واستأجروا باصاً يستوعبهم كلهم ليصلوا إلى قريته وبلدته في دير الزور والسويداء أو طرطوس أو جبلة أو اللاذقية أو حلب وحمص و.. ويقومون بواجب العزاء، لم أر يوماً أحدهم يتشاجر مع الآخر ولا خصام وكأننا خلقنا من نفس واحدة وحتى إن كان بين الأولاد قتال يضحكون ولا يقيمون للأمر مقاماً ويقولون (بعد قليل سيعودون للعب مع بعضهم) وإن كان موسم المونة فكلهن يتجمعن عند إحدى الجارات ليقمن بالسلق والحشي والتقطيع وغيرها من الأعمال مع فنجان قهوة الصباح وبعض التراتيل والموشحات من أحاديث وبعدها يأتي دور الجارة الثانية ثم الثالثة وهكذا دواليك فلا تشعر إحداهن بأي أتعاب, أما إن كان عرس ابن الجيران ولطالما خطب فلان بنت جارتهم ولم يقم وقتها حاجز الدين أو يفصل بينهما فالكل يجتمع ليهنئ ويبارك للعروسين والأهل بعد أن جاء الرجال مع بعضهم لطلب يد العروس فهم آباء للعروسين ويشرفهم الأمر حتى أنهم يتصافون إن كان من أهل العريس أو العروس أي اعتراض فكلهم أولادنا, فيكون الفرح عارماً بالنفس والأجواء حيث تحضر كل جارة طبق وطبخة لتتزين الولائم بكل نفس ومذاق والسهر لا يقفله فجر أو صباح، كنت أسكن في سكن عسكري في قطنا وعرنة القريبة من جبل الشيخ ذاك الجبل الذي يشهد شموخ قاسيون, والبعيدة عن أقربائي وأنسابي كما كل من عاش فيها تجمعنا على الحلوة والمرة, فكنا بين أهل وأحبة ولم نشعر يوماً بغربة, وإذا ما أتينا بالصيف لبعض أيام نقضيها بين الأجداد والأخوال والأعمام شعرت بالملل والوحشة وهاجمني الشوق لعائلتي في المساكن العسكرية ولا أصدق أن يطلع الضوء على اليوم الذي أعود فيه وقد انقضت إجازة أبي رحمه الله, كل هذا فطرة وربانية وعقيدة وإيمان ورثناها من آباء في الجيش العربي السوري, هذا وطننا الذي عشناه بحمى رجال جيشنا رجال الله في الحق والواجب, ولا يقوم لنا واجب بغير يوم نمارس فيه حقنا في الانتخاب والاختيار لقائد أرسى فينا قواعد التعايش ولو كان بيننا اختلاف.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار