الشهيد الحي المقدم محمد صالح حمود: البطولة موقف والتضحية عطاء بلا حدود

الوحدة 17-5-2021

 

لأن الوطن انتماؤنا كانت التضحية بحجم الوطن، ولأن الوطن إرثنا الثمين الذي لا تضاهيه كل الثروات كان الخيار الحقيقي أولاً وأخيراً، الوطن قدّم فما بخل، وأعطى من جسده وروحه فكان ملحمة..

بطل صمد أمام جراحة فأبدع، ترك سلاح المعركة، ويحمل اليوم حروفه سلاحاً في وجه أعداء الأرض والعرض ولم يستسلم، كتب عن الوطن والحب والحرية، يقول:

الرقة، الفرقة 17، وجع موشوم على صدر الإنسانية، ثمان سنوات مضت ولم تزل تلك التفاصيل تعصف بالذاكرة: 29/4/2013، يوم طويل بدأ ولم ينته بعد، جرحي عجوز في نزعه الأخير، ينتفض، ثم يغفو طويلاً، ولكن أبدا لا يموت.. يومها إلى قلب الصباح.. ثقيلاً جاء الليل، ليأخذني بقوة إعصار، فأهوي في فراغ لا قرار له..

تلك الأكفان تلوح لي.. دوامات هائلة من الألوان تبلعني.. لا أحد.. لا مكان.. لا وقت،

كلهم أداروا وجوههم عني، يومها… كانت روحي تغادرني، يدي اليتيمة امتدت إلى اللانهاية، أمسكت بها، أعادتها إلى الركام، وأودعتها أمانة في صدري..

يقول أيضاً: من قرية الحاطرية التابعة لمدينة القدموس متزوج ولي أربعة أولاد

من مرتبات الحرب الإلكترونية الكتيبة 904 من عام 2010 انتقلت الكتيبة إلى الرقة بجانب قيادة الفرقة 17 وكانت تتبع لها بالأعمال القتالية وكما كل قطعات الجيش تعرضنا لهجوم الإرهابيين من بعد منتصف 2012 ومن ثم للحصار في نهاية العام حتى تعرضنا عام  2013   إلى حصار مطبق على الفرقة والكتيبة من ضمنها وصارت كل الإمدادات عن طريق الحوامات بإسقاط المظلات، عانينا  من الحصار من نقص  كل شيء حتى من مياه الشرب، وكنا بشكل لحظي تحت نيران المسلحين من مختلف الأسلحة وقذائف الهاون والصواريخ محلية الصنع، حتى الدبابات طبعاً كانت البداية تحت حصار ما يسمى الجيش الحر وبعدها تحول إلى جبهة النصرة وبعدها جاء تنظيم داعش..

الإصابة

تعرضت للإصابة أثناء الحصار بتاريخ ٢٩/٤/٢٠١٣ أصبت  بقذيفة هاون، تم نقلي من قبل عناصر مجموعتي إلى خلف التل القريب حتى وصلت سيارة البيك آب نقلتني إلى الكتيبة الطبية التي تبعد عن مكان مجموعتي حوالي كيلو متر ونصف… لم أفقد الوعي حينها حتى وصلت إلى طاولة العمليات ولكن حينها رأيت أنني فقدت قدمي اليسرى وكانت قدمي اليمنى ماتزال تتدلى من المنتصف ويدي اليمنى مهروسة بشكل كامل وتتدلى من المعصم.. استيقظت في اليوم التالي، طبعاً وصل الخبر إلى زوجتي وأهلي أنني استشهدت حتى تكلمت مع زوجتي وأخبرتها بإصابتي كاملة…

بقيت في الكتيبة الطبية خمسة عشر يوماً بعلاج يشبه الإسعاف الأولي لعدم توفر الكادر والمستلزمات الطبية والأدوية، بعد العجز  عن نقلي خارج الحصار، قام  قائد الكتيبة بجهود شخصية حينها ونقلي في 13/5/2013 براً أنا ورفيقي الجريح المقدم شادي أحمد إلى حمص مروراً بالمنصورة والرصافة والسخنة وكلها مناطق كانت تخضع لسيطرة جبهة النصرة ولواء التوحيد ثم إلى تدمر حيث التقينا بمجموعة من الدفاع الوطني في الرقة كان تم التنسيق معها مسبقاً، نقلونا بعدها إلى مشفى الزعيم ومن ثم إلى المشفى العسكري بحمص.

رحلة العلاج

  استمرت حوالي السنتين.. أحلت إلى التقاعد عام 2014 وحصلت على نسبة عجز 80% وبعدها تم قبولي بدار الوفاء بنسبة عجز 100% ، حصلت على حقوقي من تعويضات وعلاج وبعدها على بطاقة شرف وبطاقة جريح وطن، وضع إصابتي النهائي استقر على بتر الرجل اليسرى من تحت الركبة وبتر مشط القدم الأيمن وفقدان وظيفة اليد  اليمنى.

من الناحية النفسية والمعنوية أعتقد أنني متصالح مع ذاتي بمعنى تقبلت إصابتي وأمضي بحياتي على هذا الأساس، طبعاً لا يخلو الأمر من بعض لحظات الضعف والإحباط والتي يمر بها أي شخص وخاصة في هذه الظروف، لم يكن لدي بيت في القرية، بنيت بيتاً بتعويضات الإصابة ونهاية الخدمة…

بعد أن كبر الأولاد وصاروا في الجامعات اضطررت للذهاب والسكن معهم في ضواحي دمشق بسبب قساوة الشتاء في قريتي من جهة ولنكون بجانبهم من جهة أخرى، ابنتي الكبرى تدرس (أدب انكليزي، سنة ثالثة) وابنتي الثانية في كلية الصيدلة بدمشق سنة ثالثة أيضاً وابني هذا العام سيتقدم إلى امتحان الشهادة الثانوية وابنتي الصغرى في الصف الثامن، وزوجتي توظفت في جامعة دمشق عن طريق إحدى المسابقات التي أجرتها وزارة التعليم العالي عام 2017 طبعاً بعد فشل كل محاولات توظيفها في طرطوس…

بدايتي مع الكتابة

منذ عدة أعوام دخلت عالم الفيسبوك كما الجميع وصرت أكتب بعض القصص الحقيقية عن الحرب والأحداث التي جرت معي شخصياً، تحولت بعدها إلى كتابة بعض النصوص فيها من الحقيقية الكثير..

 أشار عليّ بعض الأصدقاء بجمع هذه النصوص في كتاب، لم أوافق حينها لأنني لم أكن أجد في نفسي كاتباً، كنت هاويا وما زلت … أنا بعد الإصابة تحولت إلى قارئ نهم وخاصة للروايات العالمية، لذلك قلت في نفسي لن أحاول كتابة أي كتاب حتى أقرأ مئة كتاب وبعدها سأحاول، ولكن كان صديقي الدكتور الرسام علي حمدان محمد قد سبقني هو ومجموعة من المتبرعين حيث قام بجمع منشوراتي عن الفيسبوك وطبعها في كتاب بعنوان (رجال الجيش العربي السوري بقايا الصالحين في هذه الأرض)

في صيف 2019 اتصل بي رئيس دائرة الجرحى ربيع إبراهيم وأخبرني أنه يجب أن أحضر  في مبنى المحافظة غداً أنا وأسرتي ولم يفصح عن السبب، وفي المحافظة

  قام رئيس دائرة الجرحى بالإعلان عن سبب الاجتماع وهو حفل تكريم وتوقيع كتابي الأول، المفاجأة، وهكذا.. تم حفل  التوقيع برعاية السيد محافظ طرطوس المحامي صفوان أبو سعدى وبحضور رسمي.

تابعت بعدها بالكتابة على الفيسبوك، في البداية لم أكن أعرف تماماً أين سأجد نفسي وشيئاً فشيئاً وجدت نفسي في الخواطر أو محاولات في الشعر، طبعاً أكتب ما يلمع في ذهني فقط لا أتكلف ذلك أبداً…

غالبا ما أتصور حدث ما اتخيله وأكتب عنه ولكن أكتب ما أشعر به بصدق تجاه هذه الأشياء التي اتخيلها وكأنني أعيشها وليس بالضرورة أن أكون قد عشتها حقاً

بالنهاية..

أتوجه بالتحية إلى رفاقي الجرحى الذين ارتقوا بجراحهم وتساموا فوق آلامهم..

الرحمة لأرواح شهدائنا الأبرار والعزة والفخار والنصر لجيشنا العظيم.

زينة وجيه هاشم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار