آذار ميزان السنة و(الحريرة البيضاء) في ذاكرة الأجداد

الوحدة : 7-3-2021

في كل عام، و بعد أن يغادرنا شهر شباط المتقلب المزاجي تهل تباشير الطبيعة إيذاناً بقدوم فصل الربيع بجماله وبهجة ألوان زهوره من شقائق النعمان والنرجس والبنفسج والسوسن.

وشهر آذار بادئ فصل الربيع موسم التجدد والعطاء والفرح والانبعاث الجديد للزهور والورود والعشب الأخضر في مساحات الطبيعة خضراء بتشكيل بديع  للطبيعة في الحقول والبساتين والحدائق.

  وفي الذاكرة الشعبية حكايات وعادات وتقاليد كثيرة للأجداد عن شهر آذار تختزلها الأمثال الراسخة في الأذهان والتي حدثنا عنها السيد نبيل عجمية الباحث في الموروث الشعبي بقوله:

غالباً ما يكون شعور الناس بأن شباط هو الشهر العاصف الأكثر مطراً ورعداً وبرقاً، وإذا بهم يكتشفون أن طقس آذار أكثر قسوة من أخيه شباط ومن هنا جاء قول الأجداد  (الصيت لشباط، والفعل لآذار) وكذلك  (آذار وهدراتو ريتك يا شباط تعود) وآذار جذره هدار، أي صاخب وذلك لكثرة  العواصف والأمطار فيه والبرق والرعد.

وهذا ما يتفق مع المثل العامي: (آذار الهدار، فيه الزلازل والأمطار، فيه سبع تلجات كبار ما عدا الزغار).

 أطنب الناس في وصف آذار فقالوا: (آدارها خيارها، إن أمطرها دارها، وإن شوبها بارها) وكلمة خيار، تعني الأفضل بين الأشهر، وكلمة دارها، أي دبر جميع أمور السنة بوفرة مطره وأتى الموسم وفيراً، وكلمة بارها، بمعنى جعل الأرض بوراً لا فائدة منها إن خلا من المطر. ومثله القول التالي:

– (ميزان السنة آذار، إذا أقبلت آذار وراها، وإذا أمحلت آدار وراها) فلله در آذار كم له من أسرار؟

 

– (مطر آذار كله ذهب) لأنه يسقي الزرع الذي نما قليلاً، ويسقي الأشجار التي تبدت براعمها. وله القيمة الكبرى في استمرار بقائها وازدهار المواسم بأجمعها.

– أما عن حالة الطقس في هذا الشهر فلا ننسى القول: (خبي قراميك الكبار لبين شباط وآذار) استعداداً للبرد غير المتوقع، والقرامي، هي قطع الحطب الكبيرة.

– وعن موسم الزيتون الذي يهم الناس جداً في الساحل يقولون: (إذا شتِّت بآذار حضرلو المنبر، أو المنبار) لأن نضوج الزيتون واكتماله يعتمد على مطر آذار، والمنبار، عصا طويلة تضرب بها أغصان الزيتون برفق لتتساقط ثمار الزيتون.

يُطلق على آذار صفة الغدّار، نظراً لتقلب الطقس، فقد يطمئن الإنسان إلى صحو الجو والحرارة المعتدلة، ولكنه ما يلبث أن ينقلب فجأة ويصبح الجو بارداً.

ومن الأقوال عن خروج الزواحف التي تتبع السبات الشتوي:  (آذار أبو الزلازل والأمطار، فيه تبيض العنقا ويطلع الشنار) والعنقا، هي الأفعى، والشنار، هي السلحفاة.

– (غديويات آذار بيعطلوا قليل الخار، أو الخير عن الشغال) غديويات، من وقت الغدو في الصباح، وفي القرية لا يتزامن وقت الغداء مع الساعة بل مع وقت استيقاظ الإنسان، فإذا كان فطور الإنسان يبتدئ الساعة الخامسة صباحاً أو الرابعة للانطلاق للعمل، فوقت الغداء يكون قبل الحادية عشرة صباحاً، ومنه وقت العشاء يأتي باكراً تأهباً للنوم المبكر، فكلمة غديويات توافق الصباح، وفي هذا الوقت إذا ظهرت غيوم في السماء قد لا تكون ممطرة، ولكن الإنسان يمني نفسه أنه سيقوم بأعماله حين يتحسن الجو، فينتظر ويتمهل، ويتخذها حجة للعزوف عن العمل أو تأجيله.

– (آذار در ودردرة، وشباط باط وبيطرة وكانون كن وكندره، ونيسان عبّا الطنجرة) معنى هذا أن صغير الحيوان يفطم لبلوغه شهر في آذار، نظراً لتوفر الأعشاب الذي يبدأ برعيه، وبالتالي فإن الحليب الذي كان يستهلكه يصبح ملكاً للإنسان. والدردره، هو العشب الذي ينمو، أما الدَّر فهو الحليب بمشتقاته.

وهناك من يقول: (آدار، ودر، ودردرة) أنها تعني وفرة الحليب ومشتقاته في هذا الشهر، فترى الريفي كالعادة يخص جاره، وقريبه، ومن لا يملك حيوانات حلوبة بشيء مما عنده، إنه يوزع هذه الخيرات عطايا يذروها هنا وهناك – دردرة – أي بسخاء وكرم.

الحريرة البيضاء في آذار

من العادات في آذار أن الناس الذين يملكون حيوانات لبونة توفر الحليب، كانوا في هذا الشهر يطبخون (الحريرة) المكونة من الحليب والنشاء والسكر وقد تحتوي على الرز أيضاً، وكانت توزع على الجيران ممن لا يملكون الحيوانات وكان هذا عطاءً دون مقابل، وعادة متبعة تفوح منها رائحة ماء الزهر المعطر، ودائماً كان ينال الجار من جاره الأشياء التي يفتقدها، بخاصة إذا كان هناك أطفال يحتاجون للحليب. فهم يلاقون آذار بالحريرة البيضاء.

منهم من قال أن العادة قديمة مأخوذة عن قديسة تدعو للتواصل والمحبة بين الجار والجار الذي يملك حيوانات لبونة… وما زالت عادة طهي الحريرة في شهر آذار متبعة في بعض قرى الريف الساحلي حتى وقتنا الحاضر.

ازدهار علي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار