الوحدة : 19-2-2021
في أيام غابرة وكما يقول أجدادنا، على دور المراسل، والمراسل كان مراقباً من الريجة مهمته مراقبة المساحات المزروعة بالدخان (التبغ) وفي إحدى القرى القصية، وصل المراسل وكالعادة يتجمهر حوله الأهالي ويتجول بين الحواكير المزروعة بالتبغ والتي كانت تمثل الأمل والأمن والأمان لأصحابها لأنها كانت حينذاك مصدر الدخل الوحيد لدى أصحابها فمن ثمنها يأكلون وينفقون عليهم وعلى دوابهم وربما كان الغانم منهم من يستطيع بناء غرفة من محصول التبغ، وما يقوله بل يسجله المراسل عن تقديره لمحصول الفلاح يجب أن يقدمه للريجي لذلك كان قدوم المراسل إلى القرية له رهبته، والمحظوظ وصاحب الشرف العظيم من يقبل المراسل تناول الغداء عنده، فكانت تنتقى الديوك البلدية والشنكليش والزبدة وصرّ الهدايا المتنوعة في خطوة يراد بها رشوة المراسل كي تكون تقديرات الموسم أقل مما هي عليه في الحقيقة ليتسنى للمزارع بيع بضعة كيلوات من التبغ بالسعر الحر أو ربما تركها مونة دخان لصاحبها.
في إحدى القرى وعند وصول المراسل إلى حاكورة أحد الفلاحين وهو شخص بسيط وكانت الحاكورة صغيرة وشتول التبغ فيها سيئة فنظر المراسل إلى الفلاح وقال له: بصراحة لا أعرف ماذا سأسجل وأخمّن؟ سوف أخمّنها صفراً، وعلى الفور انتفض الرجل البسيط وبعفوية: دخيلك يا سيدي ما فيها هالقيمة! ظناً منه أن الصفر ربما هو مائة كغ، لينفجر المراسل والحضور ضحكاً.
الرجل ربما كان يومها لأول مرة يسمع بكلمة صفر لأنه لم يدخل مدرسة ولا تعلم مطلقاً.
آمنة يوسف