الوحدة: 25- 1- 2021
وديع ضاهر، أو كما يسمونه شيخ الفنانين، هو ممثل ورسام أيقونات، ومسرحي من أواخر الرعيل المسرحي الأول أو أوائل الرعيل المسرحي الثاني متمثلاً في عدنان السيد ونبيل مريش وصبايا قليلات كسعاد سوادي الذين أسسوا لحركة مسرحية في اللاذقية بتعاضدهم مع بعضهم وبجهودهم الشخصية البحتة.
في جعبة وديع ضاهر الكثير من المعلومات والحكايات عن مسرح اللاذقية أيام زمان وعن أشخاص كبار صنعوا للمسرح، مع أنهم كانوا مجرد هواة، كياناً مسرحياً متميزاً يحسب له حساب ومحفور في الذاكرة.
يبدأ الممثل وديع ضاهر حديثاً ممتعاً شيّقاً ممزوجاً بذكرياتٍ جميلة لكنها ممزوجة بالألم فيقول: كانت أيام الزمن الجميل فأنا من مواليد 1949، عاصرت الحركة المسرحية في اللاذقية على مدى خمسة عقود، دخولي لعالم الفن كان بداية من بوابة الرسم، فعندما كنت في المرحلة الابتدائية رسمت صورة الشهيد جول جمال التي كانت في مجلة (المصور) المصرية، أعجب بها الجميع أهلي وأستاذي في المدرسة أيضاً، وفي المدرسة كان هناك عرض مسرحي كوميدي بعنوان (فندق أبو شالوح) تحت إشراف الأستاذ إلياس محفوض الذي أوكل لي شخصية النادل للفندق، وبدأ التصفيق ممن شاهد العرض والإعجاب بدوري، من هنا بدأ حب فن الرسم والمسرح وتعلقت فيما بعد بكل شيء بهذا الخصوص ثم جاء دور الأستاذ رشيد شخيص ليشجعني في الاستمرار بالمرحلة الإعدادية، لأصل فيما بعد للمرحلة الثانوية ولتتبلور موهبتي من خلال الأستاذ عدنان السيد الذي كنت ألتقي معه في الاتحاد الوطني لطلبة سورية ومع الفنان نبيل مريش وهنا كبرت الأدوار التي كنت أقوم بها لنشاطات المدرسة.
كنّا نقوم كل سنة بعملين يتناولان قضايا هامة تجذب الناس كالقضية الفلسطينية والوحدة العربية، وكنّا ننال دعماً كبيراً من الناس الذي كان لحضورهم أكبر الأثر لاستمرارنا.
ويتابع الشيخ ذكرياته فيقول: لم يكن المسرح في ذلك الوقت احترافياً، بل كان عبارة عن تعاون جهود شخصية مخلصة تحب بعضها وعيونها على المسرح كنت مع عدنان السيد رحمه الله ونبيل مريش ومحمد سميح أطوز ورشاد طريفي وبعض الفتيات اللواتي كنّا نادرات في العمل المسرحي وهنا تسعفني ذاكرتي بـ( سعاد سوادي) كنا معاً فريقاً متناغماً وجميعنا هواة نحاول النهوض بالمسرح وتشكيل نواة مسرحية، كنّا جادين بهوايتنا فبدأنا نتجه نحو المسرح العالمي لمسرح موليير مثلاً كنّا نقرأ كثيراً ونعدّ ونمثل، وحتى توجهنا للأدب العربي ولروايات نجيب محفوظ التي يتم إعدادها مسرحياً وكنا في جميع ما نقدّمه نلاقي استحساناً كبيراً من الجمهور الذي كان يتفاعل معنا كثيراً.
بعد ذلك أخذت طريقي منحى أكثر التزاماً وجديةً من خلال دورة ثقافة مسرحية في دمشق لصالح اتحاد شبيبة الثورة، فكان المكتب الفني الذي ضمّ خيرة وكبار الأساتذة كالأستاذ زياد عجّان الغني عن التعريف الذي كان رئيساً لهذا المكتب والكاتب مروان صقر، وفؤاد مرعش، ومحمد أبو ديب وكلهم أساتذة تمثيل وإعداد وإخراج.
بعد هذه الدورة أخرجت ومثلت في عرض (أقوى من الحب) لخليل هنداوي ثم عرض (ابن الأخ العم) للألماني شيلر وترجمة أمين رويحة وإخراج د.خالد مز لصالح النادي الموسيقي، وحضرها آنذاك مروان حداد المدير العام لمؤسسة السينما في سورية والذي كتب عن هذا العمل فقال: (هواة اللاذقية تتحدى وتضاهي محترفي دمشق).
صحيح كنا هواة ولكن عملنا كان احترافياً بالفعل لما فيه من تعاون جاد وصادق ومسؤولية ومحبة وانسجام بين أفراد أي عمل كنا نقوم به.
كانت هذه المرحلة رائعة تبعها حادثة تعيسة حصلت معي وأثرت على مسيرتي في المسرح، إذ أنني تعرضت لإضاءة خاطئة في أحد الأعمال المسرحية حرقت عينيّ وتركت المسرح بسببها بشكل قسري لمدة سنة.
بعد هذا الإبعاد القسري سافرت إلى دمشق إلى مهرجان مسرح الهواة وفزت حينها بجائزة أفضل ممثل هاوٍ وكان ذلك سنة 1972 وكانت الجائزة 1000 ليرة سورية، كنت وقتها في مرحلتي الجامعية في بداياتها وكنت أدرس الهندسة الميكانيكية، بعدها تركت دراستي لألتحق بخدمتي الإلزامية التي لم تخلُ هي الأخرى من نشاطاتٍ مسرحية بين الوحدات، وبعد تسريحي من الجيش ابتعدت مرة ثانية عن دراستي وعن المسرح بسبب خطأ الإضاءة الذي تحدثت عنه والذي أجبرني على ترك المسرح لمدة عشرين سنة.
خلال بعدي القسري عن المسرح كنت حزيناً جداً فرغم تركي له إلا أن الشغف في داخلي لم يفتر ولم ينطفئ.
وكانت العودة، ففي عام 2001 دعيت للتكريم من قبل مديرية المسارح والموسيقا وطُلبت للمسرح القومي من قبل الأستاذ لؤي شانا، لأنهم اعتبروني من الرعيل المسرحي الأول الذي ساهم في صنع الحركة المسرحية في اللاذقية، كانت العودة رائعة بشكل مرعب، إحساسي لم ولن أنساه ما حييت عندما وقفت على خشبة المسرح أمسيتها تعاتبني وتقول لي: أين أنت، أين بعدت ؟.
وكانت انطلاقة جديدة في المسرح القومي ومع كل كادره فرداً فرداً كنت كل ما أقف على الخشبة في عمل مسرحي أحس بنفسي كملك أو سلطان لا أحد مثلي ولا أحد بسعادتي من كثر حبي وعشقي للمسرح، شغفاً كان زخمه قوياً نابعاً من الداخل.
استمريت بالعمل المسرحي لغاية 2019 اليوم انتظر أن أطلب لأي عمل مسرحي لأني مستعد وجاهز دائماً في جعبتي 70 عملاً مسرحياً و ستون مشاركة تلفزيونية تمثيلية بين أدوارٍ جيدة وثانوية تعاملت فيها مع كبار المخرجين مثل نجدة أنزور وحاتم علي، عصام موسى، غازي إبراهيم وغيرهم.
وعن رأيه بالمسرح اليوم من خلال مقارنته بالمسرح في الماضي؟ يجيب: لا شك أن المسرح اليوم متطور أكثر بكثير من الماضي، وصارت أدواته أهم وواكب التطور التكنولوجي بكل العناصر الفنية اللازمة لإنجاحه، في الماضي كانت الأدوات بسيطة جداً، ولكن في الماضي كان هناك ألفة، تفاهم، محبة بين عناصر العمل، وهذا ما يفتقر إليه المسرح اليوم الذي يعاني من الشللية.
حاولت كثيراً أن أزرع المحبة بين قلوب من أعمل معهم اليوم في المسرح ولكنني فشلت ولهم أقدر أن أوالف بينهم.
المسرح اليوم فيه إمكانات فكرية وتقنية وفنية هناك نصوص جيدة هناك كوادر تمثيلية رائعة، هناك أبطال حقيقيون على المسرح، يفرح قلبي عندما أراهم.
وأتوجه هنا لكل المسرحيين لأقول افتحوا قلوبكم للمحبة، ولتسكن المحبة قلوبكم، لتتوالفوا وتسامحوا بعضكم، يمكن أن تنجحوا ولكن لا يمكن أن تبدعوا من دون المحبة، حبّوا واعملوا…
وفي النهاية كان لا بد من التطرق لموهبة وديع ضاهر في رسم الأيقونة وعنها يخبرنا فيقول:
هي هواية شخصية عندي، وأرسم بطريقة الحرق الملون على الخشب، وهو شيء نادر في هذا المجال، إذ من الممكن أن يكون الحرق على الخشب شائعاً في كل العالم وخاصة في روسيا بلد الأيقونات النادرة، ولكن الحرق الملون هو عمل فريد ونادر وهو ما أتقنه وبشكل فردي وبجهودي الشخصية، ودعيت لتلبية المعرض الذي أقيم بمناسبة الصداقة السورية الروسية، وأخذوا مني عشرين أيقونة بيزنطية بشكل عام أرسم لنفسي، لدي حالياً 140 لوحة رسم بكافة القياسات، لا أطرق باب أحد، ولكن ألبي أي دعوة لمشاركة، أو أي طلب لأي رسمة.
مهى الشريقي