محطات من (شعر الأطفال في الوطن العربي)

الوحدة: 17-1-2021

 

 

 يعد (هذا الكتاب دراسة شاملة لشعر الأطفال في أدبنا العربي عبر عصوره المختلفة، منذ الجاهلية حتى يومنا هذا، مع تعريف بأهم شعرائه في جميع الأقطار العربية، وإيراد نماذج من أشعارهم، ودراستها دراسة نقدية عميقة واعية، واستخلاص مقومات قصيدة الطفل وما يجب أن تكون عليه).. هذا ما جاء في تقديم الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد  لكتاب (شعر الأطفال في الوطن العربي) دراسة تاريخية نقدية، للشاعر بيان الصـفدي من منشورات وزارة الثقافة بدمشق والهيئة العامة السورية للكتاب المكون من 650 صفحة من القطع الكبير، ويتابع الشاعر عبد الواحد بالقول: (وهذا الكتاب حاجة ماسة  لأطفالنا لأنه يقدم لهم عبر شواهده الشعرية، غذاء هاماً روحياً وفكرياً يخصبون به، ولمن يعلمون أطفالنا، لأنه يساعدهم على اختيار أفضل النماذج الشعرية للأطفال الذين يقومون بتعليمهم، وللذين يكتبون قصيدة الطفل، لأنه يستعرض لهم بشكل مفصّل، وعبر دراسة نقدية تطبيقية عميقة، المقومات الصحيحة َ لقصيدة الطفل).

 وحسب تقديره أن هذا الكتاب يعد واحداً من أهم المراجع في شعر الأطفال، فنظراً لفقر مكتبتنا العربية إلى دراسات عميقة متخصصة في هذا المجال الحيوي من حياة أطفالنا يصبح هذا الكتاب كنزاً من كنوز مكتبتنا العربية.

 وفي قراءة لأهم المحطات التي جاءت في هذا الكتاب، كما قدمها الكاتب إسماعيل الملحم: يمكننا القول بأن الباحث والشاعر بيان الصفدي قدم للمكتبة العربية شبه موسوعة لشعر الأطفال في الوطن العربي جمع بواسطتها كماً لا يستهان به من شعر الأطفال مبوباً له ومصنفاً، دون أن يبخل ببعض الإضاءات النقدية التي يكشف بها جوانب كثيرة جديرة بالاهتمام في هذا الكم غير القليل، الذي أنتجه كتاب يمتدون زمانياً في إنتاجهم ويتوزعون في أكثر من بلد عربي، فمن إطلالة تاريخية اختار الباحث من خلالها بعضاً من أشعار كان يخاطب بها الطفل في أثناء ترقيصه، وذلك منذ عصر بعيد في التاريخ العربي، وهي أشعار يصعب نسبتها لشاعر أو شخص ما، وغالباً ما ينسب إلى نسوة أنتجن هذه الأشعار البسيطة من خلال تعاملهن مع الأطفال، ومنها قصائد شعرية يمكن للطفل أن يستمتع بسماعها وهي تنتمي إلى ما سماه الباحث (شعر القص عند العرب) لما للقصة المحبوكة في النص الشعري من خاصية الجذب والمتعة والتشويق، ويتلو هذا الباب الأول سبعة أبواب تتوزع عناوين ستة منها على تجارب أنتج كل منها في أحد البلدان العربية بدءاً من أهمية هذه التجربة والسبق فيها، فيبدأ في الباب الثاني التحدث عن التجربة المصرية بدءاً من محمد عثمان جلال إلى ما كتبه أحمد شوقي وما أصدره كامل الكيلاني ومحمد عطية الأبراشي.

وعرض الشاعر الصفدي تجربة محمد عثمان جلال في باب شعر الأطفال، فقد ترجم حكايات الشاعر الفرنسي لافونتين وصاغها شعراً، وظل أطفال أكثر من قطر عربي يحفظون قصيدته (حكاية الثعلب والعنب) إلى عهد قريب، وبعد (عثمان) امتد البحث ليصل إلى تجارب أخرى عند كل من عبد الله فريج (نظم الجمان)، وأحمد شوقي الذي لم تكن تجربته مستمدة من الترجمة، فقدم تجربة مبكرة من خلال أناشيد وقصائد وحكايات ابتكرها خاصة بالأطفال، منها (باب الحكايات)، وتفاوتت هذه الإبداعات من حيث (اللغة السهلة والطريقة والوزن الخفيف) ممثلاً عنها في حكاية (الثعلب والديك)، أما التجربة السورية وقد احتلت الباب الثالث من الكتاب فهي تبدأ في وقت مبكر، مع رزق الله حسون المولود في حلب عام 1925، والذي كان له ميل كبير إلى القصة في الشعر.

 ويتناول الكاتب تجارب أخرى في سورية منها تجربة (جرجس شلحت) في كتابه النخبة وهي تجربة متقدمة ولغتها متطورة وحيّة، فهو يحتوي على خمس حكايات نقلها نثراً، وسبع حكايات نقلها شعراً، ثم ينقلنا إلى تجربة (جميل سلطان) الذي عاش حياته في العمل التربوي، وخلال ذلك عمل في تأليف كتب القراءة والمطالعة والاستظهار لجميع المراحل، وأول ما أثر عنه في باب شعر الأطفال (محاورة غنائية، الولد والعصفور) لحنها مصطفى الصواف مدرس الموسيقا والملحن المعروف وغيرها من قصائد ذات أهداف تعليمية وتربوية بلغة مناسبة للطفولة، وتحدث خلالها عن الطبيعة والوطن وتناول الوصف والتوجيه الصحي والمعلومة العامة في إطار لا يخلو من تشويق ورهافة.

 أما عبد الكريم الحيدري، فقد شكلت تجربته قفزة نوعية في شعر الأطفال من خلال كتابه (حديقة الأشعار المدرسية) وكانت له إسهامات في تأليف (المختارات المدرسية وقصة الطفل ومسرحه) مقترباً من لغة الطفل وعالمه، متخذاً موضوعاته من عالم الحيوان ومتخذاً من العلم والتعليم موضوعات أخرى إضافة إلى (الشجرة والفصول والمطر والحدائق، واستطاع في قصيدة الخريف أن يقدم نموذجاً متميزاً عن الطبيعة).

 ومن رواد شعر الأطفال في سورية أيضاً يذكر (جسماني شقرا) في كتابها (روضة الأطفال)» وينتقل بعد ذلك للحديث عن الإسهام في شعر الأطفال في سورية حتى الخمسينيات والذي جاء غزيراً وخصصت له كتب خاصة به إضافة الى شعراء آخرين جاؤوا ببعض القصائد من خلال نتاجهم الأدبي منتشرة بين صفحات دواوين لهم أو مجموعات شعرية كما أبدعه فخري البارودي، وبدر الدين الحامد، وخير الدين الزركلي، وخليل مردم بك، وبدوي الجبل، وفي هذه العملية الإحصائية يذكرنا الكاتب بشعراء مجلّين كانوا يقتحمون بين الحين والحين عالم الطفل في أشعارهم وهم جديرون ببحوث خاصة تعيدهم الى الذاكرة وتقدمهم الى الأجيال، بخاصة وهم ذوو قامات شعرية عالية، ويخص الكاتب شعر الأطفال في سورية في مرحلة لاحقة تبدأ من السبعينيات بخاصة مع ولادة مجلة أسامة، يذكر تحت هذا الفصل أسماء لشعراء تفاوتت مستويات ما قدموه في هذا الباب من أمثال: نهاد طرزي، عبد المجيد المشوح، نجاة قصاب حسن، مصطفى عكرمة، ياسر المالح، ممدوح سكاف، سمير مراد، مصطفى خضر، معشوق حمزة، جمال عبد الجبار علوش، موفق نادر، ركان الصفدي، أسعد الديري، سامر كحل، ومريم خير بك، ولأهمية تجربة سليمان العيسى يخصه الباحث بفصل منفرد.

 ينتقل البحث بعد ذلك في بابه الرابع إلى التجربة اللبنانية، ابتداء من خليل مطران، وبعده حليم دموس وقد (قدم زاداً غنياً للأطفال وضعت في كتب مدرسية)، منها قصيدة (عليك مني السلام يا أرض أجدادي…) وغيرها، عبر من خلالها عن تميزه الفني في شعر الأطفال، وقد اختير كثير من قصائده ليكون موضوعاً للحفظ والاستظهار في الكتب المدرسية، وخصص الكتاب التجربة اللبنانية بفصل عن الكتاب التعليمي وشعر الأطفال، وتناول الكاتب في بابه الخامس التجربة العراقية، ابتداء من علي الشرقي وبعده الرصافي والزهاوي والجواهري، وتتالت المساهمات على يد نخبة من الشعراء والمربين، أخذت تتلون بعطاءات أكثر قرباً من خصائص الكتابة للأطفال، ويعقد للرصافي فصلاً خاصاً به، كما خصص فصلاً لشعر الأطفال بعد 1970 والمساهمات الشعرية في مجلتي (مجلتي) و(المزمار)، ومن نجوم هذه المرحلة: عبد الرزاق عبد الواحد، فاروق سلوم، كريم العراقي، وخليل خزعل. 

أما الباب السادس فقد خصه للتجربة الفلسطينية الأردنية وفيها فصل موسوم بعنوان أبو سلمى وشعر الأطفال، ويخصص للتجارب العربية الأخرى الباب السابع مفتتحاً إياه بفصل عن (علال الفاسي) رائد شعر الأطفال في المغرب العربي، ثم في فصل آخر يمثل لتجارب شعراء آخرين بمقتطفات من أشعارهم ثم قدم مجموعة من شعر للأطفال في الجزيرة العربية والكويت والسودان، أما الباب الأخير فقد خصه بإضاءة نقدية على شعر الأطفال في الوطن العربي، ذاكراً تأثيرات لافونتين فيه ومشيراً إلى بعض الكتابات النقدية في شعر الأطفال، ويختم الكاتب إسماعيل الملحم بالقول (هذه لمحة عامة عن الكتاب –الموسوعة- الذي ضم تفصيلاً عن موضوعات شعر الأطفال العربي، وهو عمل يحتاج لجهد جماعي نهض به بيان الصفدي باقتدار وموضوعية لعله بذلك يفتح الباب لدراسات نقدية عن هذا الجنس الأدبي الهام، وقد اقتحمه كثيرون ممن لا يدركون طبيعة الطفولة ويجهلون اللغة التي يجب أن يكتب فيها للأطفال). ونختار من الفصل الرابع ما جاء في تقديم الشاعر الصفدي لـ  (حديقة الأشعار المدرسية) للحيدري فهو يقول: على الرغم من الأهمية البالغة لمحاولات شعر الأطفال الأولى في سورية إلا أن ما قدمه عبد الكريم الحيدري كان نقلة نوعية كبرى فيه، إذ امتلك هذا الشاعر موهبة خاصة جعلته يتفهم خصوصية الطفل خاصة أنه أمضى حياته في التعليم، ويعكس ذلك فيما أنتجه من شعر، وقد نشر الحيدري (حديقة الأشعار المدرسية) في حلب، وبالمعنى الفني أرى أن عبد الكريم الحيدري هو الرائد الحقيقي لشعر الأطفال في سورية، فشاعرنا كان جم النشاط على ما يبدو في مجال ثقافة الطفل، فقد ألف كتب مختارات مدرسية، وأسهم في قصة الطفل ومسرحه، كما رأى أن الموضوع الوطني قد احتل صدارة ما أراد الشاعر غرسه في قلب الطفل العربي، فها هو يقول في (وطني): لا أنثنــــــي عن وطنـي أكرمْ بــــــه أعظمْ بــــه ِ من ســـكن ِ مهد الشــممْ بحر النعــمْ والمنـــــن ِ ما لي لـــه روحي لـه ُ مع بدنـي. ويتألق الشاعر في قصيدة (العصفور والطفل) من خلال كتابة المؤثر الجميل لغة ومعنى: أماناً أيهــــا الطــفلُ ودع ما يفعـل النذلُ أخي لا تمش كالوحش ِ تمد الكـــــــف للبطـش ِ بأفراخي، وبالعــــش ِ فعيشي بعــد لا يحلو فرفقاً أيها الطفــل.

 ويقترب الحيدري من الطفل وهو يتناول موضوع الحيوانات، فإنه ينجح كذلك عندما يكون العلم والتعليم موضوعاً شعرياً، فله نصان اشتهرا كثيراً في الكتب المدرسية، الأول بعنوان (حسابي) والنص الثاني هو (تعلمت القراءة): قـد تعلّمت القراءة وأنــــا طفــــل صغيــرْ وتعلمــت الكتابة فـــــــي قليل من شهورْ صرت ذا علـــم غزيـر وفـــــــؤاد مســـــــتنير فسروري لســــــــرور لا يجاريـــه ســــــرور.

 ويحسب للشاعر أنه من أوائل من كتب المسرحية أو التمثيلية أو الحوارية للأطفال في الوطن العربي ففي (حديقة الأشعار المدرسية) عدة حواريات شعرية وفيها أيضاً عدة تمثيليات هي (الأرانب والثعالب)، و(فخر العاملين)، و( استيقاظ الربيع) و(هزيمة الاستعمار) وهناك نص نثري سماه المؤلف (من ليالي الأندلس) وقال إنه فصل تمهيدي لرقصة السماح، ولا بد لي من الإشارة إلى أن حديقة الحيدري تحوي نصوصاً للأطفال الصغار جداً، وأخرى للأكبر سناً، وهذا يتضح من الموضوع وتنوع الأسلوب واختيار أوزان قصيرة في الغالب، مما يناسب قصيدة الطفل.

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار