ذاكرة الحرف الأول.. في ندوة تحليلية

الوحدة 8-12-2020   

 

أقام فرع اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية حفل توقيع المجموعة الشعرية (ذاكرة الحرف الأول) للدكتور صلاح الدين يونس رئيس فرع اتحاد الكتاب شارك في الندوة كل من الدكتور محمد بصل والأستاذ نذير جعفر وذلك في صالة الجولان بمقر الفرع في مادتنا الآتية نسلط الضوء على أهم ما جاء في الندوة من تحليلات وآراء أدبية أغنت المجموعة الشعرية والبداية مع الدكتور محمد اسماعيل بصل: ليس ثمة ما هو أصعب من قراءة مثقف يكتب شعراً، فهو يفك اللغة من عقالها غير مبال بما ستؤول إليه, وغير مكترث بما ستؤول عليه كل ما يعنيه في لحظة الكتابة هي تلك اللذة التي تهسهس فيها الحروف أوراقه البيضاء كما تهسهس الريح سنابل القمح فتموج الى ذات اليمين ,. وإلى ذات اليسار غير عابئة بثقل ما تحمله في رؤوسها، أن تقرأ شعراً لصلاح الدين يونس يعني أن تبقى متوثباً عند كل حرف حتى لا تغرق في طوفان الرموز والعلامات التي لا تنفك تتنافر وتتماثل, تتقارب وتتباعد, تتشابه وتتضاد.

وكأن الرجل في ورشة إنتاج معرفي وموسوعي يدلي بدلوه قليلاً في الاقتصاد وشيئاً في الفقه ونوعاً من الزراعة متجاسراً على الحساب, منقضاً على الميثولوجيا غير آبه بمعضلات الأنتربولوجيا، وهكذا يشعل حروفه ليضيء أبجدية الحرف الأول وذاكرته.

بهذه المقدمة استهل الدكتور محمد بصل حديثه عن المجموعة الشعرية ليستأنف أن النص يبدأ من عتبته الأولى (الغلاف) عبر صورة لشمعة تمخر عباب البحر مشرئبة بشعلتها مزهوة بألوانها وسط هذا الضباب الكثيف في ليل مدلهم ولعلها تكون أشبه بحرف الألف منتصباً باستوائه مكللاً بهمزته متقدماً أقرانه, مبتدأ الألفبائية والأبجدية, وتلك هي قصة الديوان المرسوم بذاكرة الحرف الأول، فللحرف الأول ذاكرة جمعية تنضوي على مجمل العادات والتقاليد والطقوس والأعراف والقيم والعقائد, والأيديولوجيات والأساطير، إنه مبتدأ الأبجدية ومنتهي التاريخ والجغرافية، وعلى ذلك كله انصب هاجس الشاعر صلاح الدين لينفرد خارج السرب وينشد قصيدة مطولة عن ذاكرة الحرف الأول ليحقق معادلة قلما نجدها إلا في روائع الكتاب القدامى , وهي تأريخ حقب الانسان شعراً، وأوضح د. بصل أن الشاعر صلاح الدين يكشف ويلمح ويرمز, وما على القارئ سوى اللحاق به ومتابعته والتدقيق في مدى حروفه ليكتشف تلك الإضاءات البارعة في بسط مواطن الحضارة السورية كلها دون أن يسميها البتة، فالشاعر صلاح الدين يمضي يرسم شعراً جغرافية سورية الطبيعية وتاريخها متوقفاً عند الحرف الأول الذي قيل على ضفاف النهرين وبين ظهراني الفراتين لينعش ذاكرة القارئ ويحثه على الاستفسار عن الرمز واللغز في معجزة الذي قطعت رأسه وقدمت للبغي على طبق من ذهب مروراً برمز الحرف الأول عن أشكال الضوء في عشتار من دون أن يفوته التلميح عن ذاك الرسول الذي لم يوح إليه, وعن تلك الصحراء التي ارتوت دماء, وانفصلت عن جغرافيا الماء والأنثى، فأينما وجدت الأنثى وجد الماء وعم الضوء ونطق الصلصال وكبرت الأحلام, وتلألأت قطرات الفجر الأول.. فالأنثى عند الشاعر ليست هياماً وحسب بل هي الأرض وآلهة الخصب وسورية وهي الهلال الخصيب المتشكل من مجموعة أقطار تقع بين البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي والبحر الأحمر…

جزيرتنا مد الزيتون ضياءه

واستدعى التاريخ ندياً

والسنديان رقيماً أبدياً

والأرز رفيقاً وشقياً

وتوالى الزيتون نبيا

ويعود الكون .. النهر إليك ضوءً سورياً

الوجه طريقاً

من وجه إلينا إلى صوت الفرات

الأستاذ  نذير جعفر

أوضح الأستاذ نذير جعفر في بداية حديثه أن الشعر فن يتطلع ويتخطى, وكل شاعر مبدع يجترح طريقته التي تعبر عن تجربته ورؤيته, ولا يقلد من سبقه أو عاصره. ويمكن إدراج أبي تمام بوصفه شاعراً يخترق الزمن بتأثيره وفاعليته وروح التجديد الكامنة فيه، تلك الروح التي تمردت على التقليد والنمطية والتكرار, وغامرت في ابتكار المعاني الغامضة غير المسبوقة, والإفادة من فنون البيان والبديع خارجاً عن الناس بمذهب مختلف وتحدث جعفر عن شعر أبي نواس وشعر المتصوف وصولاً إلى مشارف شعر التفعيلة وشعر ما اصطلح عليه بقصيدة النثر، وأشار المحاضر إلى ديوان ذاكرة الحرف الأول الذي اشتمل سمات تؤكد خصوصية الشاعر صلاح الدين وهي تتلخص في نقاط عدة منها قصة الوجود – قصة الخلق– بدأت بجدلية العلاقة بين الأنوثة والذكورة وتكاملهما إلى حد التماهي بينهما ليلتبس على القارئ الضمير العائد لأي منهما بدليل الوقوف عليه بالسكن إليك– عليك ومهد الحضارة البشرية وملاحمها وأساطيرها وحكمتها بدأت من بلادها ما بين النهرين من سورية وهذا ما يفسر ورود لفظ النهرين مرات عدة وذكر أسماء وأمكنة تدل عليها هذه مفاتيح في المعنى.

ثانياً: جماليات الصور المبتكرة التي ينمو أولها إلى الغنائية الرومانسية وثانيها إلى النزعة الفلسفية التأملية المشحونة بغموض مشع قد يستغرق على القارئ أحياناً.

 ثالثاً: يميل إلى الرمزية التي تتكئ على الموروث الديني والتاريخي وتتناص معه في توليد دلالات جديدة، وقد يجتمع في النص الواحد كل هذه السمات.

وشدد المحاضر على وجود جماليات في الديوان لها علاقة بعلوم البلاغة من جناس وطباق وتقديم وتأخير، وهذه البلاغة عند الشاعر صلاح لا تأتي كتزويق أدبي ولا تأتي كاستعراض لهذه المحسنات اللفظية، وإنما تأتي عفو الخاطر جميلة محببة لها دلالات.

وختم المحاضر حديثه قائلاً: هذا الديوان يحتاج إلى إطار واسع من القراءة لمن يقدم عليه, وإلا سيقف ربما حائراً مرتكباً عند كثير من تفاصيله.

رفيدة يونس أحمد

                                                          

تصفح المزيد..
آخر الأخبار