الوحدة: 30- 11- 2020
تنفق حكومتنا الموقرة الكثير من المال على طباعة المناهج الحديثة والمطورة، وإقامة الدورات التدريبية لتأهيل الكوادر التعليمية لتطبيق تلك المناهج بأساليب وطرق حديثة…
كل ذلك جميل حتى الآن، ثم ماذا ؟!
ثم نأتي على أرض الواقع لتطبيق تلك الأساليب فنفاجأ بأعداد الطلاب الضخمة في القاعة الصفية الواحدة، وعدم توفر الوسائل أو ربما تتوفر لكنها لا تستثمر في أغلب الأوقات، لأن المدرس أو المعلم منشغل في ضبط الصف وحل النزاعات و.. و… ويصير عبء الانتهاء من شرح الدرس في هذه الظروف غير المثالية هاجسه، ولن ننسى تذمر الأهالي من تكليف أبنائهم إنجاز مشاريع علمية في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وحتى نكون منصفين أن نقول تذهب جهود التحديث والتطوير سدى ،بل سنقول يذهب نصفها، على أمل أن نصف مدارسنا الآخر يحقق شروط التعليم النموذجي.
وهنا يبرز دور المدرس الناجح الذي يخلق جوه الخاص مع طلابه مهما كان عددهم، ويبتدع طرائق تدريس تتناسب مع الوضع القائم وتتجنب الطرق الكلاسيكية المستهلكة، فتحفز الطلاب على التفكير البنّاء والبحث عن المعلومة قبل العلامة، تلك المعلومة التي ستستمر معه في دراسته الجامعية وما يليها.
إن من المؤسف حقاً أن تمر السنوات الجامعية الأولى على الوتيرة نفسها من الأداء الكلاسيكي المعتمد على التلقين والإملاء، تلك النمطية التي بات يتجنبها معلمو المرحلة الأولى بل إنهم يسعون لتمكين تلاميذهم من مهارات التعلم بأساليب متطورة تتناسب مع إمكانيات مدارسهم.
وإن كنا نستهجن التعليم الكلاسيكي في الفروع الأدبية فنحن بلا شك نرفضه قولاً واحداً في الاختصاصات العلمية.
وتستمر رحلة الإحباط مع وصول الطلبة إلى مرحلة الدراسات العليا التي يفترض أنها مرحلة الاكتشاف والبحث العلمي و.. و… لتأتي سنة المقررات الأولى على خلاف التوقعات، فالنمطية ذاتها والأسلوب ذاته ما خلا قلةً قليلة من الأساتذة الذين يسعون لتسليم هؤلاء الباحثين مفاتيح البحث والفهم لشق طريقهم العلمي.
وتكتمل فصول المسرحية ،بمشهد الامتحانات ،فحتى الآن لم نعلم ما الحكمة من اختبار طالب في الدراسات العليا في حفظ كم هائل من المحاضرات يغلب عليها الطابع التاريخي والوثائقي… ولاسيما أن المقرر الواحد يدرسه أكثر من أستاذ، فتخيل حجم الضغط الذي يعانيه باحث مجتهد ليقدم بحثاً مختلفاً ومكملاً لمسيرة من سبقه…
لا يمكننا أن ننكر التاريخ، وجميل أن نطّلع على تاريخ أي علم من العلوم والمعارف عبر العصور، لكن ما أسوأ أن تكون مضطراً لحفظ أربع عشرة محاضرة لتجيب عن سؤال نظري واحد..!
أليس من الأفضل لو يخصص لطلاب الدراسات، يوماً امتحانياً مفتوحاً لكل مقرر، في قاعة مكتبة مركزية في جامعته، نعطيه عنواناً جديداً لبحث علمي يسلمه في نهاية يومه الامتحاني، بعد أن وضعنا بين يديه كل ما يحتاج من مصادر ومراجع.
لا تمتحن باحثا ً في أمور نظرية جامدة، بل حرك فيه الرغبة للإبداع وحفزه على البحث والاكتشاف ليطور معارفه ويقدم لنا الجديد المبدع النافع.
إنه حديث يطول، لكنه حديث مفتوح بانتظار من يخط فيه سطور جديدة بأمانة وصدق.
نور نديم عمران