طبيب الأسنان المسن التشكيلي خليل أحمد.. كنز وافر من العطاء والسعادة والفن

الوحدة 26-11-2020

كان لا بد من تسليط الضوء على زاوية منسية من العطاء والتفاني بخدمة المجتمع من خلال طب الأسنان وأعمال الخير وتبنّي الأولاد وتشغيلهم كممرضين عنده مقابل أجر جيد وعطف يندر مثله وخير وافر، الدكتور خليل محمد أحمد، تجاوز الثمانين، يعيش وحيداً، لم  يرزق بأولاد، ذكرياته قصة حب مشوّقة، خفّة دمه حاضرة دوماً، طيبة قلب نادرة، فنان تشكيلي تدلّ أعماله الفنّية أنه فنّان متمكّن.

– مكان عملك، وكيف كنت تمارس مهنتك؟

بعد التخرّج عام 1975، عملت في المؤسسة العامّة لسد الفرات في مدينة سدّ الفرت الجميلة، الثورة، بمستوصف المؤسسة، كانت الحياة جميلة، توليفة من المجتمع السوري، من كل زوايا سورية الأربعة، لم تكن في حينه مشكلاتنا المعاصرة قد بدأت بالظهور، كنا عائلة واحدة، وهذه حقيقة، فيها الحمصي، اللاذقاني، الحلبي، الدرعاوي، الدّيري، الشّامي، الحموي، السلموني، الطرطوسي، من كل سورية، كنت أعمل في المستوصف بمحبّة وشغف آتي يومياً لمكان العمل وأبقى حتى بعد آخر موظّف، المستوصف شامل وفيه عيادات متنوّعة، كان يقدّم خدماته المجانية للموظّفين والعمّال، عملت نقيباً لأطباء الأسنان في الرّقة مدة عامين كاملين قبل عزلي، تآمر الفاسدون كثيراً عليّ وعلى النقابة لأنّني لم أكن أفعل ما يحلو لهم، أرادها البعض بقرة حلوباً، لكنّني عاندتهم ووقفت في وجههم أقاوم محاولاتهم ومعي أعضاء النقابة الطيبين، كانوا يريدون سرقة المال العام وتشويه خطط وأهداف النقابة وأنا أقف سدّاً منيعاً، لكن تقاريرهم الكثيرة التي كانوا يرسلونها للعاصمة الشّام أثمرت معهم فتمّ عزلي… جئت وزوجتي عام 2003 إلى طرطوس لنستقرّ هنا طوال الوقت، وأخيراً بقيت وحيداً فزوجتي رحلت باكراً بعض الشيء، أعيش في منزل صغير مستأجراً إيّاه..

المريض الذي كان يأتي لعيادتي الخاصة كنت أحوّله لعيادة المؤسسة، طبعاً عكس ما يحصل هذه الأيام، حيث يطفّشون الناس إلى عياداتهم، كان هدفي مساعدة الناس، وليس همّي جمع المال، فالمال كان ومازال آخر اهتماماتي.

– كنت تساعد الناس، أخبرنا عن ذلك؟

كان الأطباء يتقاضون على تركيب الحشوة 600 ليرة، كنت آخذ 200 ليرة، نبدأ العلاج بالعيادة ونكمّله بمستوصف المؤسسة توفيراً للنفقات المترتبة على المحتاجين وخصوصاً العسكري، مرة اتاني أحدهم وقد سأل عن أقدم طبيب فدلّوه علي، نعم فقد كنت أقدم طبيب هناك في الطبقة.

كنت أعطي عدداً من العساكر في إجازاتهم مصروفاً شهرياً، كان عددهم 6 لكل واحد منهم 500 ليرة، لكن الطريف في الموضوع أنهم جاؤوا في إحدى المرّات إجازاتهم بوقت متزامن، فاستدنت 3000 ليرة لأستمكّن من تأمين الجميع..

أحد هؤلاء كان يأخذ خرجيته مني، ولكثرة مآسيه وفقره ومشاكله،  فقد خودة ومخزناً وغرامتهما 8000 ليرة وكان عندي موظّف الضريبة في ذات الوقت وقد حضر ليقبضها وهي 5000 ليرة، سألت الموظف أيهما أكثر أولوية، هذا العسكري الذي سيسرّح غداً أم الضريبة، وكان أن أعطيته كامل المبلغ بموافقة موظّف المالية ليتسرّح العسكري في اليوم التالي، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ يقول لي الطبيب، لقد أنزلو ضريبتي من 5000 لل 1500 كلّ عام، حين أخبر الجابي زملائه في المالية بهذا الموقف النبيل..!

عسكري آخر كنت أعالجه، توفّيت أمّه فتزوج أبوه واحدة أخرى سيئة، أهملت الأولاد فمات الكبير وجنّت أخته البنت، وساءت حالته النفسية، سألته إن كان يملك ساعة؟ فأجاب بالنفي، فسألته ثانية: هل تستطيع شراء واحدة بالتقسيط فأجاب بعدم مقدرته ومن سيقسّط لفقير مثله، فناديت على (باسيل) بائع الساعات والموظّف في المؤسسة العامّة لسد الفرات، هات مالديك من ساعات فاخترت له ساعة كاسيو آلة حاسبة ب 800 ليرة هي الأفضل والأغلى ثمناً بين المجموعة، وقلت للبائع: برأس كل شهر تأخذ من هذا العسكري 100 وإذا تأخر تحاسبني وتشتكي عليّ انا، و زيّن العسكري معصمه بساعة ممتازة.

– شيء مضحك، وقصص طريفة حدثت معك وأنت المعروف بخفّة دمك؟

يضحك ويضيف: جاءني رجل دلّوه علي، قالوا له تباكى قليلاً عند الدكتور خليل فينزل بالسعر، أخذ يشكو وضعه المزري، وإنّه بحاجة لجسر في فمه، كانوا يتقاضون على هكذا جسر 3000 ليرة وخفّضت له السعر إلى  600 ليرة وكنت أنوي جعله مجانياً، المهم بدأ الرجل بالبكاء، ونزلت دموعه، وكان عندي ممرض من دير الزور رقّ لحاله ونزلت دموعه هو الآخر، أنهيت العلاج وجاء دور الدّفع، فأخرج رزمة سميكة من الخمسميات وياللدهشة! بدأ بالعدّ أخذت منه الأجر وبحثنا مطولاً لنصرف خمسمئة من أجل المئة ليرة الباقية، لأعلم فيما بعد أن عنده صالة ضخمة لبيع السجاد، شاهدتها بنفسي.

رجل آخر سألني في الشارع أنّ عنده سن أمامي ملتهب يتحرك لكلّ الجهات وبحاجة للقلع، مددت يدي في فمه، لمست السن، فتلته وأحضرته وسألته: هل هذا هو، عقدت الدهشة لسانه، عادة هكذا سن يحتاج لزيارة عيادة وإبرة بنج ونصف ساعة لمفعول البنج وثم يأتي القلع، كي يتقاضى الطبيب مبلعاً محرزاً، أما هذا فكان مجاناً بدون مقابل.

– لوحاتك جميلة جداً؟

بدأت الرسم بعمر 4 سنوات، كلّفتني معلّمة الروضة برسم صورة لعسكري من كتاب المدرسة وأوقفتني على الطاولة ورسمتها على السبّورة، كانت رسمة جميلة، أغلب لوحاتي رسمتها في الستينات، عددها كبير وأهديتها جميعها تقريباً، وبقي ثلاثة فقط لديّ، وهي تتبع للمدرسة الوحشية، اعتمدّت الألوان الزيتية وألوان الغواش ومارست فن الحرق على الخشب، فرسمت كلّ انواع الصور، وآخر لوحة رسمتها كانت ب 1981.

– بطاقتك

مواليد 1943 بالهوية، ولدت بالأرجنتين 1939 لأب سوري وأم أرجنتينية، عندما جاءت العائلة إلى سورية كان عمري 10 سنوات.

أخيراً

شكراً لك دكتور خليل، ما زلت تمتلئ بالحيوية والحركة والابتسامة، تمارس اليوغا والعادات الصّحية، لم تستسلم للشيخوخة فنسيتها ونسيتك، و كلّ هذا غيض من فيض

أحمد كريم منصور

تصفح المزيد..
آخر الأخبار