الوحدة 24-11-2020
تعد الأمثال مرآة صامتة لحضارة أي شعب وضروب تفكيره وعاداته وتقاليده ومناحي فلسفته ومثل الأخلاقية والاجتماعية ذلك أنها تربط ماضي الشعب بحاضره مما يشكل جزءاً هاماً من تاريخه ، ومن هنا ضرب أهل اليونان مثلهم الشهير التاريخ فلسفة مستمدة من الأمثال .
هذا ما جاء عليه الأستاذ بسام جبلاوي في محاضرة قدمها بجمعية عاديات اللاذقية وتابع قائلاً :
وليس في كلام الناس أوجز من الأمثال فهي كلمات قليلة تحمل الكثير من المعاني وتستثير على قلتها أحداثاً تاريخية .
كيف الحال مع الأمثال لشعب من أشهر أمثاله : إذا قال الغجري الحقيقة مرة في حياته يقضم أصابعه ندماً، ناهيك عن استحالة استقصاء أمثال الغجر وهذا يعود لأسباب عدة منها : تاريخ الغجر الغامض أو كما قيل (عالم الغجر محاط بأسوار عالية تمنع دخول الأغراب إليه كما تمنع خروج أبنائه منه ) عدم وجود أي مؤلف وندرة المراجع بتراث الغجر، امتداد الفترة الزمانية لجمع أمثالها، امتداد الرقعة الجغرافية لقائلي الأمثال يشمل العالم كله عندما خاطب الغجري آخر (لا تنس أن العالم كله وطنك) .
تحدث مطولاً عن الغجر بين الحقيقة والخيال : فمعظم الدراسات والكتابات فيها من نسج الخيال أكثر من صلب الحقيقة لا سيما وهم أشهر الشعوب الجوالة ناهيك عن الطرد الذي ظل يلاحقهم في كل مكان حلوا فيه، ومن أربعة أجيال فقط لم يعودوا كذلك وأصبحوا لا يبدلون البيت أو محل إقامتهم .
لطالما كانت العزلة خيارهم (لم أر صديقاً أفضل من العزلة )، (من لا يستمتع بالعزلة لن يهوى الحرية) ،(خلق الله الحرية ووضع الإنسان العبودية ).
نظرة سلبية عن الغجر تبرز في استعمال كلمة (غجر) كشتيمة في بعض الدول (ناس غجر) ولا يعتقدون أن تسمية جديدة ستغير نظرة الناس كما جاء بأمثالهم (كونك غجرياً فهذا يعني أنك ستتعرض لأبشع أشكال التمييز)، وهو ما شل تياراً عاصفاً عاشقاً للعزلة، والعيش بحرية (وطن الغجري حيث نام سعيداً وغنى نشيداً).
وبغض النظر عن الصورة التي يحملها الناس أو يتداولونها عن الغجر إلا أنه لا يمكن تجاهل حضورهم في الثقافة الكونية وتشييد بعض مقوماتها الفنية والأدبية وهذا ما نراه على سبيل المثال في لوحات عباقرة الفن التشكيلي وصورهم الجميلة لفتيات الغجر والتي أتت رمزاً للجمال والتمرد كما في الشعر العربي .
يرسمون وطنهم وينشدون حياتهم كما قالوا في واحد من أمثالهم :(الوطن حيث أرقص بملء روحي )، (نحن بلا أرض ولا هوية ونقتات من السحر والرقص والعزف ) لعلهم عشقوا تخلفهم الذي يحبون به حريتهم واعتبروا أن ما تملكه يملكك فاختاروا اللامبالاة الساخرة حيال كل الصراعات الكبرى والصغرى التي دارت حولهم ، قال أحدهم 🙁 إن ابتعادنا عن البشر لا يعني كرهاً ، العزلة وطن للأرواح المتعبة ) الغجر أو ملح الأرض كما يطلق الغجر على أنفسهم مجموعات آمنت أن كل الأرض وطنهم ، (نحن نملك الأرض طولاً وعرضاً).
يجد نفسه حراً حتى من الوقت : ( لاتبق في الماضي، لا تحلم بالمستقبل، لا تتعب نفسك إلا ليومك، انس الوقت تصير حراً ) .لهم فلسفة الحياة التي يعيشونها ويسردونها بمثلهم ( التغيير ليس مؤلماً, مقاومة التغيير هو ما يجلب الألم) وإذا كان هذا معتقدهم فهو لا يخلو من تحد نلمسه ( إذا قطعت غجرياً إلى عشرة أقسام فلا تظن أنك قتلته، وإنما أنت في الحقيقة صنعت منه عشرة غجريين ) وهم مؤمنون بأن (الرزق بدو نط )، (مكتوب على جبيني أمي الريح لا تستقر في أي مكان وتحملني معها ).
وإذا كان للغجر لغة فهي بلا شك الموسيقى في دمهم ولا تفارقهم ونسغ حياة ( ليس لي أصدقاء أنت وحدك يا كماني ترافقني في هذا العالم.
إنها موسيقى فريدة من نوعها ومجانية أحياناً يتبرع السائح ببعض السنتات ، وهم يحذرون في الوقت عينه من لا شاركهم ذلك بقولهم (احترس من هذا الرجل إنه لا يحب الموسيقى (ابق حيث الغناء الأشرار لا يغنون ).
هدى سلوم