(نحو حضارة جديدة) ودراسة في كتاب المفكر أحمد حيدر

الوحدة : 10-11-2020

 (إنسان القضية وإنسان العيش) عنوان مستمد من أحد فصول كتاب المفكر أحمد حيدر الذي ناقش هذا المفهوم بتفصيل دقيق: أظهر من خلاله العلاقة بين أسلوب الحياة والمشروع، واعتبر المشروع المأخوذ من فلسفة سارتر هو التحقيق العيني للأسلوب، أي هو طريقة تجلي الأسلوب في الحياة، ورأى أن العلاقة بين الأسلوب والمشروع أشبه بالعلاقة بين النزوع وشكل تحقيقه، أو طريقة إروائه، فالغرائز محددة مثلاً، ولكن طرائق إشباعها متعددة، فالنزوع بنية فارغة تبحث عن مضمونها، مشروعها، أو تحققها العيني، وقد يكون هذا المشروع وهذا التحقق في الفناء الصوفي أو الاستشهاد أو القيادة والسلطة السياسية، وقد يكون في الإبداع أو الكشف العلمي، ونحن هنا نجد أن الإنسان لا يملك سوى أن يختار بين أسلوبين أساسيين فإما أن يعيش هذه الحياة ويستمتع بها، وإما أن يجعلها معبراً وطريقاً نحو قضية من القضايا، بهذه المقدمة المفصلة استهل رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب باللاذقية الدكتور: صلاح الدين يونس محاضرة الأديب صالح سميا- حيث ألقاها نيابة عنه- والتي حملت عنوان: دراسة في كتاب المفكر أحمد حيدر (نحو حضارة جديدة) وذلك في صالة الجولان بمقر الفرع، في مادتنا الآتية نسلط الضوء على أهم ما جاء فيها من محاور وأفكار…

 بداية أشار المحاضر أن (حيدر) حدد أسلوبين: أسلوب القضية هو الصوفي أو الشهيد أو المناضل يوجه حياته نحو هدف سام،وأسلوب العيش أو إنسان العيش الذي يعتصر لحظات حياته ليستنفذ منها آخر قطرة من اللذة.

 أما القضية فهي الغائية التي تفسر أحداث حياة ما، والعلة الغائية لا تفعل إلا فيما هو متمتع بالوعي، ولذلك لا تفعل إلا فيما هو إنساني، وهذه العلة تشترط النية الصادقة، وبذلك تصبح القضية هدفاً وقيمة ومعنىً، وهي الماهية التي من خلالها نحقق كمالنا الذاتي، وإنسان القضية لا يوازن بين الربح والخسارة وهو شخصية عالية وثيقة البنيان، متحررة من أغلالها، لا يمكن أن ينحرف أو يبيع نفسه، هو صوفي عقلاني يقترب من الصوفية في كونه رقيب ذاته، والعقل عنده في خدمة القضية، وهو ديالكتيكي منذور للمستقبل، ثراؤه فيما يحمله من قيم بينما إنسان العيش يرى ثراؤه الذاتي فيما يأخذه من العالم من مال وجاه اجتماعي.

 فهو منذور للحاضر يعيش الحاضر, وأوضح د.يونس : أن المفكر حيدر يرى إنسان القضية يفتقر إلى المرونة فهو إما أن ينتصر أو يتحطم فقد اختار طريق المقاومة الصعبة، أما إنسان العيش فيملك بنية معطاة له من الخارج من القوانين البيولوجية والاجتماعية، شخصية غير واضحة، متهافت، مستسلم للراحة والسكون، يبحث عن الضجيج والترف والشبع بعيداً عن الحس الأخلاقي الذي هو حس القضية.

 وصاحب القضية إنسان حوار يسعى لبلوغ الأنا الأعلى التي هي مجموعة قيم ومنظومة معانٍ وحكم القيمة هو حكم وجود. والنقيض هو إنسان العيش الفاقد للقيمة والمعتمد على الفردية والذاتية. وشدّد المحاضر: أن الذات هي بنية صورية ثابتة تتألف من جملة الخصائص أو الأبعاد التي تتمتع بها، وهذه البنية الصورية ليست سوى معنى مجرداً لا وجود له في الواقع، وأن الموجود في الواقع هو التحقق العيني لهذه الأبعاد والأطر. وختم د. صلاح الدين يونس المحاضرة بالحديث عن رواية المفكر أحمد حيدر، والتي حملت عنوان ( الحياة في الظل) وتجسد تهافت الفرد المعزول على مستوى العيش بعد أن انعدم لديه النزوع نحو القضية بعد أن أصبح الوجود ذاتاً مفككة في عصرنا الحالي، وتخلّى الاستقرار عن مكانه للدوامة، والهويات للاختلاف، والوحدة للمتعددات، والوجود لفلسفة اللغة كما هو الحال عند هيدجر، والمليء للفارغ والصواب للخطأ.

رفيدة يونس أحمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار