الخبز.. والبطاقة الذكية في طرطوس

الوحدة : 11-10-2020

 لن نجد أنفسنا مضطرين لتلك البدايات التي التي اعتدتم عليها، وفعلياً لا نحتاجها في هذا المقال أبداً، فهنا لن نتعب تلافيق دماغنا أو نرهق أقلامنا، فقط هي (شوية) معلومات وبعدها ستكتشفون لوحدكم حجم التناقض المرعب في قضية توزيع الخبز على البطاقة (الذكية طبعاً)، أو بالأحرى حجم الخديعة.

تصريحات رسمية

اتخذ القرار بفرض توزيع الخبز على البطاقة، لن نتكلم أو ننبس ببنت شفة عمن اتخذ هذا القرار  الأسطوري بعد سلسلة الفشل الشنيع في تجارب سابقة كالغاز- المازوت- المواد التموينية، وما خلقته هذه البطاقة من مشاكل متتابعة بدءاً التعديلات (الغريبة العجيبة) التي أرهقت المواطنين ثم الاعتذارات المتتالية عن عدم توفر المواد وليس انتهاء بمشكلة الطوابير التي أصبحت سمة تميزنا بين بلدان العالم (للأسف)، وأثبتت بالفعل اعتباطية هذا القرار وأن إطلاق هذا المشروع كان بمثابة التجريب على المواطنين، بل سنناقش بما لا يدع مجالاً للشك بكلامنا أمام جمهور القراء والمواطنين أولاً – لأنهم الأهم – وأمام السادة في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أخيراً- لأنهم أصحاب المشكلة-  هذا الموضوع في طرطوس كمثال صارخ يوضح لنا حقيقة الموقف بكل شفافية ويفند تلك الادعاءات المخملية عن صوابية هذا القرار، وسنعتمد على ما صرح به السيد معاون الوزير- رفعت سليمان – أثناء اجتماعه خلال الأسبوع الماضي مع صحفيي طرطوس بالأرقام التالية:

 – حصة طرطوس تبلغ 325 طن  طحين يومياً.

– كل طن ينتج من 800 إلى 862 ربطة خبز.

– عدد البطاقات المسجلة في طرطوس 279000 بطاقة.

عذراً.. هذه أرقامكم

(شوية تركيز) معنا وستكتشفون عدم صلاحية هذه الأرقام؟

( 325 طناً من الطحين) × ( 862 ربطة خبز إنتاج كل طن ) = 280150 ربطة خبز.

لو قسمنا عدد (ربط الخبز)  على عدد البطاقات سنكتشف أن كل بطاقة تستهلك ربطة خبز واحدة (وكم لقمة) كيف ذلك؟

إن كان نظام الشرائح التي زودتنا بها الوزارة يقول: الشريحة الأولى  46 % تحصل على ربطة واحدة ، الشريحة الثانية 30% ربطتين، الشريحة الثالثة 19% ثلاث ربطات، الشريحة الرابعة 5% أربع ربطات.

بما يعني وحسب نفس هذه الأرقام أن طرطوس تحتاج إلى:

الشريحة الأولى128340 ربطة خبز.

الشريحة الثانية167400 ربطة.

الشريحة الثالثة159030 ربطة.

الشريحة الرابعة 55800 ربطة.

المجموع كلياً 510570  ربطة.

أي أن محافظة طرطوس تحتاج إلى ضعف كمية الطحين المصرح بها لتغطية حاجتها الفعلية وتحديداً 592 طناً، إلا إذا كان نصف السكان لا يأكلون الخبز يومياً (عم يعملوا ريجيم مثلاً) ، فكيف يتم الادعاء أن البطاقة تلبي احتياجات المواطنين الفعلية إذا كانت نصف الكمية المطلوبة حسب نظام الشرائح في بطاقاتكم مفقودة، وهل حاجة طرطوس تستلزم هذا الرقم فعلاً؟

العجيب .. والأعجب

العجيب، هو عدم تطابق الأرقام والمعطيات بين الواقع الحقيقي على الأرض وبين مدخلات البطاقة التي بينت وجود ما يعادل 50 % نقص في الكمية، الأمر الأعجب فوق ذلك كله هو ادعاء الوزارة توفير 25 % من مخصصات الطحين، وليست المشكلة هنا اختلاف التصريحات عن الواقع كعادة الإدارات في تضخيم الإيجابيات والتقليل من السلبيات، بل في حقيقة تثبت العكس تماماً، نعم ، عكس كل تلك التبريرات والحجج التي أطلقت عن فائدة وإيجابية وتوفير (وعشوي ربانية هذه المشروع)، فالحقيقة التي تحاول الوزارة إخفاءها هي زيادة استهلاك الطحين في طرطوس، بدليل أن مخصصات المحافظة كانت السنة الماضية ما يقارب 320 طناً يومياً لترتفع هذه السنة بعد تطبيق نظام البيع على البطاقة إلى 331 طناً يومياً. والبعض همس لنا سراً بأن الاستهلاك ارتفع مجدداً والكمية قاربت الوصول إلى 350 طناً، والارتفاع في استمرار.

لماذا الهروب؟

بعد الكثير من الاتصالات التلفونية والرجاءات الشخصية، وبعد تهرب الأكثرية في الوزارة من الإجابة على أسئلتنا بشأن هذه الأرقام وعدم صوابيتها وهل هناك فعلاً زيادة في الاستهلاك؟  تكرم معاون الوزير بالرد على اتصالنا في البداية ووعدنا بمعاودة الاتصال مع كامل الأجوبة لاحقاً، لكنه حين عاود الاتصال مساء طلب منا مراجعة المديرية في طرطوس محتجاً بأن الأرقام ليست بحوزته لحظتها، ورغم إلحاحنا الشديد رفض تزويدنا بأية معلومات، لكن عند الشرح له بأن عدد ربط الخبز حسب نظام الشرائح لا يتناسب مع عدد البطاقات، أجابنا أن بعض البطاقات المسجلة في محافظة طرطوس هي لوافدين أقاموا فيها ثم عادوا لمحافظاتهم وهذا ما يفسر الفرق، هنا نشأت معضلة إضافية، وهي أن هذا الادعاء يفرض نقصاً في كمية استهلاك الطحين المخصصة وليس الزيادة كما يحصل الآن، ليجيب أن لا علم له بزيادة الاستهلاك وهذا الأمر من اختصاص المحافظ .

أما السيد مدير عام الحبوب في الوزارة – يوسف قاسم – رد على اتصالنا مشكوراً وبدل أن يجيب على سؤالنا الوحيد بحقيقة أو كذب ازدياد الاستهلاك، شرع بتوجيه الأسئلة لنا وتمييع الموضوع تهرباً من الإجابة ، ثم الادعاء بأن سؤالنا ليس من اختصاصه (اختصاص مين مثلاً)!

بدها انشتاين

قبل البطاقة كانت طرطوس تستهلك 320 طناً من الطحين، ولكن نظام البطاقة الذكية يقول إنها تحتاج 592 طناً لتحقيق توفير نسبته 25 % ، حاولنا باستخدام كل قواعد الرياضيات ونظريات أنشتاين حل هذه المعضلة الحسابية وعجزنا عن ذلك، فما الخطأ هنا؟ وأين تكمن المشكلة؟ طبعاً لا نستطيع تحديد مكمن هذا الخطأ بدقة لأننا لسنا في موقع يسمح لنا بالاطلاع على دقائق الأمور، لكن بنظرة متفحصة مثلنا مثل أي مواطن نستطيع التخمين أن هذا الخطأ ناتح عن سببين:

– قد يكون الخطأ في نظام البطاقة نفسه، من ناحية عدد البطاقات الذي قد يكون وهمياً أو مبالغاً فيه، وهنا يحب مراجعة قاعدة البيانات للشركة المبرمجة والمصدرة لهذه البطاقة للتأكد من العدد الحقيقي للبطاقات المستعملة فعلياً.

– قد تكون الإحصاءات والأرقام الصادرة عن الوزارة غير صحيحة بالمطلق بقصد الادعاء بتحقيق نجاحات خلبية أو دون قصد كنتيجة طبيعية لأخطاء بشرية وإهمال وظيفي، والخطأ هنا يكمن في عدد الأطنان المخصصة للمحافظة أو كمية (ربط الخبز) التي ينتجها كل طن.

وفي كلا الاحتمالين السابقين هناك شيء مبهم،  نحاول فهمه فقط .

 كنان وقاف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار