الوحدة 30-9-2020
هل حقق الآباء ما كان يداعب مخيلاتهم من أحلام لما سيحققونه مستقبلاً وهل لذلك دور في التدخل في أحلام أبنائهم؟
أطفال صغار رسموا في مخيلتهم مشاريع مستقبلية واختلفت أحلامهم باختلاف ظروفهم العائلية أو الاجتماعية وكبار تحققت أحلامهم فهل كانت حسب ما رسمته مخيلة الطفولة؟
سؤال كثيراً ما تردد على مسامعنا، ماذا تريد أن تصبح في المستقبل، وإذا عددنا ماهي الأماني التي كنا نحلم بتحقيقها ربما عجزنا عن تعدادها.
فيما مضى كنا نتمنى أن نصبح أطباء ومهندسين ومعلمين انطلاقاً من رغبة داخلية في حب التعلم والسعي للتفوق والتميز في المجتمع لكن اليوم بات الطفل يتمنى أن يصبح أي شيء شريطة أن يوفر له الدعم المادي في المقام الأول مهما كان ما يتمنى أن يكون عليه.
في مرحلة الطفولة قد يتمنى الطفل أن يصبح مثل أبيه أو أمه أو معلمه أو تكون هناك قدوة معينة يريد أن يحتذي بها ويصل الأمر أن يتمنى أن يصبح كأي شخصية تلفزيونية فنية سياسية، رياضية وما شابه.
تقول السيدة بثينة إن مهنة المستقبل هي الأمل الذي يبني عليه الناس الكثير من طموحاتهم وأحلامهم بالوصول إلى عالم يحقق لهم الدخل المادي والمكانة الاجتماعية المرموقة وتضيف أن مهنة المستقبل عند الناس تتحدد نتيجة ظروف عديدة مروا بها بحياتهم وأهمها الظروف الاقتصادية حيث أصبح كل شيء مرهوناً بالمال وسوق العمل حيث يختارون ممارسة مهن ﻻ يرغبون بها وﻻ تتوافق مع أحلامهم ولكن الوضع والظرف يفرض نفسه.
بدأت لميس الفندي كلامها قائلة: كثيراً ما راودني حلم بأن أكون طبيبة في المستقبل أداوي المرضى وأقدم لهم العلاج وكثيراً ما كان يستهويني بأن أنادى دكتورة وكبرت وكبر معي الحلم ولكن عندما صدرت نتائج الثانوية ولم يكن المجموع يؤهلني لدراسة الطب وبعد أن قررت أن أعيد الثانوية لأحصل على مجموع العلامات الذي سيؤهلني لتحقيق مبتغاي نصحني قريب لنا دكتور بالجامعة بألا أعيد الثانوية وأن أسجل بكلية التربية وهي كانت كلية حديثة في جامعة تشرين وأن أتفوق وأحصل على الدكتوراه فيها وبهذا يتحقق حلمي ويشار بالبنان لي دكتورة وبالفعل درست وتفوقت وحصلت على شهادة الباسل وهيأت نفسي لأتابع دراستي بإيفاد خارجي وهنا أيضاً لم يتحقق هذا الحلم لأني تزوجت من ضابط في الجيش ففضلته على الشهادة ورزقت بثلاثة أطفال كانوا الحلم الأغلى وفضلت زواجي على الشهادة وزوجي فضل الاستشهاد في سبيل الوطن ومع هذا كله أسعى لتحقيق أحلامي بأن يحقق أولادي ما يسعون لتحقيقه حيث يفضل ولداي التوءمان حسن وحسين دراسة الهندسات والصغير مصطفى تارة يفكر بأن يكون طبيباً وتارة معلقاً رياضياً وكل يوم تستهويه رغبة مختلفة عن سابقتها حسب ما يرى ويسمع وترى لميس أنه من المفروض تعليم الطفل وتدريبه على تطويع حلمه على حسب ما يفرضه الواقع من خلال اطلاعه على أساليب الحياة وإشراكه في اتخاذ القرار وهي تحاول أن تعودهم على نمط تفكير سليم فيما يخص اختياراتهم وحياتهم ومستقبلهم.
ولاء معلا أم لثلاثة أطفال توائم وهي مدرسة فنون تذكر بداية كانت تحلم بأن تصبح ممرضة مثل أمها وكثيراً ما شجعتها ولكن مع مرور الوقت تغيرت ميولها ووجدت في داخلها حباً قوياً للرسم والفنون ودخلت معهد الفنون النسوية قسم رسم والآن تخطط لرسم لوحات بعدما كبر أولادها نوعاً ما ولهم أحلامهم حيث يحلم عبد الله ويتمنى أن يصبح شيفاً متمثلاً ومقتدياً بأمه ويتمنى أن يمتلك مطعماً يوماً ما عندما يكبر وبين عبد الله أن رغبته تلك ناجمة من مشاهدته لأمه وهي تعد بفن وذوق أفضل أنواع الطعام والحلويات ويسمع الجميع يطري على طبخها ويقول لها ما أطيب طبخك فيريد أن يسمع في مستقبل الأيام من يقول له ما أطيب طبخك أما يوسف فهو يحب كرة القدم وكأطفال كثر غيره يرغب أن يكون مثل ميسي معتقداً أنه بطل رياضي حقق النجومية والشهرة وجنى الكثير من الأموال فإن تحققت رغبته سيجني ثروة طائلة بنظره ويكون قادراً على مساعدة أهله وشراء كل ما يرغب به في البداية استغربت أمه من رغبته تلك وبعد تفكير توضح لها أن ذلك لم يأت من عبث مشيرة إلى أن الوضع الراهن بدأ يرخي بظلاله على الأطفال ويؤثر على طريقة حياتهم وأسلوب تفكيرهم ونتيجة تكرار الكلام عن ميسي وما كان وما صار عليه استحوذت الفكرة على ذهنه وترسخت بأن يصبح حلما يسعى لتحقيقه وعلى ما يبدو من وجهة نظر مادية بحتة، بينما غدير متقلب المزاج لم تختمر بعد في مخيلته ما سيكون عليه مستقبلاً.
وعند سؤالنا السيدة ولاء إن كان لها دور في تشكيل هذه الآراء والأحلام نفت أن يكون لها أدنى دور فهي تتركهم على سجيتهم ليكونوا قادرين على بناء شخصية مستقلة قوية تكون قادرة على تحديد ما تريد.
هديل طالبة في مرحلة الإعدادية تقول: أود لو يسمح أهلي بأن أدخل الثانوية الصناعية وأتفوق فيها لكي أدرس هندسة كهرباء فتقاطعها أمها قائلة من الأفضل لو تجلسين في البيت ولا داعي للدراسة إن كنت تودين دخول الثانوية الصناعية.
أما أحمد فتمنى أن يصبح طبيباً ولكن دارت به الأيام وأخذته بعيداً عن تحقيق حلمه فدرس معهد صناعات نسيجية ويعزي سبب ذلك إلى رفاق السوء وهو ابن طبقة فقيرة رافق أبناء الطبقة الغنية فتاه بينهم وهو غير قادر على مجاراتهم فجرت رياحه بما ﻻ تشتهي سفنه متمنياً أن يكون ولده حيدرة قادراً على تحقيق حلمه في أن يصبح طبيباً وهو التلميذ المتفوق في دراسته نافياً أن يكون قد يمارس عليه أي ضغط في تشكيل وتحديد شخصيته.
هذه الآراء طرحناها على الدكتورة إيفا خرما أستاذ مساعد في علم الاجتماع والتي قالت: في مخيلة كل طفل حلم ومن الطبيعي أن تختلف أحلام الأطفال باختلاف ظروفهم وتضيف إن مهنة المستقبل هي أكثر ما يشغل البال منذ الصغر ويبني الفرد عليها الكثير من طموحاته وأحلامه وتتحدد مهنة المستقبل عند الناس نتيجة العديد من الظروف التي يمرون بها في حياتهم فالبعض يختار مهنته نتيجة موقف مربه في حياته أو يتمنى أن يصبح كما كان والداه وأصبح الكثير في ظل الظروف الحالية يرغبون بممارسة مهن لا تتوافق مع طموحاتهم وإنما حسب ما يفرضه الوضع المحيط والذي يحقق لهم دخلاً مادياً ومكانة اجتماعية.
وعادة ما يفكر الوالدان في رسم مستقبل أبنائهم ونوع الدراسة والمهنة التي تناسب قدراتهم ومؤهلاتهم وهذا حسب ثقافة ووعي الوالدين ومعرفتهم باتجاهات أبنائهم،
وهذا ما يبين لنا الدور الفعال الذي يقوم به الوالدان والمؤثر في سلوك وتفكير الأبناء ونظرتهم للحياة العملية لافتة أن دور الأسرة يجب ألا يتعدى مساحة التشاور والحوار بعيداً عن إجبار الأبناء على دراسة تخصص معين لا يرغبه الأبناء لأن ذلك سيؤدي إلى نتائج عكسية يتحمل عواقبها الأبناء والأسرة معاً.
وعن الآثار السلبية التي خلفتها الحرب في نفسية الأطفال وطموحاتهم وأحلامهم تتابع أن الحرب وما أفرزته من ضغوط اجتماعية واقتصادية أثرت سلباً على الأطفال وألحقت بهم ردات فعل نفسية وسلوكية انعكست على خياراتهم في المستقبل والأشياء التي يحلمون في تحقيقها ومن خلال مشاهدتنا للأطفال في المدارس في ظل الحرب وفي ظل الحصار الاقتصادي يتبين لنا الوصع النفسي لأطفال أقصى أحلامهم تحقيق الأمان والعودة لمنازلهم التي تهجروا منها وكما أن الأوضاع المعيشية الصعبة والظروف القاسية التي يعانيها اأطفال في منازل مكتظة وغير معدة للسكن أصلاً وانقطاع للكهرباء والماء وفقدان خدمات حيوية تلغي خصوصية العائلة وتمنع الأبوين من التواصل إيجابياً مع أطفالهم والاهتمام بهم بشكل مباشر وكما يحرم الطفل من مكان مناسب للدراسة يضاف إلى هذه معاناة الأطفال الذين شهدوا فقدان أحد ذويهم جراء الحرب حيث تظهر عليهم سلوكيات تشير بوضوح إلى نفسيات مضطربة غير متوازنة تعاني الحزن والعنف أحياناً بالإضافة إلى اللامبالاة وعدم الاكتراث بالحاضر أو المستقبل.
وتشير إلى بعض المقترحات من شأنها تحقيق الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال كتفعيل برامج علاجية متكاملة وبرامج دعم نفسي واجتماعي للأطفال بالتوازن مع برامج أخرى تدعم أسرهم اقتصادياً ونفسياً كي يتحقق التكامل بين البرنامج المدرسي والبيتي مع رفع كفاءة العاملين مع الأطفال من معلمين وداعمين نفسيين ومرشدين اجتماعيين وحتىالأهالي.
تذكر الدكتورة خرما منذ صغري كنت أود أن أصبح دكتورة وكانت فكرة الدكتورة هي في الطب البشري لكن في الواقع كانت ميولي أدبية، ذلك لم يمنع من تحقيق حلمي في أن أبدع في مجال أحبه أنا وهو علم الاجتماع وتشير إلى أن الإنسان قادر في أي مجال سواء في الطب أو المحاماة أن يحقق حلمه.
نجود سقور