بلاد وعباد .. إنا منتظرون…

الوحدة 29-9-2020


عندما تسير في شوارع مدينتك.. تتأكد أنك من المغضوب عليهم..

مدينة هي قبلة للراغبين بالتنفس بثقة عبر بحرها, أو على سفح جبل من جبالها.. وما أكثرهم رغم كل ما نعيش من ظروف.

هي مدينة الأشقياء؟ سؤال يلح, وأنت تجيب بثقة: لا

فقد تعودنا على العيش مع الروائح الكريهة المنبعثة من قمامة متروكة لأيام, ومن منافذ الصرف الصحي, وحتى من البحر في كثير من الأحيان!

حيثما مشيت في مدينة طرطوس.. ترى القمامة, وفي كل الأوقات..

وقد يجد العالم حلا للكورونا ولا تجد بلدية طرطوس الحل.

أما سكان المدينة فراضون, مرضيون.. وحتى يخففوا من حرارة شديدة, ورطوبة أشد يفتح الكثيرون منهم  صنابير مياههم, ويملؤون شوارعهم  بسيول من مياه تتجمع في الحفر,  وما أكثرها.. ثم يجلسون فرحين بنسائم لساعة ربما أو أقل..

على رصيف مقابل لكلية الآداب.. ينام طفل لم يبلغ العاشرة بعد – حسبما رأيت – يتدثر بغطاء هو أقذر من القذارة المنتشرة في كل مكان..

قذارة النفوس أصعب.. نفوس من مروا دون أن يرموه, ولو بكلمة..

يقول شباب يقفون بجانبه: أنه ينام هنا منذ أكثر من شهر, وأن فريقاً من الصليب الأحمر مر به, وشاهده.. وفرح الشباب لكن الفريق لم يشاهد, ولم يفرح لمساعدته!

أما الطفل فيقول أنه بلا أب أو أم .. هو من حلب.. وبينما تقول الجهات المختصة في المحافظة, وفي اتصال سابق للحديث عن قضايا مشابهة, وما أكثرها: لا إمكانيات حالية لضبط هكذا حالات..

الأمر متروك للرب.. وتسألون عن الكورونا؟

امشوا في شوارع طرطوس البائسة فقط لتعرفوا أن الضمائر اليوم مستترة أو غائبة..

وكل النفوس مكتومة..

وأن الهم والهاجس اليوم ربطة الخبز, وكيلو الأرز, والسكر, وعبوة الزيت..  كل الأحلام, والآمال..

وأما الموظف الذي يحلم بزيادة الرواتب.. فيقول: سعر ربطة الخبز الأسمر ارتفع بين ليلة, وضحاها من الخمسمائة حتى الألف مع ابتسامة عريضة للبائع..

الشامبو الذي كنا نحتقره لرداءة الصنع.. صرنا نحلم بشرائه!

ركوب التاكسي.. والأجور المتضاعفة… بل اختفاء السيارات الصفر التي كانت تصطف على جانبي الرصيف بانتظار إشارة من مستعجل..

هم اليوم يبيعون مخصصاتهم من البنزين بأضعاف مضاعفة للراغبين, وما أ كثرهم حيث ينام السائق مرتاح البال, لا يحمل هم دواليب من طرقات وعرة, واسفلت مضروب, ولا هم زيت محرك, أو إضاءة .. ولا من يحزنون.. راحة يتمنون لو تستمر, فالعمل مضنٍ, وانتظار دور البنزين شر لا بد منه.

وبينما يفرح سائقو السرافيس في تكديس الركاب الذين يقبلون, ويشربون كؤوس الذل ناسين, أو متناسين توصيات الحذر من وباء أغلق العالم, ولم يغلق أبواب السرافيس المهترئة.. كؤوس ذل يشربها الموظف المحاصر من كل حدب وصوب.. وخاصة أولياء الطلبة مع افتتاح المدارس..لا تخافوا.. أولادكم أبناء الحياة.. هم أمانة في أعناق الأقدار, والمعلمين, والإدارة, والصفوف المتهالكة..

المدارس التي تحتاج لترميم لم تدرج في جداول أعمال مسؤوليها.. فالحلول مركزية, وكلها موجودة في الحقائب الوزارية وخطط العمل الدورية.. فانتظروا.. إنا منتظرون.

سعاد سليمان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار