أسعاره جاورت الأحلام وهو بلدي بامتياز!.. الزيت والزيتون.. دواء للعلل وصاحب السفرة العامرة بكل الفوائد

الوحدة: 28- 9- 2020

 

كلمات وأقاويل عن الزيت والزيتون وعن تجربة تفنّن بصياغتها الأجداد والمعمّرين ووُصف بسيد الأطباق حيث أشادوا بعظمة فوائده وأطلقوا عليه مسميات تشبه الحكم ومنها: (خبزي وزيتي عمارة بيتي – القمح والزيت عمار البيت- إذا كان في البيت خبز وزيت، وقفت أنا وغنيت- خلي الزيت في جراره حتى تجيك أسعاره ..) والمقولات كثيرة.

 الشهر العاشر من كل عام هو شهر جني موسم الزيتون وحصاد تعب فلاح بسيط كان جُل اهتمامه طوال الفصول الأربعة هو تقديم الخدمات العديدة والعناية لتلك الشجرة التي تعطي أكثر مما تأخذ، وهي رفيقة أغلب الأشجار الحراجية والمثمرة، تثمر وتعطي خيراتها في جميع الأراضي والجبال، لأنواعه أسماء تختلف من منطقة لأخرى بعضها: (الدرمليلي والخضيري والزويتيني والخشابي والصفراوي والدعيبلي … إلخ) ، غير أن عملية جني المحصول ليست بالسهلة فهي شاقة ومضنية جداً لكن انتشار الناس في البرية والجميع في أراض متجاورة هذا يعطي النفوس الكثير من الأمل والاطمئنان وبالتالي يُنسي العمّال مشقة الجني والعمل على مدار النهار، وتنتشر زراعة الزيتون على طول الساحل السوري وفي جباله وهضابه، بدءاً من الحدود الإدارية لمنطقة صافيتا المشهورة به، مروراً بمساحات كبيرة في جبال الدريكيش والشيخ بدر وسهول منطقة جبلة وجبالها وكذلك القرداحة والحفة وصولاً إلى الجانب التركي، حيث أن الزيتون شجرة حراجية تكتفي من العناية بعمليات تقليم متواضعة ويفضل أثناء جني المحصول وإذا أمكن حراثة ما حولها لتهوية تربتها وقتل الأعشاب الطفيلية والقيام بحرق نباتات الأشواك التي تعيق عمّال القطاف، وتقديم ما يتوفر من السماد الطبيعي أو الصناعي ليكون الموسم بأحسن حال، علماً أن هناك الكثير من الفلاحين والمهتمين لا يفضلون سوى السماد البقري الطبيعي (زبل البقر) وهو عن تجربة لسنوات طوال، حيث أن السماد الآزوتي لم يكن موجوداً على زمان أجدادنا وكبار السن الحاليين، وهم على حدّ تعبيرهم يتركون شجرة الزيتون تنمو بشكل كيفي من دون تدخل الأيدي البشرية وحتى كانت تمر أعوام كثيرة متتالية بدون حراثة الأرض إلا بقصد زراعتها بالحنطة أو بمحصول الفول الذي يغذي الزيتون بشكل كبير، وكانت الشجرة تعطي إنتاج بشكل طبيعي باستثناء سنة المعاومة التي تصيب الإنتاج حيث يكون المحصول غزيراً في عام وخفيفاً أو شبه معدوم العام التالي، ويقول فلاحون أن هناك أمراضاً أصبحت تصيب الشجرة وأوراقها وكذلك محصولها بعد أن أصبحت تتعرض للرش بالمبيدات وتقديم السماد (على حدّ زعمهم)، ومنها عين الطاووس وذبابة الزيتون وغيره.

وفي هذه الأثناء تستعد المعاصر بأنواعها وحداثتها من خلال التشغيل التجريبي وإجراء الصيانات على الآلات والقيام بعمليات النظافة لمكان توضع المحاصيل وكذلك إظهار مهارتها وجودتها من خلال القطعية التي ترضي الفلاحين وإنتاجهم.

كما أن للجني وعصر المحصول طرقاً متوارثة وبِدع تشتهر فيها بعض المناطق، حيث أن الغالبية يعتمدون على المعاصر الحديثة ويجارون تطورها ، وهذه المعاصر تقوم باستخلاص مادة الزيت بشكل كامل من معجون الزيتون بعد أن يتم طحنه ليصبح مختلط حيث تقوم الفرازة التي تعمل بالدوران السريع ( ٦٠٠٠ دورة في الدقيقة) بإبعاد الماء وجميع الشوارد التي تسمى الجفت، ويستقر الزيت بعذوبة في حوض مستقل، وفي مناطق أخرى يتم قطف الزيت عن طرق السلق، وتشتهر به مناطق جبلة ويسمى (زيت الخريج)، حيث يوضع بأواني كبيرة ويتم تسخينه بنار الحطب وتجفيفه على الأسطح ثم يخضع لعملية العصر، كما أن موعد عصر الزيتون في المعاصر الحديثة قد يتأخر لوقت الفجر وحينها يجتمع الفلاحين لسفرة طعام واحدة يبرز كل فلاح جودة صناعتهم المنزلية من الطعام وألطفها أقراص الشنكليش اللذيذة المغمورة بالزيت الطري الخارج لتوه من العصر، حيث يتبادلون أطراف النكت والحكايا وكذلك الأساطير.

التخلّص من مياه الجفت

وإنتاج زيت الزيتون يعاني من مشكلة بيئية كبيرة، تتمثل ببقايا الزيتون ومخلفات المعاصر، حيث لها تأثير كبير على البيئة والمياه الجوفية والصحة، خصوصاً وأن أغلب المناطق الساحلية تشتهر بالمياه الجوفية ومياه الجفت الناجمة عن عملية العصر تحتوي على نسب عالية ومرتفعة من مركبات الفوسفور والنشادر والحموضة المرتفعة الضارة والشحوم المتنوعة التي تسبب الكثير من الأذى والضرر، لذلك من الضروري قيام المعنيين بالصحة العامة والبيئة بمراقبة آلية عمل المعاصر والإشراف على قيام أصحاب المعاصر بتجميع مياه الجفت إلى جور فنية كتيمة والتأكد من إلقائها في الوديان والمسيلات الشتوية والمناطق الحراجية بشكل فني وعملي.

أما مخلفات عملية الطحن وهي استخراج العرجون وتعتبر مادة جيدة للتدفئة في المساحات الكبيرة حيث يعطي المكان السكينة والدفء ويخلّص الطبيعة والبيئة من مساوئه المتعددة حيث يحتوي على مواد خطيرة وأهمها وجود أحماض عضوية تعمل على تلوث المياه الجوفية والتربة.

فوائد زيت الزيتون الصحية

تناول زيت الزيتون على الريق يعمل على تحسين صحة البشرة والشعر والأظافر والعظام ويخفف من التهاب المفاصل ويقوي المعدة والأمعاء، كما أنه يقلل من خطر الإصابة بسرطان القولون، وينصح بتقديمه للأطفال الرضع عند بدئهم بتناول الطعام، وهو يقلل من الإصابة بسكري الحمل، كما يحتوي على مواد ودهون أحادية تقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب وضغط الدم ويقلل من خطر الإصابة بالسكتات الدماغية، كذلك له دور كبير في عمليات التنحيف حيث يعد مفيداً لخسارة الوزن إذا كان تناوله بشكل متوازن ومعتدل.

احتفالية الانتهاء من موسم جني الزيتون

يذكر أن أغلب المزارعين وورشات القطاف يقومون في نهاية موسم جني الزيتون باحتفاليات كبيرة على مستوى العائلة والجيران والأقارب، حيث تقام حفلات العشاء وأهم أركانها المشاوي بأنواعها المسقاة بالزيت الجديد، والتبولة وما لذّ وطاب من المشاريب المتنوعة، حيث تتعالى أصوات من يتقن فن الغناء الشعبي أو التباهي بمعزوفات فلكلورية تترافق مع اشتباكات الدبكة حتى ساعات الصباح، وخاصة إذا كان الموسم ذا مردود جيد يزيح حملاً كبيراً عن كاهل ربّ الأسرة المادي.

أسعار ظالمة

وفي نهاية المطاف نتحدث عن أسعار وقيمة هذا المنتج حيث أنه وكغيره من السلع قفز سعره إلى رقم جنوني جاور المائة ألف للكالون وزن ١٨ كغ، وهذا يعتبر فوق طاقة أصحاب الدخل المحدود، فيؤخذ على الفلاح والتاجر هذا الغلاء غير المنطقي وهو إنتاج طبيعي لم يطرأ عليه أي إجراء إضافي بخصوص ارتفاع التكاليف باستثناء عملية العصر وآجارها والتي تعد طبيعية نظراً لتشغيل الديزل وتشغيل الآلات على وقود المازوت، وهذا يتطلب زيادة ليست بالكبيرة على سعر الزيت الذي أصبح كغيره من المواد صعبة المنال للمواطن الذي لا يمتلك تلك الشجرة المباركة.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار