علي الباشا.. نحّاتُ مرحلة النحت المعاصرة

الوحدة: 24-8 -2020

 

علي دولة الباشا هو نحات تشكيلي شاب مفعم بطاقة فنيّة لدرجة الشغف بعالم النحت حصل على إجازة في الفنون الجميلة قسم النحت من جامعة دمشق سنة 2012، وحاصل أيضاً على درجة الماجستير من قسم النحت من جامعة دمشق 2020، ومحاضر في هذا القسم في جامعة دمشق منذ عام 2017.

شارك بعدة معارض بين المحافظات السورية دمشق، طرطوس واللاذقية، وبورشات عمل تخص النحت وعلى هامش مشاركته مؤخراً في معرض صيف اللاذقية كان لنا معه الوقفة التالية بدأها عن بداياته وشغفه بالنحت فقال منذ المرحلة الثانوية قمت بالتسجيل في مركز الفنون التشكيلية التابع للمركز الثقافي العربي في اللاذقية هذه الخطوة كانت مدعومة من والداي اللذين شجّعاني عندما أدركا موهبتي من الطفولة وهما بدورهما لديهما نفس الموهبة في المركز اخترت النحت إلى جانب التصوير كان التصوير والنحت متلازمان عندي في تنفيذ المشاريع لاسيما أنني أقوم بإخراج نسخ كل ذلك كان دافعاً للدخول والاستمرار في هذا المجال, ولا أزال أحتفظ ببعض النسخ فهي تعني لي الكثير وصرت مدرّساً لمادة النحت في مركز اللاذقية بعد تخرجي لكن ظروف دراستي الجامعية فيما بعد والماجستير أجبرتني الابتعاد عنه والاستقرار بدمشق لمتابعة أمور بحثي.

وعن فترة تحضير الماجستير الذي كان عن علاقة فن العمارة بالنحت يقول الباشا: هذه الفترة من الفترات الهامة بحياتي الفنيّة لقد تعرفت على شخصية الباحث, في حين كانت الدراسة في المرحلة الجامعية بمثابة تعريف الطالب على الفن وتاريخه وكيفية إنجاز أعمال فنيّة مدروسة من خلال إدراك أسس التصميم والتنفيذ وكان مشروع تخرجي بمثابة ثمرة هذه المعارف بعنوان /تكوينات إنسانية/ اعتمدت على دراسة حركات جسم الإنسان مع الكثير من المبالغات والتحوير للوصول إلى تشكيلات تتمتع بقدر كبير من الليونة ومفعمة بالحركة مبتعداً عن الواقعية في محاولةٍ لاكتشاف رؤى جديدة لجسد الإنسان.

وبالحديث عن الماجستير بحثت عن جدلية في فن النحت وعلى وجه التحديد أثارني موضوع العلاقات بين النحت والعمارة في العصر الحديث فعند الاطلاع على نماذج معمارية في المراجع لاحظت مدى التشابه بينها وبين العمل النحتي ومن خلال البحث تبيّن لي أن للشكل الهندسي دوراً هاماً في هذه العلاقة وللمدراس الفنيّة الحديثة دوراً هاماً في هذه العلاقة أيضاً من خلال تأكيد المدرسة التكعيبية على أهمية الشكل الهندسي في العمل الفني فكان الفنانون التكعيبيون يختزلون عناصر جسم الإنسان إلى مجموعة مكعبات لقد مهدّت لهذه الحركة رسومات الفنان الانطباعي الفرنسي /بول سيزان/ الذي بسّط العناصر الطبيعة في اللوحة إلى أشكال هندسية وتطوّرت على يد جورج براك وبابلو بيكاسو أيضاً برز الشكل الهندسي في الحركة البنائية وروّادها السوفيات إذ قاموا باستخلاص أشكال من العنصر الهندسي من خلال تحويره للحصول على تكوينات حيوية إضافة إلى إيجاد أشكال مشابهة للمباني يمكن القول أنها ذات هويّة معمارية.

 

وعن أهمية هذه المدارس يضيف النّحات الباشا: تكمن أهمية هذه المدارس بأنها قد أثرت على أسلوب بعض معماريّ رواد العصر الحديث مثل الفرنسي لوكور بوزيه.

قمت بإجراء هذا البحث المعمق في مجلة جامعة دمشق للعلوم الهندسية تحت عنوان (أثر النحت التكعيبي على أسلوب بعض معماريّ العصر الحديث) وفي رسالة الماجستير توصلت إلى نتائج هامة وهي: أن التقارب بين النحت والعمارة حالياً يعود للأسباب التي ذكرتها في حين كان النحت فنٌ تجسيديٌّ لاحق بالعمارة نابعٌ من العقائد الدينية كما طرح البحث الاختلاف في هيئة و دور الفنيّين بين الماضي والحاضر فقد أصبح المبنى الحديث كالعمل النحتي يقوم بتشكيله المعماري كما لو أنّه يشكّل بمادة الصلصال.

وأين وصلت في تجربتك اليوم؟ أجاب الباشا: من خلال تجربتي المتواضعة تعرفت على معظم المواد والتقانات في النحت ومنذ الفكرة الأولية أختار المادة المناسبة لتنفيذ العمل لاسيما أن المادة تؤدي دوراً هاماً في هيئة العمل فالتشكيل بالخشب مثلاً يحتاج لمراعاة طبيعة هذه الخامة دون تجاهل الدور الذي تؤديه في التكوين من خلال طبيعة العروق والحركة ومزايا أخرى وهذه الخامة تقترح على الفنان الكثير من الأفكار وتكون مهمة الفنان استخراج الجمال الكائن في هذا الجماد وكان لي مجموعة تجارب مع الخشب فهو من الخامات المحبّبة لديّ.

في تجربتي البحثية العملية ركزت على الشكل الهندسي في العمل النحتي وكثيراً ما استعنت بتقنية التشكيل المباشر على أرض الواقع لأن هذه التقنية تتيح للنحات الحرية في تطبيق أفكاره والتحكم بأدراج الفضاء الداخلي في التكوين بسهولة ولهذه التقنية ميّزات عديدة منها يمكن أن تعطي سطوحاً ملتوية ولكن يجب مراعاة مراحل التنفيذ بدقة وهذه الطريقة تعد مشابهة للطرق الإنشائية الحديثة في العمارة.

وختم حديثه فقال: ذكر البحث أهمية المواد الحديثة في التقارب بين النحت والعمارة ولذلك أنجزت عدة أعمال تعتمد على الخلط بين عدة مواد في تكوين واحد فكانت أعمال منفذة بواسطة المعدن والخشب والحجر الصناعي والبوليستر.

وأخيراً أقول أن الفنان باحث عن الجمال والتجربة هي الهدف فلولا تجارب الروّاد لما وصل الفن والعمارة إلى هذه الهيئة حالياً.

يمكن أن يكون هذا التكوين بمثابة تمهيد لأشكال مستقبلية لاسيما أننا في عصر السرعة والتقانة فكل شيء في العقل قابل للتنفيذ.

وختم: أتمنى السلام لبلدي الحبيب سورية هذا البلد الذي وزع الحضارة على العالم يليق بها أن تعيش مستقبلاً زاهراً من خلال دعم الفن والفنانين الشباب لتحقيق أحلامهم على أرضهم فالفن من أهم الوجوه الحضارية للشعوب.

مهى الشريقي

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار