في ذكرى رحيل سليمان العيسى.. في ذكرى رحيل شاعر الطفولة ذاكرة تختزل أناشيد راقية في اللغة والمضمون والذائقة الجمالية

الوحدة 20-8-2020    

 

هو شاعر الطفولة والأحاسيس الراقية والقيم النبيلة السامية بامتياز .. هو الشاعر الغني عن التعريف الشاعر الكبير الراحل سليمان العيسى الذي لطالما حرص في شعره الموجه للأطفال – والذي جمعه في ” ديوان الأطفال ” – على أن تتوفر فيه اللفظة الرشيقة الموحية البعيدة الهدف، التي تلقي وراءها ظلالاً وألواناً، وتترك أثراً عميقاً في النفس. هذا الديوان الذي تضمن أكثر من مائتي قصيدة، استطاع الشاعر المبدع، من خلالها، أن يختصر تجاربه الإنسانية والقومية والوطنية والاجتماعية والأسروية بأسلوب غاية في الدقة والشفافية فقد قرب للأطفال الكثير من المفاهيم وعلمهم الكثير من الدروس، ليس في الإطار اللغوي والفني فحسب، وإنما في الإطار الحياتي إجمالاً. وولد في نفوسهم المعاني والقيم الإنسانية السامية وعرفهم بقضايا أمتهم وتاريخها العريق. فحين سئل لماذا تكتب للصغار، أجاب “ لأنهم فرح الحياة ومجدها الحقيقي، لأنهم المستقبل، لأنهم الشباب الذي سيملأ الساحة غدًا أو بعد غد، لأنهم امتدادي وامتدادك في هذه الأرض، لأنهم النبات الذي تبحث عنه أرضنا العربية لتعود إليها دورتها الدموية التي تعطلت ألف عام، وعروبتها التي جفت ألف عام”. وفي ذكرى رحيله ، لابدّ من توجيه الدعوة للقراءة في إبداعاته الشعرية والإبحار في عوالمه الراقية من خلال ” ديوان الأطفال ” الرائع بقصائده وموضوعاته ولمحاته الشعرية الغنية بالمشاعر والأحاسيس الطفولية فكثير من الأطفال العرب يحفظون قصائده. خاصة وأن شاعرنا الراحل الكبير في هذا الديوان خاطب الطفولة بقيثارة الطهر والبراءة، وهمسات الوفاء والمحبة باستخدام اللفظة الرشيقة والسهلة، والموحية ذات الإيقاع السريع الأمر الذي جعل من تلك القصائد أناشيد استقاها شاعرنا من واقع الأطفال، أو من أحلامهم وآمالهم . كيف لا ؟ وهو الذي غذى مخيلة الأطفال بعشرات النصوص فحفظوها بسهولة نظراً لبساطة لغتها وجمال فكرتها وعذوبة بنائها الموسيقي. فكثيراً ما يربط الأطفال أنشودتهم بواقعهم اليومي، وهذا ما جسده لهم شاعرنا الراحل الكبير من خلال أشعاره ، فقد كتب سليمان العيسى للمطر والشجر ولحب الأمهات والآباء والألعاب وتناول بعض المهن التي يحبها الصغار كما في أنشودته «عمي منصور النجار.. ». وقد ترافقت تلك الأناشيد برسومات مناسبة تلامس المخيلة وتسكن فيها . بقي للقول : لقد رحل شاعرنا الكبير سليمان العيسى في التاسع من آب عام 2013 ، لكن صدى قصائده ما يزال في خزان ذاكرتنا ويجب علينا جميعاً العمل على أن ترددها الأجيال من بعدنا ، لتكون الزاد والمنبع الذي يسهم في إثراء خيال أطفالنا عن طريق اللغة و المفردات والصور الشعرية المناسبة لهم، مما يفسح المجال رحباً لمساحة المحبة والعاطفة النبيلة والثقافة المتنوعة كي تتسع في عالمهم الصغير وتسهم بدورها في تكوين شخصياتهم وبنائها بالشكل الأمثل . الجدير بالذكر أن الشاعر الراحل الكبير العيسى الذي ولد سنة 1921 في قرية النعيرية قرب مدينة أنطاكية في لواء اسكندرون يعد واحداً من أبرز الشعراء العرب المعاصرين الذين تناولت أشعارهم الموضوعات الوطنية والقومية كما كرس جزءاً كبيراً من قصائده للطفولة التي رأى فيها الملجأ الأخير لآمال الأمة العربية. وكان الراحل قد تلقى تعليمه في القرية وأنطاكية وحماة ودمشق وتخرج من دار المعلمين العليا ببغداد ثم عمل مدرساً في حلب وموجهاً أول للغة العربية في وزارة التربية. وبدأ كتابة الشعر في التاسعة أو العاشرة وكتب أول ديوان من شعره في القرية تطرق فيه إلى هموم الفلاحين وبؤسهم كما شارك بقصائده القومية في المظاهرات والنضال القومي الذي خاضه أبناء لواء اسكندرون. والشاعر العيسى من مؤسسي “اتحاد الكتاب العرب” في سورية عام 1969. وقد نال الراحل العديد من الجوائز منها جائزة لوتس للشعر من اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا وجائزة الإبداع الشعري من مؤسسة البابطين ووسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة في عام 2005 تقديراً لعطائه الأدبي والثقافي.

فدوى مقوص

تصفح المزيد..
آخر الأخبار