الوحدة 28-6-2020
في العادة، نبدأ تحقيقنا الصحفي بمقدمة تمهّد للقارئ، وتدخله في صلب الموضوع الذي نريد طرحه، اعذرونا هذه المرة، واقرؤوا لتكتشفوا بشكل مباشر ودون مقدمات كمية المخالفات القانونية والاعتداء على أملاك الدولة، والتعالي على القانون من أحد المتنفذين، ثم حجم التغطية على هذه الأفعال من (أحد ما) ضمن هرم المسؤولين في محافظة طرطوس، فما القصة؟
التعدي على خط النفط
يبدو أن ملف المخالفات والتجاوزات يطاردنا هذه الأيام، يرسل إلينا المتضررون شكواهم مدعمة بكل أنواع الإثباتات التي تتراوح بين الدلائل الرسمية الموثقة أو الوجود الفعلي على أرض الواقع، في الحالتين لا نتخذ في (صحيفة الوحدة) القرار بالنشر إلا حين نتوثق وندقق بكل حرف أو صورة، وفوق ذلك نستقصي آراء كل الأطراف ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ولكن حين وردتنا هذه المخالفة أصبنا (بالفالج)، ولم نتوقع في أشد كوابيسنا أن تصل (….) بمن يفترض أن يكون ممثلاً عن أهالي طرطوس إلى هذا الحد من التجبر والغرور، ولم نكن لنظن بطبيعة الحال أن يتم السكوت عنه والتستر على مخالفاته بهذا الاستهتار المريب، فالسيد (خ – ح)، عضو مجلس الشعب، لم يقم فقط بمخالفة بناء في منتجع الرمال الذهبية رغم كل القرارات الوزارية والقضائية التي تأمر بإيقاف العمل والهدم، بل وصل الأمر به إلى حد التعدي على حرمة ثروات البلد، حرم خط أنبوب النفط السوري.
تفاصيل .. وثائق
يتقدم السيد (خ- ح) بطلب رخصة هدم، ثم بناء لتجديد الشاليه الخاص به في منتجع الرمال الذهبية التابع لبلدية متن الساحل، ويحصل على موافقة رخصة بناء رقم /4/ تاريخ 11/1/2016 على العقار رقم /2450/، يتقدم الجيران بشكوى رسمية تدعي أن الرخصة الممنوحة مخالفة لنظام ضابطة البناء، تعقد لجنة ثلاثية الأطراف بناء على الأمر الإداري /6/ تاريخ 16/1/2017 مؤلفة من محافظة طرطوس يمثلها رئيس المكتب الفني الاستشاري وبلدية متن الساحل وعضو اللجنة الإدارية لمجمع الرمال، ومن هنا تبدأ قصتنا المليئة بالتستر والتغطية على هذا المتنفذ المدعوم بشكل أسطوري، فهذه اللجنة تقرر وبعد الكشف الحسي أن المساحة المبنية (110م2) وهي نفس المساحة المرخصة (خليكم متذكرين هالحكي) ولكن ارتفاع القبو يزيد بمقدار (15سم) عما هو موجود في المخططات (يعني كم سنتميتر ما بيستاهلو ينحكى فيهم)، لكن فجأة وبعد تغيير رئيس مجلس بلدية متن الساحل وإقامته الدعوى رقم أساس /668/ لعام 2017 أمام القضاء الإداري بالتشارك مع الجيران وإيقاف العمل بالرخصة قضائياً، وعلى حين غرة يتنبه المسؤولون في مبنى المحافظة ويتغير الكلام في مذكرة عرض على السيد المحافظ رقم /بلا /11/10/ تاريخ 9/2/2017 بشكل مخالف تماماً لما ورد في اللجنة الأولى ويصبح كالآتي: إن مساحة العقار تبلغ (245) م2 وبالتالي فإن رخصة البناء المذكورة منحت خلافاً للأنظمة والقوانين النافذة، بعد ذلك يرسل السيد وزير الإدارة المحلية مشكوراً الكتاب رقم /4083/ش/ق/ه إلى محافظ طرطوس يشرح فيه أن اللجان أقرت بأن الترخيص الممنوح مخالف للأنظمة والقوانين النافذة مع صدور أحكام قضائية تتعلق بوقف الأعمال المذكورة ومع ذلك يتم السماح للمخالف بمتابعة الأعمال وينهي كتابه باتخاذ الإجراءات القانونية عملاً بأحكام المرسوم التشريعي رقم 40 لعام 2012 وإعلامنا النتائج بالسرعة القصوى (بما يعني هدم المخالفة).
رغم كل هذا لم يتحرك أحد في المحافظة ولم يتم تنفيذ كتاب السيد الوزير، لا بل أن المخالف (المتنفذ) استمر في أعماله وتوسع بشكل وقح حتى وصل في بنائه إلى خط النفط.. هكذا وبكل ثقة.
المحافظة.. تتجاهل 4 قرارات وزارية
من المحزن صدقاً (بكل معاني الكلمات) أن المحافظة لم تتجاهل كتاب السيد وزير الإدارة المحلية فقط ، بل حاولت وبشكل هستيري مساعدة المخالف عبر تشكيل لجنة القرار رقم /4260/ مؤلفة من رئيس مجلس المحافظة والخدمات الفنية ورئيس البلدية ومهندسين وصل عددهم إلى أحد عشر عضواً (فقط لا غير) ولجلستين متتاليتين من أجل إلغاء شرط توفر مساحة وجيبة تزيد عن 200 م2 والاكتفاء بتوفر وجيبة جانبية 4 م وما فوق، وكل ذلك لجعل رخصة المتنفذ المحترم (خ – ح) نظامية وغير مخالفة لأنظمة وقوانين ضابطة البناء في المجمع السياحي المقصود، وهنا نطرح سؤالاً اعتراضياً سيخطر على بال جميع القارئين: هل كانت المحافظة بكل مهندسيها ومكاتبها التنفيذية ستجتمع بهذا الحماس لو كانت المخالفة تخص مواطناً عادياً، وهل كانت ستعطيه كل هذه التسهيلات؟ ولكن جميع ما ورد لا يعدو كونه نقطة في بحر التغطية والتسهيلات التي قدمت للمخالف المتنفذ، فجميع اللجان التي شكلتها المحافظة أغفلت تماماً وبشكل مثير للريبة التطرق إلى موضوع التعدي على الأملاك العامة وحرم أنبوب النفط رغم أن عضو لجنة إزالة التعديات في الشركة السورية للنفط أفاد حسب مذكرة قيادة شرطة محافظة طرطوس رقم 19363/و تاريخ 1/1/2018 المعروضة على السيد وزير الداخلية أن خط الصرف الصحي الذي يخدم البناء موضوع الشكوى يمر ضمن حرم خط أنبوب النفط وتم إعلام المدعو (خ – ح) بذلك، أما ممر المشاة غرب البناء المذكور فيقع ضمن حرم الأنبوب وستتم معالجة هذا التعدي مع إدارة مجمع الرمال الذهبية.
أما الدليل الأشد وضوحاً والذي لا يترك مجالاً للشك على حجم التواطؤ و إصرار المحافظة في تغطية هذا التعدي هو كتاب السيد وزير الإدارة المحلية لمحافظ طرطوس والذي يقول فيه حرفياً: لاحقاً لكتبنا ذوات الأرقام ( 3546/ز/ق/ه ) (4083/ش/ق/ه ) (5450/ش/ق/ه ) الموضح من خلالها:
– إن كافة اللجان المشكلة أقرت أن الترخيص الممنوح مخالف للأنظمة والقوانين النافذة ولا سيما ضابطة البناء.
– قيام المخالف بضم الأملاك العامة وحرم أملاك الدولة التي يمر بها خط النفط إلى البناء المخالف.
– السماح للمخالف بمتابعة الأعمال رغم صدور العديد من القرارات بوقف كافة الأعمال.
– إصدار قرارات لتعديل نظام ضابطة البناء بادعاء وجود أكثر من بناء بنفس الحالة.
المرجو الاطلاع واتخاذ الإجراءات القانونية عملاً بأحكام المرسوم التشريعي رقم 40 لعام 2012 وإعلامنا النتائج بالسرعة القصوى.
بما يعني أن عدد الكتب الوزارية بلغ أربعة بالإضافة إلى الأمر القضائي، ورغم ذلك أصرت المحافظة على تجاهل الأمر ولم تتحرك لهدم المخالفة لا بل أنها تمادت في تبرير عدم الهدم بوجود ست مخالفات مشابهة لهذه الحالة (فعلاً .. عذر أقبح من ذنب) واستمر المخالف (المدلل) بالعمل وضم الأملاك العامة وحرم خط النفط لبنائه الحصين حتى أنهاه وشمخ كقلعة حصينة.
فجأة.. حملات هدم
فجأة.. وعلى حين غرة، نهاية العام الماضي وبعد مضي سنوات من الشكاوى، تحركت المحافظة، الكثير من عناصر وقيادة الشرطة مع محافظ طرطوس وبلدية متن الساحل مدججين بالأليات المجنزرة، التقطت الصور بكثرة وضجت صفحات التواصل بالإنجاز الضخم، وللحقيقة فإن أهالي طرطوس سعدوا جداً بهذا التحرك الذي أوقف بعض المتنفذين ورجال المال عند حدهم وأثبت أن القانون فوق الجميع، كان العنوان الرئيسي هدم المخالفات المستفحلة في منتجع الرمال الذهبية لمتنفذين ذاع صيت تجاوزاتهم الفاقعة، لن نناقش هنا جدية ما حصل ولا كيف، هي نظرة متفحصة على أرض الواقع ستفهم الكثير دون عناء، والمخالفة التي نحن بصددها وطريقة معالجتها خير دليل يصور ما جرى فعلاً، فالأمر لم يتعدَ هدم سور بارتفاع أربعين سنتميتراً بطول مترين في الحديقة المجاورة (مع بعض الصور طبعاً) وكفى الله المؤمنين شر القتال، أما البناء البهي فما يزال بكل تعدياته شامخاً في الصف الأول.
إدارة الرمال الذهبية.. تهديد ووعيد
من لا يعرف أن منتجع الرمال الذهبية هو من أهم معالم طرطوس السياحية وأكثرها روعة، ويسعدنا كما يسعد كل أهالي طرطوس فعلاً أن يبقى اسماً وعلامة فارقة تميز هذه المدينة عن أقرانها، في المقابل لا يعني هذا أبداً أن يسمح لبعض المتنفذين بقضم الأملاك العامة والاعتداء على مصدر ثرواته النفطية بكل انعدام مسؤولية، وللأسف الشديد فإن إدارة المنتجع التي كان يجب عليها أن تكون حريصة بكل مسؤولية على حرمة ثروات البلد كحرصها المبالغ فيه على (رفاهية) قاطنيها، أبدت موقفاً شديد الانحياز لصالح المخالف ضد المصلحة العامة، ورغم أنها علمت بكل المخالفات وقرار إيقاف العمل لكنها اختارت التغاضي والتواطؤ معه بشكل مريب – تبين أنه عضو مجلس إدارة في المنتجع- وقرار اللجنة الأولى التي ادعت أن المخالفة لا تعدو كونها عدة سنتيمترات (تذكرتوا) دليل فاقع على هذا التواطؤ، ويثبت ذلك حجم الملفات والمستندات والقرارات ومخططات المسح العقاري الموجودة لدينا لمن يرغب بمراجعتها، لكننا مع ذلك فضلنا إعطاء فرصة تبرير مقنع لرئيس اللجنة الإدارية في المنتجع السيد ماهر داؤود، والذي فوجئنا بترحيبه المشروط بالكثير من التهديد والوعيد، ثم انسحابه وعدم الرد على اتصالاتنا لاحقاً، وسنترفع بأنفسنا عن دخول مهاترات لا تعيد حقاً ولا تنفذ قانوناً ونترك له الرد عل كل كلمة كتبناها، ونظنها بالقطع مؤيدة بوثيقة رسمية برقمها وتاريخها حتى أتخم هذا التحقيق بالأرقام والتواريخ (سيعذر القراء ذلك)، ولأن (صحيفة الوحدة) هي صوت المواطن الغيور على وطنه في آذان كل مسؤول قادر شريف، نعتبر أن دفاعنا عن حرمة ثروات الوطن وحصانة قوانينه هو شرف لم تدفعنا (جهات خارجية) لارتكابه، وإنما ضميرنا المهني بوجه كل مخالف مهما علا شأنه.. لأن الوطن أعلى من الجميع.
كنان وقّاف