الوحدة – نعمان أصلان
سوريا الجديدة بعد تحريرها من النظام البائد لم تعد كما كانت، بل بدأت مرحلة جديدة من البناء والتطوير، وتشجيع الاستثمارات وجذبها باستنهاض الهمم، وجمع القوى الفاعلة في مسيرة البناء وإعادة الإعمار.
انطلاقة قوية
ولكي نبقى في دائرة المنطق والمعقول وقول الحقيقة نؤكّد أن سوريا بعد عام من التحرير انطلقت بخطواتها الأولى، لكنها قوية وقياسية مقارنة بالمدة الزمنية القصيرة لانطلاقتها، وهي عام واحد “عام التحرير”، فما بعد 8/12/12024 ليس كما قبله، فقد تم إعلان بداية سوريا الجديدة سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، ودبلوماسياً وعلى كافة الأصعدة، وحققت إنجازات نوعية في هذه المجالات، و منها في القطاع المصرفي، وللوقوف عند أهم التطورات التي تمت في هذا المجال التقينا رئيسة قسم المصارف في كلية الاقتصاد بجامعة اللاذقية الدكتورة منى لطفي بيطار التي لخّصت لنا تللك التطورات.
التكامل المالي الدولي
رأت الدكتورة بيطار أن القطاع المصرفي شهد في مجال التكامل المالي الدولي العديد من التطورات الإيجابية من أهمها عودة الاتصال بنظامSWIFT بعد انقطاع دام ١٤ عاماً، و إجراء تجارب مراسلة، أو بدء الربط مع المصارف المراسلة في الخارج، وهناك تصريحات عن تخصيص رمز بنكي دولي “إيبان”، وأضافت أن رفع العقوبات عن سوريا ساهم في فك العزلة التي فرضت على النظام المصرفي السوري، مما يساعد على إعادة اندماج المصارف السورية في النظام المالي العالمي، وهذا بدوره سيسهم في تسهيل حركة التجارة الخارجية، وعودة النشاط إلى قنوات التمويل والاستثمار.
وبينت د.بيطار أن عودة نظام السويفت إلى سوريا يمثل خطوة مهمة جداً في عملية إعادة الإعمار، وهي تمهيد لإعادة دمج الاقتصاد السوري بالاقتصاد العالمي، كما ستساعد على إعادة وتحويل الأموال، وإعادة عمل مؤسسات المجتمع المدني، وذلك من خلال التمكن من إرسال التحويلات المالية، وعودة التكنولوجيا المصرفية. كما أن هذا الدمج سيجعل التحويلات المالية أسرع، وأقل كلفة، وأكثر شفافية، وتشجيعاً أكبر للاستثمارات الأجنبية.
كسر العزلة
وأضافت د.بيطار بأنه من المفيد أن نذكر هنا بأنه ومنذ أن فُصلت المصارف السورية عن شبكة “سويفت” قبل نحو ١٤ عاماً، فقد تقلّصت قنوات التحويل الخارجية إلى حدٍّ غير مسبوق، وتراجع تدفّق النقد الأجنبي، ما حوّل المصارف إلى كيانات تعمل ضمن دائرة مغلقة ومعزولة عن الأسواق العالمية، وجعلها تعاني من أزمة سيولة غير مسبوقة، فقد عانت من اختناق مالي غير مسبوق بسبب فقدان الثقة والعزلة الدولية التي تسببت في تجفيف منابع السيولة، لتتحول المصارف إلى كيانات شبه مشلولة، عاجزة عن الإقراض أو استقطاب المدخرات.
واستطردت د.بيطار بالقول بأن عودة نظام “السويفت” لا يعني أبداً بأن الحوالات قد أصبحت متاحة فعلاً لا سيما إذا علمنا بأن السويفت عبارة عن مراسلة بين طرفين، فإن الأمر يقتضي إقامة العلاقة بين الطرفين، لافتة إلى أن التحويل المصرفي الكامل يعني أنّ المصارف السورية أصبحت جزءاً من النظام المالي العالمي، وهذا الأمر يحتاج إلى سنوات من العمل والفحص والتدقيق لأن أي عودة للنظام المالي العالمي تمر عبر التحقق من كل الأرصدة الكبيرة ومصادر الأموال السائلة في السوق، وتحقيق الكثير من متطلبات الامتثال خاصة بعد الفوضى المالية التي كانت سائدة في ظل النظام البائد.
إجراءات حكومية
وقالت د.بيطار بأن ماسبق يعني أنه يستدعي من الحكومة السورية العمل على تطوير منظومة مكافحة غسيل الأموال، وإعطاء الأمان والثقة للمصارف المراسلة، وطباعة عملة جديدة أو إعادة هيكلة العملة الحالية بسحب صفرين منها وسحب القديمة، إلى جانب مراجعة مصادر الأموال الكبيرة والسؤال عن مصدرها.
وأكّدت د. بيطار بأنه ومن أجل منح الثقة وتشجيع الإقراض لابد من العمل على تعديل التشريعات المصرفية ومنها تعزيز استقلالية المصرف المركزي لأن فيه ضمان لجميع الأطراف المعنية، ومحافظة على الاستقرار المالي والنقدي.
ولفتت د.بيطار إلى أن الأمر يستدعي من المصرف المركزي العمل على إعداد إطار تنظيمي ورقابي جديد لإعادة تفعيل علاقات المراسلة المصرفية وتطويرها بين المصارف السورية والمصارف الأجنبية بهدف إعادة دمج القطاع المصرفي السوري في النظام المالي العالمي، وتعزيز الامتثال للمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ودعم الشفافية، وبناء الثقة مع الشركاء الدوليين (ANL/ CFT) مع تطوير أنظمة الدفع والبنية التشغيلية لضمان تحويلات آمنة وإنشاء مؤسسة لضمان الودائع وتعزيز ثقة المودعين.