بعدها صبية و(شو هالحلا)…

الوحدة 9-6-2020

 

أم بسيم ، عمرها من عمر السنديان وما تهزها ريح ولا تقول (تعبانة) والبسمة لا تبرح وجهها الذي لوحته شمس الحقول والبيادر من فرح يكسوها من أخمص قدميها إلى أعلى شعرة في رأسها الذي لفته بغطاء أبيض كقلبها الصافي من مائه العذب، ونظارتها التي تنظر بها إلى البعيد وتبصر وتستبصر بأن الحياة جميلة إذا رضينا بها لنعيش بسلام وخير، والعمل (يجوهر) خاصة في الأرض والحقول.

هو ما تقوله أم بسيم التي لقيتها مع أهل سوق الضيعة حيث ترق العجين وتتناوله كنتها لتلقي به في التنور، حيث لصق بيدها العجين فترد علي التحية بأحسن منها وتضيف (هالعجين ما في حيل) لقد امتصته الشمس لنغير المكان ونسحب التنور ونأتي إلى تحت ظل هذه الشجرة، لا يأتيك شيء دون تعب، وليصل هذا العجين إلى يدنا يحتاج منا الكثير من العمل، بعد الحصاد نأتي بالحبوب لتنقيتها من الشوائب وبعدها نغسلها ونصولها لعدة مرات ونتركها في الشمس لتنشف وتجف ثم نطحنها، كل ما تجدينه أمامنا هو من صنع هاتين اليدين (القريشة والجبن، والسلق والسبانخ، والفليفلة و ..) أربي الأبقار مع أن تكلفتها اليوم كبيرة جداً فكيس العلف لوحده فوق 20ألف ليرة.

أنا وبيت ابني نزرع ونحصد، لدينا أرض وبئر وبقرات، لكن أكثر ما يبعث الانتعاش فينا وله مردود على البيت والأولاد هو حضورنا إلى سوق الضيعة لتصريف منتجاتنا وأحلاها الخبز الذي يجذب بأطراف شذاه كل الزائرين، وبالتالي (برسمل علينا) لأرد الديون التي استقرضتها من دكاكين القرية فليس بيدنا وظيفة وراتب غير هذا العمل الذي نجني منه عيشنا، وفي كل أسبوع أرد الدين لذاك الدكان وهذا المحل (أسكتهم عني) بهذا الفعل إلى حين آخر وموعد السبت من كل أسبوع، والحمد لله ماشي الحال.

لقد رزقني الله من الأولاد 16 ولداً لكن لم يبق منهم اليوم غير 8 أولاد وجميعهم متزوجون ولكل منهم (4-6) أولاد لا أقدر أن أعد أحفادي وفرحي بهم كبير (ما أغلى من الولد غير ولد الولد) ربيتهم ولم أحمل منهم واحداً في حضني وأتمشى به، ولم تجدني يوماً جارة أو إحدى قريباتي أحمل طفلي ولطالما أسمعوني ورموني بقولهن (ما أقسى قلبك) كنت أغير لهم ملابسهم وحفاضهم وأطعمهم وأتركهم على السرير ليطمئن قلبي عليهم أنهم لن يحتاجوا لشيء لحين عودتي من الحقل، لكن اليوم (هزي وما تهزي بالطفل وخديه ودوري فيه) الشغل الكثير لم يكن يدع لنا مجالاً وفسحة لنبقى معهم، وحتى أن يوم الاستحمام والغسيل يأخذ منا النهار بأكمله فلا غسالة ولا غيرها حيث نشعل النار من الساعة 8 صباحاً ولا نطفئها قبل 9 مساء .حيث ندخل ولداً للاستحمام ونخرج الثاني من نفس الباب، ليكون الغسيل بأكوام وغيره أن البيت واسع وكبير فلا نجد الوقت لنحك رأسنا.

واليوم أقول: (الله يعين ابن هالجيل) كانت 80  ألف هي تكاليف الزواج بيت وصيغة للعروس وكل التجهيزات، صيغتي تتضمن ست سحبات بعتها على التوالي لما كبر الأولاد وأصبحت حاجاتهم كثيرة لم أقدر على تلبيتها، والحمد لله منحنا الله القوة والعزيمة لتربيتهم وتزويجهم (الله يسمحلون) لا أدع عملاً غير أن أقوم به من جلب الزوفا إلى الحصاد وتحضير العجين والخبز، ولا أجد في ذلك غير القوة والنشاط والجمال والحياة، صحيح أني ألاقي بعض التعب في آخر النهار لأقول لأبي نسيم بأني متعبة ولم يعد لي حيل وأريد النوم فيرد علي والنور يتوهج من بين شفتيه (بعدك صبية وما تخافي) لأصحو في الساعة 5 صباحاً بكل نشاط وأذهب لحلب البقرات وإطعامها والتنظيف وغيرها الكثير من الأعمال اليومية ولا أرخي ذلك على غيري ولا أنتظر على أحد وما أحلاني ويكون لي وقت لشرب قهوتي مع الزوج والأولاد والأحفاد عند الساعة 7.

لا أكل غير من أرضي وتعبنا وشقائنا فهو ألذ، ومشترياتنا خفيفة من المصنعات والمنظفات، بعد زواج الأولاد وانصرافهم إلى أعمالهم وكل في بيته مع أولاده بت وزوجي لوحدنا اثنين، أولادنا يقومون بنفس العمل في الأرض ونتساعد على مشاق الحياة وأسباب العيش، وبناتي أجدهن غير بنات هذا الجيل فهنّ غير متطلبات ويقمنّ بأعمال الأرض، ولا يبغين زينة الحياة ومباهجها ومفاتنها، ربيتهن على ما أنا عليه وما أجيده فلا يحتجن لأحد، فابنتي سلوى عازبة ولا تنتظر من أحد أن يعطيها مصروفها ويمنن عليها ولا حتى من والدها، بنات جيلها يهتممن بالمظاهر وتعني لهن الكثير وحتى أنهن يستأجرن الفساتين و(توب العيرة ما بدفي) يتجملن لوقت قصير (خديني على عقلي يا بنتي) إذا الله ما أجملك فلا الطبيب قادر على تجميلك وليس الجمال بأنف وعيون بل بالخلق الكريم والقلب الطيب وليس هو ما ندعي فيه أنه مسكين، وآخرتها خلقة رب العالمين، والحمد لله  على كل شيء والله يتلطف بآخرتنا.

 

 هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار