حشرية منفّرة…

الوحدة 9-6-2020

 

تتنوع شخصيات البشر بعدد سكان الأرض في اللحظة الراهنة إذ لا يمكن أن تتطابق شخصيتان تطابقاً تاماً فطبيعة كل إنسان تختلف عن الآخر كاختلاف بصمات الأصابع أو العينين.

لكن مع ذلك تشترك بعض الشخصيات بصفات تجعلنا قادرين على عملية تصنيفها وفرزها بين الإيجابي والسلبي والمقبول والمرفوض وما إلى ذلك.

ومن بين الشخصيات الإشكالية المثيرة للنفور والمسببة للمشكلات قضايا أولئك الناس الذين يتدخلون دائماً في أمور لا تعنيهم ويحشرون أنوفهم في قضايا لا يفقهون منها شيئاً وبالتالي يسيئون إلى الآخرين عن قصد أو عن غير قصد ما يعني  وقوع الأذى بغض النظر عن النوايا وكثيراً ما يجد صاحب الشخصية الحشرية نفسه في مواقف لا يحسد عليها إذ إن من يتدخل في ما لا يعنيه يجد ما لا يرضيه.

فقد تتطور تلك المواقف إلى درجة الأذى الجسدي أو اللفظي نظراً للاستفزاز غير العادي  الذي يمارسه الحشري تجاه الطرف الآخر وتتجلى حشرية هؤلاء السمجين وتدخلهم بشؤون الآخرين في عدد كبير من المواقف فقد نجد واحداً منهم يتفحص من أمامه ويحدق في ملابسه أو تسريحة شعره أو غير ذلك ثم يبدأ ثرثرته منتقداً متهكماً ملقياً لكلماته الثقيلة من دون تفكير ما يجعلها تغرز كالسهام في صدر الآخر وهنا لا أحد يتوقع  شكل ردة فعل الطرف المنقود التي قد تكون عنيفة وغير محسوبة العواقب وكل ذلك بسبب حشرية شخص لا يزن المسائل بميزان العقل فيتنطح لقضايا لا ناقة له فيها ولا جم .

ويزيد الطين بلة حين تمتلك تلك الشخصيات الحشرية بعضاً من السلطات الإدارية أو الاجتماعية أو السياسية أو غير ذلك بحيث تزداد وقاحة ويصبح همها الوحيد تنغيص عيش من حولها  حتى أنها تقترب سلوكياتها وتوجهاتها من سلوكيات أعتى الديكتاتوريين وتوجهاتهم الراديكالية المقيتة.

وهناك كثير من أمثلة حية نعيشها يومياً والتي تجسد نماذج تلك الشخصيات  القلقة المتوترة دائماً لكونها تريد للبشر جميعهم أن يمروا عبر إبرة حددوا شكلها واتساعها بحسب معتقداتهم البائدة وبالتالي على كل شخص لا يتلاءم حجمه مع ذلك الثقب الصغير أن يعمل على تغيير ذاته قلباً وقالباً لكي يستطيع المرور لو أراد أن ينال رضى من نصّبوا أنفسهم قيمين على سلوك وأنماط تفكير البشر.

المضحك في المسألة ان أولئك النقاد الذين فوضوا أنفسهم لمحاسبة الناس بلا تصريح من أحد على الأرض أوفي السماء لا يتقبلون أي انتقاد او اتهام أو ملاحظة بل يتحولون إلى كائنات شرسة تزمجر وتنخر وتشخر وتصرخ وتركل وتولول لو قيض لأحد من حولهم أن يعلق تعليقاً بسيطاً على أمر يتعلق بهم. فهذه النوعية من الناس اعتادت أن تتكلم فيصغي الآخرون ولا يردون وأن تتهم ولا تحاسب وأن تشتم وان لا تكم أفواهها لأنها تستمد قوتها من المفاهيم البالية التي تنخر بالمجتمعات المتخلفة وعن المقدس الذي حملت لواء الدفاع عنه وهو منها براء لكن المشكلة أننا وصلنا إلى زمن بات الرعاع يحددون فيه وجهة المستقبل ويتحكمون بمصائر أصحاب العقول النهضوية وهذه هي مأساتنا وطامتنا الكبرى.

 

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار