الزواج.. ليس رجلاً يصفع وامرأة تخضع ..!

الوحدة 8-6-2020

 

هل صحيح أن الضرب تعبير عنيف عن الحبّ؟ من المقولات الشائعة بين النساء مقولة (إن كان يضربك فهو إذاً يحبك)  وذات مرة اشتكت امرأة إلى المحكمة ضد زوجها لأنه قام بضربها أمام أبنائها فما كان من القاضي إلا أن قام أمام الملأ وفي نبرة بين الجد والهزل: ما المشكلة يا عزيزتي فذلك دليل على أنه يحبك لكن تلك المقولة لم تعد تنطلي على العديد من النساء.

باستثناء الأكثر سذاجة منهن واللاتي يخترن تحمّل الضرب من دون شكوى والمشكلة أن رجال الشرطة لا تأخذ الأمر دائماً على محمل الجد وكثيراً ما يرفضون التوجه إلى منزل يشهد عنفاً زوجياً ويعتبرون أن ما دام الأمر يتعلق بضرب الرجل لزوجته فالزوجة إذاً في أيد أمينة ولا داع للتدخل.

مشكلة العنف الزوجي عالمية الطابع وفي كل بلد هناك سجلات وإحصاءات للعنف الموجه ضد المرأة ولعل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان لا تنفك تنشر مثل تلك الإحصاءات الدولية ومعها التحذيرات التي قلما تجد آذاناً صاغية.

وإذا كان ضرب الزوجات يمثل علة متعددة الجنسيات فهناك ظاهرة أخرى مرتبطة تمام الارتباط بهذه الظاهرة وهي مشكلة إحجام النساء عن الشكوى وفي الكثير من الحالات التي تلجأ فيها المرأة للشكوى فإنها سرعان ما تتراجع عنها ولهذا التراجع أسباب عديدة تختلف باختلاف المجتمعات.

بعض النساء يتراجعن خوفاً على أزواجهن من العقوبة وقالت امرأة في استجواب أجري على ضحايا العنف المنزلي من النساء إنها ذهبت بنفسها وتوسلت إلى ضابط الشرطة بأن يفرج عن زوجها على الرغم من أنها خرجت لتوها من غرفة الإسعاف نتيجة الضرب المبرح الذي تعرضت له على يد زوجها.

وبعض النساء يتراجعن اعتقاداً منهن أنه لا فائدة من الشكوى إذ أن القوانين غالباً ما تكون لمصلحة الرجل كما أن الشكوى غالباً ما تنتهي بانتقام الرجل من المرأة وفي بعض المجتمعات العربية هناك أعراف اجتماعية تجعل من العيب على المرأة أن تشتكي زوجها للشرطة كما أن الخوف على مشاعر الأبناء وتفادي شماته الشامتين وأسباب أخرى تقف في سبيل تخليص المرأة حقها من زوجها المعتدي.

لماذا ينتشر العنف المنزلي وبالأخص ذلك الموجه ضد المرأة؟

قد يتشعب الحديث عن الأسباب التفصيلية إلا أنه في كل الأحوال هناك وصف مشترك وهو أن الرجل يلجأ إلى حل خلافاته الزوجية تحت (الفصل السابع) إنه الطرف الذي يمتلك القوة (قوة العضلات طبعاً) وهو الذي يمتلك المشروعية (مشروعية التفوق الذكوري على امتداد القرون وهو الذي يمتلك الأفضلية المجتمعية وكل ذلك يسهل له مهمته.

أي حياة زوجية تلك التي تكون بين رجل يصفع وامرأة تخضع!

إن استمرار الحياة الزوجية بهيئتها القائمة على الكرامة والحبّ الإنساني يتطلب أربعة عناصر:

العنصر الأول: هو الأمن النفسي المرأة بحاجة إلى أن تواجه زوجها من دون أن تهيئ يدها لحماية خدها من الصفع إنها بحاجة إلى الأمان لكي تقول كل ما يعتمل بعقلها فكتمان ما في النفس لا يلغي وجوده بل إن الكتمان عادة ما يراكم أسباب الانفجار.

العنصر الثاني: هو وجود طريقة آمنة للتحاور إن الحوار تحت الفصل السابع هو أمر لا يليق بالعلاقة الزوجية لا يستقيم الحوار تحت التهديد.

العنصر الثالث: ثمة ضرورة للتعبير عن الغضب إن المرأة التي اخترتها للزواج هي بشر مثلك لها ما لك من أحاسيس وجهاز عصبي له قدرة على الاحتمال وإذا كان الله خلق الغضب لحكمة لديه فمن الضروري أن يتم إطلاق الغضب لئلا يتحول إلى برميل بارود .إن التعبير عن الغضب أمر مشروع ولكن لا تأخذن من ذلك على أنه مسوغ لك كي تستخدم عضلاتك بدافع الغضب.

العنصر الرابع: هو الاحترام هذا العنصر يمثل شيفرة قانونية ضمنية بين الزوجين فحتى عندما يخبو وهج الحبّ ويتضاءل فإن الاحترام يبقى ومن أسباب العنف الأسري: طريقة التربية التي تربى الفرد عليها فالزوج الذي كان أهله عنيفين معه عند احتدام الخلاف معه نجده يسقط ذلك على زوجته وكذلك الزوجة التي اعتادت لغة الصراخ والسب والشتائم في أسرتها نجدها تميل إلى استفزاز الزوج الأمر الذي قد يدفعه لاستخدام ذلك ذريعة للضرب وهناك سبب آخر للضرب يتمثل في شخصية كل من الزوجين وهناك ربط بين الضرب وبين الشخصية المهمشة او الضعيفة وخلافاً لما يشير إليه ظاهر الأمر فإن الرجل الذي يصفع زوجته ويحط بذلك من كرامتها يعاني في الأصل شرخاً داخلياً ينتقص من إحساسه بالكرامة وقلة تقديره لذاته لأن من يحترم ذاته ويعرف معنى الاحترام يستطيع تقدير الألم الذي يسببه الحط من الكرامة لدى الآخرين وبالذات أعز الناس وأقربهم وعادة ما يكون شخص عاش طفولة ركيكة من الناحية التربوية ولم يتعلم الاعتماد على الذات والشخصية الاستقلالية.

ولا يثق بالآخرين ولا بنفسه هذا الشخص يعاني عقدة الاضطهاد وغالباً ما يكون ضحية عنف في صغره لذلك يكون لديه صدمات وصعوبات نفسية تجعله شبه منعزل اجتماعياً ونفسياً وغير قادر على مد جسور التعامل مع الآخرين ذا كيان هش وإن كان يبدو قوياً من الناحية الجسدية.

أما صفات المرأة التي تستسلم للعنف الزوجي وتستطيبه من دون مقاومة أو محاولة تغيير الحال فهي شخصية سلبية سهلة الانقياد ومهزوزة جاهلة لا تؤمن بحقها بالاحترام بل تعتقد إنها تستحق الضرب لمجرد كونها امرأة ولأنها كائن خطاء خلافاً للرجل الذي لا يخطئ ولا تكتفي بالضرب بل تلوم نفسها تحقّر ذاتها لأنها تعتقد إنها سبب ثورة الرجل.

تعتقد أن زوجها يضربها لكي تصبح أحسن وأن ضربه لها و دليل على حبه لها وتبرر عنف زوجها بسذاجة وتحاول إخفاء بعض الكدمات لحمايته إما خوفاً عليه من العقوبة وإما أملًا في أن يقلع عن ضربها من تلقاء نفسه.

ولديها شعور بالاتكالية ولا يمكن لها أن تعيش من دون الاعتماد الكلي على الرجل.

وتعتقد أحياناً أن وجوده في حياتها هو مصدر لحياتها نفسها وبالتالي فمهما فعل لن تتخلى عنه وإن أكثر ما تخشاه في هذه الحياة هو الطلاق ولأنها كذلك فهي مستعدة لتحمل أعظم الخطوب حتى لو كان الضرب فهي قليلة التقدير لذاتها وهي وإن كانت تحترم نفسها قليلاً فإنها تفقد ذلك الاحترام مع الزمن ومع اعتيادها على الضرب وتقبلها إياه.

 

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار