الجانب الآخر.. من الشخصية

الوحدة: 2- 6- 2020

 

كل شخصية بشرية سواء أكانت سوية أم معتلة نفسياً لديها جانب آخر اعترفنا بذلك أم لا، والجانب الآخر هذا إما يظهر عرضاً دون قصد أو في حالات خاصة ونادرة، وإما لا يظهر أبداً، ولكن نحس به لدى الشخص الآخر مجرد إحساس، ولذلك فإن مصطلح (برسونا) الذي تم منه اشتقاق مسمى (برسوناليني) أي الشخصية جاء في الأصل من كلمة لاتينية معناها  الحرفي (القناع) فهل كل شخص تعد شخصيته الظاهرة (قناعاً) يغطي به شخصيته الحقيقية؟! والجواب هو وبشيء من النسبية (نعم) ولكن ما الضرر في أن يُظهر الإنسان للباقين أفضل سلوكياته والجواب لا ضرر في ذلك بشرط ألا يخدعهم أو لا يستفيد بأي شكل من الأشكال  بصورة مباشرة أو غير مباشرة من ذلك.

ومن المعروف أننا نحن الشرقيين لدينا مساحة رحبة للمجاملات والقبل الباردة والكلمات التي ليست بالضرورة دقيقة حين نستخدمها لنجامل شخصاً نحن في الحقيقة لا نطيقه وربما هو أيضاً لا يطيقنا، ولكنها روح الشرق وقيمه التي تفرق وتجمع بينما تقل مثل هذه المساحات أو تتلاشى في المجتمعات الأكثر تحضراً ورقياً… فهل المجاملات هذه من إرث التخلف أم إنها طبيعية المجتمع الشرقي وتراثه الثقافي والاجتماعي الذي يضع معايير صارمة ثم مسارات جانبية واسعة لتجاوزها أعتقد أننا نبالغ جداً في موضوع المجاملات مع الغير لدرجة يكون  فيها بعضنا غير صريح وصادق مع نفسه أي أن الجانب الآخر منه متناقض تمام التناقض مع الجانب الظاهر منه للشخص الذي أمامه, والذي ربما يكون هو الآخر على نفس شاكلته أي أننا أمام شخصين إيجابيين مع بعضهما في كل شيء يخفيان خلفهما شخصين سلبيين مع بعضهما إن صح التعبير وما ذلك إلا لضرورات اجتماعية كان من الممكن تجاهلها.

فالشخص الذي لا أطيقه من الأفضل أن أعلمه بذلك وأتمنى من الشخص الذي لا يطيقني أن يعلمني بذلك أيضاً وعندها سينصرف كل واحد في حال سبيله وربما يلتقي كل منّا شخصاً أكثر تقبلاً وتفهماً له ولكننا للأسف نظل نخفي ونداري الجانب الآخر من سلوكنا…

وتمرّ الأعوام لنكتشف بعدها أننا ألزمنا أنفسنا التعايش مع أشخاص لا نطيقهم ظنونا أصدقاء لأننا لم نصارحهم وحسبونا أصدقاء لأنهم لم يفهمونا وفي ذلك ما فيه من علاقات تتبخر لأنها في الأصل لم تكن إلا خيوط عنكبوت أخفتها شخصياتنا عنا وأظهرت لنا ما نحب أن نراه لا ما يجب أن نراه فانخدعنا بالسراب ومشينا خلفه إلى أن يتبين لنا ذات يوم يبعد أو يقصر أنه ليس إلا سراباً.

لمي معروف

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار